«الراعي» يستيقظ بعد قرن

«الراعي» يستيقظ بعد قرن

ظهرت الكثير من المؤلفات التي تحمل عنوان «تاريخ الأدب الكردي»، في القرن العشرين، إذ يتنطح لهذه المهمة كاتب ما، فيقوم بتأليف كتاب عن تاريخ الأدب الكردي مدفوعاً بأهداف ونوايا مختلفة، إما بحثية أو سياسية.. الخ. وغالباً ما يفتقد إلى المنهج العلمي، أو المعرفة الكافية عن مختلف جوانب الأدب الكردي، وبالنتيجة يقوم بتجميع ما كتبه سابقوه وإعادة ترتيبه، وهكذا امتلأت المكتبات بكتب ذات طابع سردي والتي شوه بعضها الأدب والتاريخ وسوق لآراء مؤلفيها. 

وقد تعاملت أغلب هذه المؤلفات مع موضوع الأدب بطريقة جرى فيها سلخ الأدب عن الواقع، مما ساهم في التعتيم على التاريخ الكردي الفعلي، ونشر الآراء التضليلية بين الناس، وكانت هذه النتيجة في كثير من الأحيان عكس رغبة صانعيها أنفسهم. مع ذلك يعكس الأدب الكردي كما باقي أنواع الأدب، التناقضات الموجودة في المجتمع والحياة عند الأكراد كباقي شعوب الشرق.

من تواريخ الأدب الكردي 

يشكل كتاب «تاريخ الأدب الكردي» للبروفيسور السوفييتي الراحل قناتي شاموفيتش كردوييف استثناءً إلى حد ما،  فرغم نواقص عمله كلها، قام كردوييف بفرز الأفكار الفلسفية التي عبر عنها الأدب، وتكلم عن أدبين متناقضين: «أدب يمثل الطبقات الغنية وأدب يمثل الطبقات الفقيرة»، وحاول تصوير التمايز الطبقي عند الكرد عبر التاريخ، الذي جرى إخفاؤه في الكتب السابقة.

أكد كردوييف في كتابه وحدة حال الشعوب العربية والكردية والتركية والإيرانية، وذكر أن معظم الأدباء الكرد كانوا يجيدون اللغات الكردية والعربية والفارسية والتركية، إضافة إلى معرفتهم بأحوال الناس وظروفهم المتشابهة في أغلبها منذ القديم الماضي.

في فصول الكتاب المختلفة، نستطيع أن نتتبع تأكيده ودراسته لدور المرحلة السوفيتية في نشر الأدب الكردي في العالم، وأن ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى كانت نقطة علّام في تاريخ هذا الأدب، فقد قامت بكسر تلك الرؤية الأوروبية الغربية بشكل عام والبريطانية بشكل خاص حول «عدم وجود أدب كردي»، وقامت بدور كبير في حماية وتدوين الأدب والتراث الكردي وانتعاشه. ذاكراً محاولات حرف نضال الشعب الكردي عن مساره الوطني نحو مسار انعزالي لا يخدم مصالحه.

انتقد كردوييف ما يسمى الاستقلالية أو الحياد في دراسة الأدب الكردي منتقداً وقوع الكتّاب والمؤلفين في هذا المستنقع مشيراً إلى ربط الأدب بالحياة الاقتصادية الاجتماعية.

«تعلموا الكردية بأنفسكم»

عشية الحرب العالمية الأولى كانت مناطق أردهان وقارس وأرضروم وآرارات التركية الحالية تابعة للإمبراطورية الروسية، وكما باقي المناطق نشط البلاشفة في هذه الأرض بين الرعاة والرحل والقرويين، ومن بين هؤلاء ظهر الراعي عرب شاميلوف كناشط بلشفي بين هؤلاء البؤساء.

التقى مع البلاشفة لأول مرة في أرضررم عام 1916 في اجتماع حاشد، وبسبب خطاب ألقاه، ألقى البوليس القيصري القبض عليه في سجن ساريكاميس. بدأ، بعد خروجه من السجن، وبتوجيهات من حزب «البلاشفة» حينها بقيادة العمل الحزبي بين الفلاحين في تلك المناطق، وكان من النشاط بحيث أصبحت مفارز القيصرية كلها تبحث عنه. سافر سراً إلى ستافروبول في القفقاس، وفي سنوات 1917 – 1920 كان يشارك في الحرب ضمن الحرس الأحمر في القفقاس. 

في عام 1927، وبمساعدة البروفيسور أوربيلي واسحاق مورغوليف قام بتحضير أول مرة لأبجدية بحروف لاتينية للغة الكردية وفي السنة نفسها، بدأ تعليم اللغة الكردية بالأحرف اللاتينية في أرمينيا السوفييتية وفي عام 1928 اعترف الاتحاد السوفييتي باللغة الكردية بالأحرف اللاتينية. وأصدر أول كتيب بذلك عام 1929 وهو أول كتاب لاتيني باللغة الكردية بعنوان: «تعلموا الكردية بأنفسكم». 

«الطريق الجديد»

اعتباراً من 1930، تم إصدار جريدة «الطريق الجديد» بالأحرف اللاتينية الكوردية وكان شاميلوف من أبرز مؤسسيها وكتابها. نشطت مؤسسات الدولة السوفييتية في تنشيط الثقافة الكردية في الاتحاد السوفييتي، وصدرت عدة صحف باللغة الكردية في أرمينيا وجورجيا وآذربيجان، مثل صحف: طريق ثورة أكتوبر – الكولخوز -  صوت القرويين – الطريق الجديد – كردستان السوفييتية.

بتاريخ 1 كانون الثاني 1930 افتتحت أول مدرسة لتخريج معلمين باللغة الكردية، وتم تخريج 101 معلماً في أرمينيا وآذربيجان و70  في جورجيا، وظهرت أول رواية باللغة الكردية لعرب شاميلوف بعنوان «الراعي الكردي»، صور فيها حالة الصراع بين الآغوات والخانات من جهة، والفلاحين والرعاة من جهة أخرى.  لاحقاً، تطورت الثقافة الكردية خاصة بعد انعقاد مؤتمر الكردولوجيا الأول في الاتحاد السوفييتي عام 1934.

ترك شاميلوف تراثاً أدبياً كبيراً منها روايات: الحياة السعيدة، دمدم، هوبو، الفجر، الراعي الكردي. وقصة: حكاية الشعب الكردي، وكتاب عن سيرة حياة لينين، وعشرات من قصص الأطفال والمقالات والكتابات الأخرى. كتب سيناريو فيلم أكراد أرمينيا عام 1959 يتحدث عن 40 عاماً من التحولات الاقتصادية الاجتماعية في حياتهم الفيلم من إخراج جيم جامهاريان آخذاً في ذلك مثال سكان قرية آراغاتس.

أجوبة معاصرة 

جاء في مقدمة رواية الراعي الكردي: «لكي يعرف الكرد سبب هزائمهم يجب عليهم قراءة هذه الرواية. الرواية التي سلطت النار على الزعامات الكردية التقليدية التي كانت ممارساتها أحد أسباب المآسي والهزائم خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين». تشير الرواية إلى وحدة نضال القوميات كلها ضد الزعامات الإقطاعية التقليدية، لقد وقف الرحل والرعاة الأكراد والتركمان والعمال الأرمن ضد زعاماتهم وأزاحوها عن احتكار السلطة والثروة معاً.

خصص شاميلوف كتابه «مسألة الفوضى بين الأكراد 1936» لهذا الموضوع أيضاً حيث درس أسباب هزائم الحركات الكردية في تركيا والعراق وإيران، ومنها ضعف التنظيم السياسي، وعدم وجوده أحياناً، إضافة إلى دور الزعامات التقليدية التي تسعى لحماية مصالحها.

يقدم تراث كردوييف وشاميلوف أساساً هاماً لدراسة قضايا ثقافية وسياسية ما تزال عالقة، والنقاش لم يحسم فيها بعد، وما زالت تلاحق الكرد كما غيرهم وتدفعهم إلى أتون الحريق الكبير الذي يشهده العالم. تؤكد التجربة التاريخية أن «الراعي» سيستيقظ من جديد ويحل تلك المهام الصعبة الملقاة على عاتقه.