معارك الفراغ

يغيب المشروع، فيشرع مشعلو الحروب الجانبية بالبحث عما يسليهم ويخرجهم من فتور أيامهم.. يبدؤون بالمناوشات.. ومن ثم بالتوهم بأن الطرف الآخر الذي لا ملامح أو علامات فارقة له قد بدأ بالرد أو بالهجوم المعاكس.. وهكذا تتوقف طواحين الهواء التعسة عن الدوران بعد أن تتكسر أطرافها الخشبية بسيوف عمياء فقدت خصمها أو عدوها الحقيقي وبوصلتها الهادية..

الزوابع الأخيرة، و«نقائض» الفخر والهجاء، وكيل الاتهامات، والاصطفافات العشوائية، والمحاججات المسطحة بين من يسمون «مثقفين»، في بلدنا على وجه الخصوص، وخارج حدودنا، حول معركة لم تحدث بين رئيس اتحاد الكتاب العرب د. حسين جمعة والأديب سعد الله ونوس، ولن تحدث أبداً.. لم تُثَر هذه الزوابع إلا من فراغ مرعب ما يزال (رجالات الثقافة) غارقين فيه حتى نقي عظامهم..

شخصان «بائسان» أحدهما حي والآخر ميت.. (ولا يقمنّ أحد بأي اجتهاد على الجملة الأخيرة).. يأكل منهما المتقولون بنهم وحشي: من كرامة الحي الموصوف كنكرة، وبالتالي فهو من وجهة نظر هذا الجمع الفوضوي المصر على التنكير: نكرة موصوفة.. ومن ذكرى الميت المبدع المثقل ظهره بأنصار كانوا في حياته وما يزالون بعد رحيله، في معظمهم، مزيفي النصرة غامضي الغايات تائهي البصيرة والسريرة..

سعد الله ونوس حياً وميتاً علم كبير وأديب مبدع لم يعد ثمة فرصة لأحد ليطعن في عظمته، ويكفيه مجداً أنه كان من أوائل الذين خاطبوا العقل العربي قبل أن يخاطبوا وجدان حامليه وعواطفهم.. والحقيقة أنه لم يقل أحد عكس ذلك!

من أثار الزوابع.. ومن سار على نهجه.. ومن دخل ليعارك ناصراً أخاه ظالماً أو مظلوماً.. ومن اتهم، ومن اتُهم، ومن احتشد نصيراً، ومن سار تحت ألوية الزيف هذه كلها.. ترك معركته الحقيقية التي ربما لم يسمع بها أصلاً.. معركة الحياة والوجود والأمل بالآتي، وزج نفسه بمعركة لايقتل فيها في النهاية إلا نفسه.. واحتمالاً بسيطاًً بأن نخطو نحو أحلامنا خطوة صغيرة إلى الأمام..

■  جهاد أسعد محمد

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على السبت, 12 تشرين2/نوفمبر 2016 13:51