قائمة الرغبات المؤجلة

قائمة الرغبات المؤجلة

حتى أكتب مقطعاً نثرياً قادراً على اللحاق بحمى الأفكار دون أن يبدو لاهثاً متعباً، أو جامداً كقطعة خشب، لا بد من الأخذ بنصيحة: «عليكِ بالشعر»، كي أقرأ الشعر، يجب أن أعود أدراجي إلى الجاهلية، وامتلك الصبر «للوقوف على الأطلال»، أو قراءة مرثيةٍ طويلةٍ بكلمات جزلة لا أكاد أميّز معظمها.. ثم انتقل بعد ذلك إلى الشعر الحداثي، وأقاوم الشعور بالعجز أمام فهم ما يقصده «أدونيس»، وأقرأ «سليم بركات» كما لو أنني آخذ درساً في النحو.

كي أستطيع تحليل الظواهر الإعلامية ومقاطع الفيديو والأفلام الوثائقية ودور الإعلام البديل والعولمة لا بد لي أن أدرس «السميولوجيا»، وفن تحليل الصورة، وأتعمق في فهم النظام السياسي الاقتصادي العالمي الذي أنتج عصر المعلومات هذا، ودور الإعلام بإعتباره أداة بيد الطبقة المسيطرة اقتصادياً، ولكي أفهم ذلك كله علي تعميق القراءة في الاقتصاد السياسي والمادية الديالكتيكية ورأس المال.
كي أوسع أفق خيالي يجب أن أتعاقد مع طفلٍ صغير يعلمني مرة أخرى كيف أحلم، ثم أنهي كتاب «الخيال» من إصدارات عالم المعرفة، وأمتلك الجرأة لأسمح لنفسي بأن أحلق مرة أخرى دون أن أكون مكبلة بالخوف كما أنا الآن، ويجب أن يبقى للأطفال مخيلةٌ لم تدمرها الحرب كي يستطيعوا إعارتها لفتاة مثلي.
أحتاج الوقت للاستغراق في القراءة كي يتحول ذلك الكم من الكتب إلى أفكارٍ يمكن لكتابتها أن تحمل أي جدوى، دون أن تكون مجرد ثرثرةٍ إضافية، ودون أن أشعر بانني أرتكب «خيانة وطنية» بتجاهل أصوات القذائف والحرب خارج منزلي. أحتاج مالاً وسكينةً وبلاداً لا تجعل مجرد البقاء على قيد الحياة يوماً بعد آخر (كيف كانت تلك الحياة) الإنجاز الوحيد المحتسب.
أرغب في تعلم الرقص، وممارسة هوايتي في الطبخ بعيداً عن أطباق «البرغل»! أرغب في سفرٍ قصيرٍ، لمجرد السفر، دون أن أبدو هاربةً من كارثةٍ أرضية، أو الناجية الوحيدة من قاربٍ يغرق.أحتاج أن أشعر مرةً أخرى أن نشرة الأخبار تعنيني، وأنني قادرة على تميز الصور والمشاهد بوصفها البلاد التي ترعرت فيها، وكي يتحقق ذلك لا بد للبلاد من أن تعود لتشبه نفسها مرةً أخرى..
 تلك مجرد قائمة ببعض «الرغبات والواجبات المؤجلة» لفتاة تخرجت من قسم الصحافة، قد تتشابه أو تختلف مع قوائم أخرى - تطول أو تقصر-  لسوريين آخرين. كان لكلٍ منا «قائمته» التي بدلتها الحرب ورتبت أولوياتنا تبعاً لمزاجها المجنون. لا بد للحرب من أن تتوقف الآن كي يبقى هناك أملٌ ضئيل بإنقاذ بعض بنود القائمة، لا بد من امتلاك الأمل مجدداً بجدوى «الحلول السياسية»..