الأوسكار وتصوير الذئب حملاً

«لا علاقة للجندي الإسرائيلي بتلك المجزرة».. بهذه الكلمات الحاذقة استبق المخرج الإسرائيلي (آري فولمان) حفل الدورة الـ81 لجوائز الأوسكار الذي تنظمه أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية في هوليود. هذا الحدث الذي حمل في جنباته الكثير من المفارقات والمفاجآت التي جاءت مغايرة لكل التوقعات والترشيحات، بل وشكّلت صدمة لدى البعض، فمن أغرب ما تضمنه أوسكار هذا العام فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية، ففولمان الذي كان يدلل على فلمه (فالس مع بشير) المرشح لهذه الجائزة والحاصل على جائزة (غولدن غلوب)، عبّر عن خيبة أمله وخيبة أمل الجمهور الإسرائيلي بالنتيجة، بعد أن ذهب الأوسكار للفيلم الياباني (الرحيل) للمخرج (يوجيرو تاكيتا).

(فالس مع بشير) الذي وصل إلى الترشيحات النهائية مع إقصاء الفيلم الفلسطيني (ملح هذا البحر) للمخرجة (آن ماري جاسر) لأسباب قيل إنها تتعلق بشروط المسابقة، يحمل الاسم ذاته الذي أطلق على العملية الاستخباراتية التي نفذتها المخابرات الإسرائيلية (الموساد) لدعم عناصر حزب الكتائب اللبناني عشية تنفيذ المجزرة البشعة في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982.

هذا الفيلم الكرتوني القائم على الرسوم المتحركة، يحاول أن يروي تفاصيل الاجتياح الإسرائيلي للبنان بالتركيز على مجزرة صبرا وشاتيلا، ويجيء ضمن ما سمي الآن داخل (إسرائيل) بإعادة كتابة التاريخ أو حركة «المحدثين الجدد». فآري فولمان المصنف ضمن «قطاع» اليسار الإسرائيلي، يقدم من خلال فيلمه ما أسماه اعترافاً بالحقائق كما وقعت، فالفيلم يأتي بالسياق الروائي لجنود إسرائيليين اشتركوا في اجتياح لبنان، فتراه يصور تارةً جندياً يعاني كوابيس بسبب قتله كلاباً في جنوب لبنان، وتارة أخرى لجندي يتأوه بمرارة لمشهد إصابة الأحصنة في منطقة سباق الخيل، في محاولة للتدليل على رهافة حس الجندي الإسرائيلي وإنسانيته في التعاطي حتى مع الحيوانات، ويركز بصورة مكررة على الدور الكبير الذي لعبه الرئيس اللبناني بشير الجميل في تشجيع ودعم الاجتياح إلى حد وضع لقطة لزوجة بشير (صولانج جميل) وهي تعد الأطباق اللبنانية لقائد عملية الغزو السفاح (أرييل شارون)، واستخدامهم لمصطلح الفينيقية بدلاً من العروبة، وصولاً لاغتيال بشير، وتصوير مجازر صبرا وشاتيلا بأنها وقعت كرد فعل من حزب الكتائب على اغتياله، والإشارة بأن سورية تقف وراء الاغتيال، مع العلم بأن منفذ العملية المفترض حتى الآن هو اللبناني (حبيب الشرتوني) من الحركة الوطنية اللبنانية. وأخطر ما يعرض الفيلم من أكاذيب لقطة حملت قمة التزييف والتشويه للحقائق، إذ يصور ضابطاً إسرائيلياً يحاول منع عناصر الكتائب من استباحة المخيم وارتكاب الفظائع بحق المدنيين العزل، وهي الحقيقة الموضوعية الوحيدة التي طرحها الفيلم، إذ اعترف بعدم وجود مقاتلين أو مسلحين فلسطينيين في المخيم وقت وقوع المجزرة، ومن أهم الملاحظات تمثيل العرب كظلال متحركة صامتة، إذ ينتهي الفيلم دون أن تنبس شخصية عربية ببنت شفة.

(فالس مع بشير) محاولة لإعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر واحدة، بيد أنها وجهة نظر مدعومة إمبريالياً، ومن اللوبي الفني الهوليوودي، وما هي في الحقيقة إلا تزييف وتضليل بشع، بل أبشع من الحقيقة ذاتها، والمقصود منه مخاطبة النخب النيوليبرالية ودعاة التطبيع وتشويه عقول الناشئة بدعاية إسرائيلية مدروسة وعصرية، والغرابة كل الغرابة في إمكانية وصول مثل هذه الأفلام لأكبر الجوائز في تاريخ الفن السابع.

■ جهاد أبو غياضة

آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 22:09