«الغريفن» الأسطوري.. والكذب الأمريكي

«الغريفن» الأسطوري.. والكذب الأمريكي

«اتصل الأمريكيون بنا خلال زيارتي الأخيرة، قالوا أنهم سيهدوننا هدية خاصة، لقد قالوا بأنها كانت أصلاً للشعب الإيراني وعليها أن تعود إليه» كانت هذه كلمات الرئيس الإيراني «حسن روحاني» في لقاء خاص مع الإعلام الإيراني المحلي في الثامن والعشرين من الشهر الماضي،

رافقتها صور رئيس منظمة التراث الثقافية الإيرانية «محمد النجفي» في مطار طهران الدولي، وهو يحمل تلك الهدية المميزة بعد عودته مع الرئيس من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن «حسن النوايا» الأمريكية المرافقة لتلك الهدية تبخرت على الفور عندما أعلن العديد من الخبراء بعد رؤيتهم لها بأن الهدية ببساطة.. مزورة!

الهدية هي تمثال لكائن الـ «الغريفن» الأسطوري، يجمع بين ملامح الصقر والأسد، وقد أعلنت الإدارة الأمريكية حينها بأنها تساوي ما يقارب المليون دولار، وبأنها استخرجت منذ زمن بعيد من أحد كهوف منطقة «كالماكارا» غرب إيران، وقد قيل بإنها تعود إلى ما قبل 2700 عام، وأن الجمارك الأمريكية صادرتها عام 2003 من تجار الآثار المسروقة، وقررت إعادتها لإيران كعربون عن «حسن نواياها».
إلا أن خبراء الآثار، وفي أكثر من مكان، كان لهم رأي آخر فما لبثوا أن تناقلوا رؤيتهم الخاصة حول هذه «الهدية» واكتشفوا بأنها مزيفة، وأنها صنعت في العام 1999!! لتتسارع الأخبار والتحقيقات عن الموضوع في فضيحة غير مسبوقة في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية.
فقد أعلن الرئيس السابق لمنظمة التراث الثقافية الإيرانية «حميد باقاي» بأن هذه التحفة مزيفة بلا شك، حيث أشار إلى أن نمط صنع ذلك التمثال يدل على زيفه على الفور، فهي لا تخمل أي جذور تعود إلى الحضارة الإيرانية القديمة كما أن المواد التي صنعت منها تدل على أنها لا تعود في قدمها إلى عدد كبير من السنين، كما كشف «أليكس جوف»، خبير التحف القديمة من نيويورك، أن التحفة مقلدة على نحو سيئ عن النسخة الأصلية، وهي مصنوعة في العام 1999.
وأكد عالم الآثار والمؤرخ «أوسكار موسكاريلا»، وهو باحث متقاعد من متحف «متروبوليتان» للفنون، أن تحفة «الغريفين»هذه التي قُدمت للرئيس روحاني مزيفة. وأوضح إنها كانت معروضة في أحد المعارض بجنيف الذي اشتراها في العام 2002، ثم اشترتها لاحقاً أمينة معرض «متروبوليتان» الأمريكي بمبلغ مليون دولار، لكن وزارة الأمن الداخلي الأمريكية صادرتها لأسباب قانونية، وأعيد سعر الشراء في وقت لاحق من قبل البائع، وكشف لاحقاً أن البائع هو اللبناني واسمه «هشام أبو طعام» وهو يدير متجراً لبيع التحف مع شقيقه علي، يحمل اسم «فينيكس للفن القديم» في شارع فيردا في مدينة جنيف القديمة، إضافة إلى متجر آخر في نيويورك! وتابع «موسكاريلا» موضحاُ في مقالة نشرت على موقع منظمة «حماية الآثار للجميع» غير الربحية زيف تلك التحفة: «رأس التمثال أصم جامد، وعيناه تحدقان في الفراغ، كما أن أنماط الرأس والجناح، والقدم غريبة وخارجة عن المألوف، بالإضافة إلى أن أطراف التثبيت لبعض جوانب التمثال حديثة العهد، إنه مزيف بالفعل!!».
على كل حال، التزمت الإدارة الأمريكية الصمت على ما حدث، ولم يصدر أي تعليق رسمي عن الموضوع إلى الآن، لكن من الصعب القول بأن ما حدث غلطة بريئة، بسبب «المهرجان» الإعلامي المرافق لتسليم تلك الهدية، إذ شهد الإعلام الأمريكي حملة غير مسبوقة، تمجد هذه الخطوة التاريخية التي تصب في مصلحة العلاقات بين البلدين اللذين يملكان الكثير من الملفات الخلافية  الفائقة الحساسية، في تجاهل واضح للواقع الذي يستبعد المصالحة الشاملة بين الطرفين بسبب التضارب الشديد في مصالحهما الدولية، كما يعزز من صدق الأخبار التي تشير بالدلائل على معرفة الولايات المتحدة الأمريكية بزيف تلك الهدية، لتبقى العنجهية الأمريكية الإمبريالية وعلاقاتها المتعالية مع بقية الدول الخيار الوحيد الذي يستطيع تبرير مثل هذا الفعل الشائن دبلوماسياً.. وحضارياً..!!