ندى العبد الله ندى العبد الله

شجون على هامش مسرحية لم تنجز

في كل مرة يتم الحديث فيه عن مباشرة بروفات في عمل مسرحي ما، أشعر بالحماس والسعادة ولكن أبقى متوجسة طوال الوقت من إمكانية استمرار هذا العمل وقدرة فريق العمل على تخطي كل العقبات التي تواجه أي عمل مسرحي، سواء في المسرح القومي أو حتى في حال كان بتمويل خاص، وهذا الأخير صعب للغاية.

منذ فترة قريبة تمت المباشرة، أو لنقل محاولة المباشرة بعمل مسرحي ضخم لأهم كتابنا السوريين في محاولة لإنجاز العمل بمناسبة ذكرى سنوية هذا الكاتب العظيم.. وطبعاً هذا مشروع هام جداً وبحكم ضخامته وكثرة ممثليه يحتاج إلى دعم خاص ومساندة كبيرة..

في البداية لم يكن هناك مسرح يمكن أن تتم فيه البروفات، حيث أن جميع المسارح مشغولة ببروفات مسرحية عديدة بمستويات مختلفة، وهذه المشكلة دائمة ومستمرة تواجه كل العاملين في المسرح، وفي كثير من الأحيان يضطر الكثيرون إلى القيام بالبروفات في الليل وحتى الثانية أو الثالثة صباحاً، والسؤال ألا يمكن مع وجود إقبال على العمل في المسرح إيجاد أماكن إضافية لإجراء البروفات على الأقل من دون أن تكون مسارح للعرض؟؟

المشكلة الثانية التي واجهت هذه المجموعة، وهي المشكلة الأهم والأخطر، عدم قدرة إدارة فريق العمل على جمع الممثلين كلهم (كون العدد ضخماً نتيجة التزام العديد من الممثلين بأعمال تلفزيونية.

وفي إحدى البروفات فُتح نقاش بين فريق العمل من ممثلين ومخرج ونقاد من الذين لهم تاريخ طويل في المسرح والمعروفين بالتزامهم الأعمال الجادة، وكان النقاش يدور حول إمكانية الطلب من ممثل أن يلتزم بعمل مسرحي يحتاج إلى عمل مضن وشاق لثلاثة أشهر متواصلة، مقابل أجر مادي صغير ومخجل تقدمه مديرية المسارح باسم مكافأة!!؟ في حين أن هذا الممثل، وهو صاحب اسم معروف في الدراما، يمكن أن «يصور» لأسبوع واحد ويلقى أجراً بأضعاف مضاعفة عن الأجر الذي يتقاضاه عن عمل مسرحي، ولكن حتى هؤلاء الذين التزموا في عمل مسرحي جديد بالرغم من معرفتهم الجيدة لكل صعوبات ومشاق العمل في المسرح يتساءلون: إلى متى سيبقى الوضع بهذا السوء؟ أليس لنا الحق أن نعلن موقفاً جماعياً بعدم العمل في المسرح ضمن هذه الظروف؟

ويرد آخرون أن هذا العمل قام به العديد من الفنانين وماذا كانت النتيجة؟ النتيجة بدء غير المحترفين وأشباه الفنانين بإنتاج أعمال مسرحية مستفيدين من علاقاتهم في مديرية المسارح وبفراغ الساحة أمامهم، وأدى ذلك بالمحصلة إلى تدني مستوى المسرح بالعالم، وهذا ما لا يقبله أي فنان ملتزم لديه حب وغيرة على المسرح.

يقول أحدهم: في احتفالية دمشق عاصمة الثقافة أعطيت توجيهات لمديرية المسارح لإيجاد التسهيلات وإزالة كل العوائق التي تواجه إدارة دمشق عاصمة الثقافة!!! وهذا يعني أن وزارة الثقافة والمسؤولين المعنين في هذا المجال يعرفون تماماً مدى سوء وقدم القوانين التي تعمل فيها المؤسسات الثقافية، ومديرية المسارح بالتحديد، فلماذا لا يقومون بإصلاح هذا الحالة وتطوير هذه المؤسسة لتستطيع أن تقوم بدورها الفعال الذي أنشئت لأجله، ومن هو  المستفيد من إبقاء هذه المؤسسة معتلة وغير قادرة على إنتاج مسرح حقيقي في البلاد؟!! وكيف يمكن للعاملين المبدعين الحقيقيين أن يطوروا الحالة الفنية وهناك من يحاول أن يسد الباب في وجههم، ويقول لهم أنتم غير مرحب بكم هنا...

كل هذه الأسئلة والأفكار ظلت معلقة بلا أجوبة وبلا تغيير، فتم تأجيل العمل على هذه المسرحية إلى أن يتوفر ظرف أفضل لمباشرتها، وبذلك فإن العمل لن يعرض بمناسبة سنوية أهم كتابنا المسرحين، وبالتالي ستبقى هذه المناسبة منسية، وما من مدلول لهذا إلا التدني الرهيب الذي وصلت إليه الحالة المسرحية في بلادنا..

رحم الله كاتبنا العظيم، والحمد لله أنه لم يعش حتى يشاهد ما وصلت له الحالة المسرحية الآن..