خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين بخصوص الإنشاء النافل

لماذا «الليل مدلهم»، و«الشمس ساطعة»، و«القمر منير»؟ الأرجح أن هذه العبارات، تسللت من مواضيع الإنشاء المدرسية التي يكتبها الكبار غالباً، ذلك لو أننا سألنا تلميذاً في الخامس الابتدائي عن معنى مدلهم، فسيرتبك على الفور، لأنه ببساطة اعتاد أن تلحق بالليل هذه الكلمة من دون أن يفهم السبب بدقة، وإلا سيخسر علامة في تقييم الموضوع .

الأنكى من ذلك أن يكون موضوع التعبير تحت البند التالي «صف زيارة قمت بها إلى ريفنا الجميل».
للأسف فإن «ريفنا الجميل» لم يعد ريفاً جميلاً بالمعنى الذي يتطلبه موضوع الإنشاء، ولكن المدارس لا تهتم بالواقع المتبدل للريف، وهكذا لابد أن يكتب التلميذ، ولو من باب رفع العتب، إنه لعب في الأرجوحة «في بستان جدي»، وطارد الدجاج والبط في فناء المنزل، واستمع إلى حكاية من جدته، قبل النوم، وكأن التلفزيون آلة معطّلة وصمّاء.
مشكلة المنهاج المدرسي لا تتوقف عند حدود مواضيع الإنشاء، بل تتعداها إلى بنية التعليم برمته، هذا التعليم القائم على التلقين وليس على المحاكمة العقلية، وتوقّفه عند الزمن السعيد للأشياء، من دون الاعتراف بأن أجزاء الليرة لم تعد موجودة في التداول إلا في دروس الحساب المضجرة.
ولكن ماذا لو رفعنا العيار إلى أعلى، ووصلنا إلى منهاج الجامعة كأرفع مؤسسة تعليمية؟ بصراحة لن يختلف الأمر كثيراً، بدليل أن المتخرج من أحد الفروع، خصوصاً في الآداب والعلوم الإنسانية، سيجد شارعاً آخر، غير ذلك الموجود في بطون الكتب.
المسألة إذاً، تتعلق في المقام الأول بالمخيّلة، وللأسف فإن المخيّلة التعليمية لا تزال تبث بالأبيض والأسود، ومن محطة أرضية لا تعترف بالفضائيات.
هكذا يتوقف الأدب في الجامعة عند تجارب الستينيات على أبعد تقدير، ليلغي نصف قرن من الحداثة العربية، من دون أن يعترف بالتحولات السردية التي طرأت على الذائقة الجديدة لجهة التلقي والمحاكمة، والقبول أو الرفض.
من المؤسف أيضاً أن أغلب أساتذة الجامعة، توقفوا عند حدود الأطروحة التي ناقشوها لنيل الدرجة العلمية، ثم طلّقوا القراءة إلى الأبد، ولم يعودوا معنيين بأية تيارات جديدة، وأكثر من ذلك يرفضون أي مقترح مغاير. قصيدة النثر العربية التي تجاوز عمرها نصف قرن، لا تزال ملعونة وآثمة في أروقة الجامعة، ويُمنع الاقتراب من نصوص أعلامها، فهي بدعة استعمارية بامتياز، كما أن رسائل الماجستير والدكتوراه محكومة بسقف زمني في الاختيارات، وكأن قدر الطالب أن يصعد في قطار يعمل على الفحم، في رحلة إلى الزبداني، ويستمع لأغنية «يا طيرة طيري يا حمامة»، ويصفق رغماً عنه، للزمن السعيد الآفل.   

معلومات إضافية

العدد رقم:
406