الغناء السرياني من سومر إلى زالين

الغناء السرياني من سومر إلى زالين

يشكل كتاب «الغناء السرياني من سومر إلى زالين» للباحث في التراث جوزيف أسمر ملكي، محطة هامة في تاريخ المنطقة وموروثنا الموسيقي والغنائي.

يؤرخ الباحث ملكي موضوعه برؤية توثيقية تبدأ من سومر وأكاد حيث وضعت أصول الموسيقى، والغناء، والرقص، والاحتفالات الدينية الشعبية، وقد ظهرت أورنينا كسيدة المغنين في معابد مدينة ماري.

وبهذا المعنى جاءت الموسيقى السريانية امتداداً لهذه الحضارة العظيمة، وكانت قد وصلت هذه الموسيقى إلى درجة عالية من الرقي المعنوي في العهد البابلي عام (2000 إلى 1000 ق.م.)، مما دفع أحد شعراء حمورابي إلى القول: إن الغناء أحلى من العسل والشراب.

أما في المرحلة الآشورية (1000 ق.م.)، فقد تطورت الموسيقى ووصلت إلى المستوى الذي نحن عليه في العصر الحاضر، وشواهد ذلك تلك الاحتفالات المدنية التي تجري في مدن المنطقة جميعها، زمن سومر، وبابل، وآرام، وكنعان... من خلال أعياد رأس السنة في أول الربيع (أول نيسان)، حيث ظهرت عشتار بأبهى عظمتها.

إن ازدهار الموسيقى في المدن الكنعانية والآرامية، حيث حمل الفينيقيون في رحلاتهم البحرية فناً وأدباً مثلما حمل الآراميون آلاتهم الموسيقية في رحلاتهم التجارية إلى مدن فارس والسند والجزيرة العربية وصولاً إلى اليونان وإيطاليا وإسبانيا وشمال أفريقيا.

وعند مجيء المسيحية، رُتّلت الألحان السريانية في المعابد، وأصبحت جزءاً من ألحانها التي تم جمعها في كتاب: خزانة الألحان (أي بيت كاز باللغة السريانية)، وبذلك فقد ورثت الكنيسة السريانية الألحان القديمة وأصبحت مخزناً لها، وقد اشتهر في وضع الألحان السريانية، برديصان الرهاوي، وابنه هرمونيوس ومار أفرام الذي بلغ مرتبة عالية من الغزارة الشعرية والفصاحة، حتى لقب بكنارة الروح القدس، وقد نقلت ألحانه إلى اليونانية.

ومع انقسام الكنيسة السريانية إلى كنائس عدة، أخذت تلك الألحان تنقسم إلى طقوس عديدة مستقلة منها:

1-  الطقس السرياني الأنطاكي الغربي، الذي يتبعه السريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك، والسريان الملنكار الأرثوذكس والكاثوليك في الهند.

2-  الطقس السرياني الغربي، وتتبعه الكنيستان: الآشورية والكلدانية، المنضمتان أيضا إلى روما.

وللألحان السريانية، مدارس مختلفة تم تحديدها في:

المدرسة العراقية، وتحتوي على مدرستين تكريت والموصل.

المدرسة التركية، وتحتوي على مدارس: الرها، وطورعبدين، ودير الزعفران (ماردين)، وبازبداي آزخ، وجزيرة عمر

مدارس بلاد الشام، وتحتوي على ألحان مدارس منطقة صدد وزيدل، إضافة إلى تلك الألحان التي تقع في تركيا الآن.

ويتابع الباحث ملكي في كتابه القيم هذا، الأناشيد الكنسية السريانية والأدعية التي ظهرت في صدر المسيحية كنشيد «المدراش»، وهي أقدم الأغاني السريانية عهداً، وأبلغها وأرقها معنى، وهي قريبة من الموشح الأندلسي.

جذور السلم الموسيقي 

السومري السباعي

لقد اكتشف أمر هذا السلم من قبل العالم الأثري ( لينار وولي ) عام 1927 م على قيثارة (سومر) التي يعود تاريخها إلى حوالي القرن (25) ق.م، وبالاعتماد عليها أمكن إثبات أبعاد السلم السباعي، وتؤكد ذلك المنظومات التي اكتشفت محفورة على الآجر في خرائب ( أور) و(نينوى) وكذلك اكتشف في عصرنا هذا علماء أثريون هذا السلم السباعي الأكادي الذي يعود أصله إلى السومريين، واستطاع موسيقيون من جامعة واشنطن أن يكشفوا الستار عن هذا السلم وعن ألحانه، وعن أسمائهم السبعة من اللغة الأكادية، كما وردت، كما أنهم سجلوا باللغة الانكليزية شريطاً وعزفوا ألحانه السبعة التالية : 

اللحن الأول : ايشاتو 

اللحن الثاني : كيتمو 

اللحن الثالث : امبوبو 

اللحن الرابع : بيتو 

اللحن الخامس : نيد كابليت 

اللحن السادس : نيش كاباري 

اللحن السابع : كابليتو 

ولقد اكتشف هؤلاء العلماء هذا السلم منقوشاً على قطع الآجر برموز مسمارية وكشفوا على ألواح آجر أخرى بلغة أكادية .

السلم الموسيقي السوري

لقد تم وضع السلم الموسيقي السوري التاريخي من الألحان الثمانية التي تستعمل في الكنيسة السريانية الأنطاكية، ومنها انبثقت الألحان الموجودة في العالم جميع، والتي يتكلم عنها وقدرها الموسيقار (الفارابي) بحوالي (000 3) لحن. 

وتبنى الألحان في الكنيسة السريانية على القيثارة السومرية التاريخية الخالدة ذات الأوتار السبعة أساساً ويبدأ اللحن الأول على الوتر الأول. 

وهكذا تدريجياً إلى الوتر الإضافي وقد تم تحويل وتبديل أسماء هذه الألحان من اللغة الآرامية إلى اللغة العربية . 

أكاديّاً

بعد القديس (افرام) نبغ موسيقيون كنائسيون آخرون منهم اسحق الرهاوي (491) ومار بالاي أسقف بالش (342) ومار رابولا (411 ـ 435 م) وغيرهم حتى بلغ عدد الملحنين المشهورين في الكنيسة السريانية (37) ملحناً منهم (15) ملحناً من السريان المشارقة مثل (مارشمعون ـ مارصباعي نرساي ـ يشوع ابن نون ـ ايليا الانباي وغيرهم)

أما الملحنون من السريان الغربيين فبلغ عددهم (22) ملحناً فيكون المجموع (37) ملحناً 

وبعد الانتهاء من التلحين اتفق الجميع وأطلقوا على الألحان الثمانية أي على السلم الموسيقي اسم (أكاديا) باللغة السريانية للدلالة على أن هذا السلم يعود بجذوره إلى الشعب الأكادي .