«الفردوس» الأمريكي .. زمن التغيير

«الفردوس» الأمريكي .. زمن التغيير

لم يتركوا أي شيء لنا.. نحن من نسكن في الأسفل.. أما في الأعلى .. في الفردوس «إيليسيوم».. هناك الطعام الوفير والمياه الكثيرة والرعاية الصحية للجميع.. وسيفعلون المستحيل لإقصائنا عن كل هذا.. لكن الوقت قد حان الآن.. إنه وقت تغيير كل شيء.
• ماكس دي كوستا

إنه العام 2154، والبشر قد انقسموا إلى طبقتين: أغنياء موفورون يعيشون في محطة فضائية بعيدة على هيئة مدينة اصطناعية تحتوي كل ما يحتاجه المرء وأكثر تسطع كالنجم في السماء، تدعى «إليسيوم – الفردوس» باللاتينية- وفقراء تعيسون يعيشون على الأرض بعد أن فتكت بها الأوبئة وعمت فيها الفوضى والأمراض، وازدحمت بمن فيها من البشر، يعملون ليل نهار لخدمة الأغنياء في الأعلى دون أدنى اهتمام بالفقر والجوع والمرض الذي لا يفارقهم.
إنه المستقبل كما يراه فيلم «Elysium» (الفردوس)، إنه التمثيل الأصدق للهوة الطبقية التي تتسع في المجتمعات الرأسمالية الغربية التي تضع قوت الفقراء وثمرة علمهم في كل يوم من حياتهم حتى مماتهم على موائد الأغنياء.
يستعرض الفيلم  قصة حياة أحد العمال العاديين على الأرض المنكوبة، إنه «ماكس دي كوستا» الشاب الطموح الذي يعمل في مصنع لتجميع الرجال الآليين، ونرى عبر يوميات «ماكس» العديد من الصور المؤلمة التي تنقل الفوارق الطبقية الشاسعة الذي عهدتها الرأسمالية العالمية إلى بيئات جديدة تماماً، فنرى آلاف البشر يصطفون يومياً على مداخل المصانع وعلى الطرقات متسخين متعبين يضربون ويهانون بعصي الرجال الآليين الذين يقومون بتصنيعهم!.
وتزدحم المشافي بالمرضى والمحتاجين دون توفر العلاجات اللازمة للكثير منهم ليضطر بعضهم إلى اللجوء لبعض «المهربين» لنقلهم عبر مركبات فضائية وبطريقة غير مشروعة إلى «الفردوس»، علّهم يحصلون على فرصة أكبر للشفاء والعيش الرغيد في الأعلى، لكن سكان الفردوس «إليسيوم» سيفعلون المستحيل لمنعهم من ذلك، للحفاظ على مستوى العيش الرغيد والمميز هناك وستقوم وزيرة الدفاع «ديلاكورت» بمنع أي كان من الوصول إلى «فردوسها» حتى لو كلف الأمر إسقاط تلك المركبات قبل وصولها إلى هدفها، وهذا ما حصل أكثر من مرة، في صراع مستميت للمحافظة على «قطبية» العالمين المتناقضين على كل الصعد.
لكن الأمر سيتغير عندما يصاب «ماكس» بمرض عضال، ناجم عن تلوثه إشعاعياً أثناء عمله في المصنع، ولن يعيش أكثر من 5 أيام، مما يجعله يلجأ إلى أحد أصدقائه ليساعده، واضعاً الوصول إلى «إيليسيوم» هدفاً وحيداً نصب عينيه، وتعود إليه ذكريات الطفولة عندما كان يحدق إلى النجم العالي، ويستمع إلى أساطير الحياة الجميلة هناك ويحلم بزيارته يوماً من الأيام، وهنا تبدأ المغامرة الشيقة لبطلنا «ماكس»، ونتابع الصعوبات الكبيرة التي تواجهه في رحلته هذه بعد أن قرر بعزم أن يعيد المساواة بين العالمين، مصمماً على إيجاد العلاج المناسب لمرضه في مواجهة شرسة مع حماة «إيليسوم» على الأرض وفي الفضاء.
لقد أثار هذه الفيلم ضجة كبيرة بعد عرضه، وبالأخص عندما تم إطلاقه بالتزامن مع الجدال الأمريكي حول موضوع مشروع الضمان الصحي الجديد، فبدا كأنه يتحدث بمرارة عن مستقبل أسود للمجتمع الأمريكي المحكوم من الشركات الرأسمالية الصحية والدوائية التي تسعى إلى تكديس الثروات في جيوب الأثرياء وحرمان العمال وصغار الموظفين من أبسط حقوق الحياة، كما جوبه الفيلم بحملات دعائية تتهمه بـ «الاشتراكية» ودعم «نظام صحي اشتراكي» وتشويه «مفاهيم العالم الحر!» ضجت بها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على الرغم من نفي المخرج وطاقم التمثيل لها، في تجاهل متعمد معهود للحلول الاقتصادية-الاجتماعية التي يمكن أن تحملها هذه «الشتيمة!!».