الورق في الصين القديمة
صينيون كتومين بطبيعة الحال حيال مهارات صناعة الورق الخاص بهم
مارك كاترايت مارك كاترايت

الورق في الصين القديمة

لقد كان انتشار استخدام الورق والطباعة على نطاق واسع سمتان مميزتان للصين القديمة، وقد ميزتاها عن الثقافات القديمة الأخرى. تقول الأبحاث التقليدية بأنّ الورق قد اختُرع في وقت مبكر من القرن الثاني للميلاد، ولكن هناك أدلّة على اختراعه في وقت أبكر من ذلك بكثير. وتبعاً لكونه أزهد ثمناً وأكثر ملاءمة من الخيزران أو الخشب أو الحرير، فقد ساعد الورق على انتشار الآداب وعلى محو الأميّة. ولكنّه استخدم كذلك للعديد من الأغراض الأخرى من القبعات إلى التغليف. لقد تمّ صقل المادّة عبر القرون، وتمّ الإتجار بها عبر آسيا، واستخدمت لصناعة أوّل أموال ورقيّة منذ وقت مبكر من القرن الثاني عشر ميلادي.

تعريب: هاجر تمام

اختراع الورق:
هناك أدلّة أثريّة وفيرة على أنواع الورق البدائية من القرن الثاني للميلاد في الصين، والتي استخدمت القنّب بشكل كبير. يعتقد بأنّ اختراع هذا النوع المبكر من الورق قد أتى مصادفة نتيجة ترك الملابس، التي كانت تصنع من القنّب، لفترة طويلة بعد الغسيل، والذي أدّى لتشكّل رواسب في المياه، تحوّلت لمادة مفيدة جديدة بعد ضغطها. يعود اختراع الورق الأكثر صقلاً إلى 105 ميلادي. ويرجع الفضل في اختراع الورق عبر ضغط الألياف النباتيّة بعد تجفيفها في صحائف على إطارات أو غرابيل خشبية، إلى رئيس ورشات العمل الإمبراطورية كاي لون. لقد استخدم إمّا الخيزران الثقيل أو شرائط الخشب مع الحرير باهظ الثمن لقرون من أجل الكتابة، لكن بعد بذل مساعٍ كبيرة تمّ إيجاد البديل الأخف والأزهد ثمناً في شكل مخطوطات الورق.
تمّ مع مرور الوقت تجريب ألياف مختلفة لصناعة الورق، ولهذا فقد تحسنت النوعية بشكل كبير في نهاية عهد أسرة هان (206-220 ميلادي). لقد تمّ استخدام الألياف من النباتات المختلفة وسيقان العشب ومواد الخضروات والقنّب ولحاء الشجر وحتّى أسمال الأقمشة تمّ خلطها في سعيٍ مستمر من التجارب لإيجاد أزهد مزيج مواد ينتج أفضل نوعيّة ورق.
لقد استُبدل ورق القنّب البدائي بورق الخيزران الهندي لقرون، إلى أن تمّ استبداله بألياف الخيزران كأحد أكثر المواد الأولية شيوعاً من القرن الثامن ميلادي. إنّ سبب هذا الاستبدال أنّ الطلب على الورق كان كبيراً لدرجة أنّ النبتة بطيئة النمو قد اختفت من بعض مناطق الصين. ينمو الخيزران بسرعة أكبر من القنّب وهو خيار أزهد ثمناً بشكل كبير أيضاً. وقد أصبحت تقنيات إنتاج الورق أفضل ابتداءاً من عهد سلالة سونغ (960-1279ميلادي)، وكانت المادة الأوليّة المستخدمة الآن هي اللحاء المغلي لشجرة التوت. لقد كان الورق الصيني عالي الجودة لدرجة الإتجار به مع الدول الأجنبية على طول طريق الحرير.
لقد كانت صحائف الأوراق متوافرة بجميع الأحجام والعديد من ظلال الألوان. اختلفت المواد والتقنيات والميزات من إقليم لآخر، لكن كتبت أبحاث مفيدة عن الموضوع في بداية عهد سو لي تشين (957-995). تمّ الاحتفاظ بورق خاص مع نسيج ونمط ولون جذاب من أجل التخطيط والفن. استخدم في صناعة مثل هذا النوع من الورق الأرز وقشّ القمح ولحاء خشب الصندل وسيقان الكركديه وحتّى الأعشاب البحرية.
كان الصينيون كتومين بطبيعة الحال حيال مهارات صناعة الورق الخاص بهم، تماماً كما كانوا إزاء إنتاج الحرير، لكنّ الأسرار نادراً ما تبقى للأبد. لقد حاز العالم الخارجي، أو على الأقل العالم الواقع غرب الصين، على معرفة صناعة الورق في القرن الثامن ميلادي (أو قبل ذلك بشكل معقول). السبب المباشر هو أخذ مجموعة من صانعي الورق الصينيين أسرى عند انتصار العرب في معركة نهر طلاس [Talas River]. بعد ذلك بفترة قصيرة أصبحت بغداد هي المنتِج الرئيسي للورق، وفي نهاية المطاف استطاعت أوروبا العصور الوسطى إنتاج ورق ذو جودة عالية خاصّ بها.

استخدام الورق:
لقد ساعد اختراع الورق على انتشار الآداب ومحو الأميّة بشكل كبير، بجعله الكتب أكثر ملاءمة للاستعمال وأزهد ثمناً. لقد كان الباحثون في الأكاديميات الإمبراطورية يصدرون آلاف الأوراق كلّ شهر عن طريق الحكومة. علاوة على ذلك، فإنّ الجمع بين بين الفرشاة والحبر والورق من شأنه أن يضع فنّ التخطيط في موقع أحد أهم مجالات الفن في الصين على مدى الألفي سنة التاليين. تزايد الطلب على الورق بشكل كبير مع اختراع قوالب الطباعة [في القرن الثامن إمّا في الصين أو في كوريا]، وخاصّة من الباحثين البوذيين والمعابد. وفي القرن العاشر، أثناء انتعاش الكونفوشيّة الجديدة، ازدهرت طباعة الكلاسيكيات الكونفوشيّة بشكل كبير. ومع اختراع أنماط الطباعة القابلة للنقل ابتداءاً من القرن 11 أو 12 ميلادي، بات هناك حاجة لورق أكثر سماكة ليقاوم قوالب الطباعة المعدنية الثقيلة. لكنّ كلا الاختراعين – الورق والطباعة – قد أدّيا إلى ثورة في الاتصالات بقيت دون منافس بمعنى إرسال وتخزين المعلومات إلى حين وصول الكمبيوتر.
وقد كان الورق ذو قيمة عالية في الصين القديمة لدرجة استخدامه في دفع الإتاوات والضرائب للدولة خلال عهد سلالة تانغ (618-907). كما فرض تانغ قوانين على ألوان الورق المستخدمة، حيث يخصص الورق الأبيض للوثائق القانونيّة والأصفر للمسائل الحكوميّة والأزرق للاتصالات مع المعابد التاويّة.
إلى جانب استخدامه لأغراض الكتابة وإصدار الكتب، استخدم الورق لإنتاج خرائط طبوغرافية وعسكرية بدءاً من عهد سلالة هان فصاعداً. وقد رسمت بدقة معقولة، واحتوت على رموز ملونة للمعالم المحلية واحتوت على مجالات محددة بشكل موسع. وشملت استخدامات الورق الأخرى تغليف الأغراض الدقيقة كالأغراض الطبيّة، وأيضاً طرود الشاي بشكل خاص. وقد استخدم الورق بشكل واسع لصناعة القبعات، وللدروع بعد تقويته، وللنوافذ بعد جعله سميكاً. لقد كان هناك حجب وستائر وملابس من الورق، وفي النهاية نقود ورقيّة.

النقود الورقيّة:
تبعاً لزيادة التجارة، تمّ الاستعاضة عن نظام المقايضة أو مبادلة المادة بأخرى، بنظام أصبحت فيه سلعة معينة تلعب دور المعادل العام. كان بالإمكان استخدام سبيكة ذهبية أو لفّة حرير في الصين من أجل دفع ثمن أيّ نوع من البضائع. وقد استخدمت مسكوكات معدنيّة من أجل التبادلات التجارية الأصغر حجماً، حيث بدأت على شكل أدوات، ثمّ على شكل عملات صغيرة أكثر ملائمة. وقد ازدادت الحاجة إلى طرق دفع أكثر ملائمة مع ازدياد حجم التجارة والناس المنخرطين فيها. وكانت المشكلة الأخرى في العملات المعدنية هي كمية النحاس الهائلة المطلوبة لصنع ما يكفي من النقود لتلبية حاجات الاقتصاد.
وقد ظهر نوع من النقود الورقيّة أوّل مرّة خلال عهد أسرة تانغ. لقد انتشر هذا التطوّر من التجّار الذين اعتمدوا على وثائق ورقية في تعاملاتهم، ومن تجّار الشاي على وجه الخصوص، وهي السلعة الصينيّة الأكثر مبيعاً. لقد كان التجار يخشون حمل سبائك قيمة من وإلى خزائن الدولة، ولذلك فضلوا استخدام إيصالات ورقية بدلاً من ذلك. وسمحت هذه الوثائق الورقيّة للتاجر بالتعامل أو بتحصيل مدفوعاته في أيّ خزانة مالية محليّة، ولذلك كانت هذه الوثائق تعرف باسم "المال الطائر". لم يكن هذا النوع من المال الورقي ناجحاً في الحقيقة، وقد بقي التجار يفضلون السبائك الفضيّة الأكثر أماناً في التبادلات الكبيرة. لكنّ الفكرة كانت جيدة، ولهذا فقد عادت النقود الورقية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.
في القرن الحادي عشر في مقاطعة سيشوان، ألزم استخدام العملات المعدنية الثقيلة الأثرياء على ترك أموالهم في بيوت الإيداع الحكوميّة حيث تكون في أمان أكبر. وفي حوالي عام 1023، تمّ منح الناس شهادات ورقية من أجل الإشارة لما يملكونه من مال أثناء عهد حكومة سونغ. وقد أمكن استخدام هذه الشهادات في التبادل أيضاً بدلاً من النقل الفعلي للنقود. وقد أصبح التجار في أماكن أخرى من الصين يستخدمون الإيصالات الورقية من جديد بحلول القرن الثاني عشر، لكونها أكثر ملاءمة في تبادلاتهم من أكياس النقود الثقيلة. أدّى هذا بدوره إلى تطوير النقود الورقيّة حوالي 1120 للميلاد عندما فرضت الحكومة الصينيّة احتكار إصدار مثل هذه الإيصالات، لتنشأ في الواقع أوّل عملة ورقية في العالم. وأصبحت الأموال الورقيّة في عام 1260 هي ما ندعوه اليوم بالنقود، والتي يمكن تحويلها إلى الذهب أو الفضّة في أيّ وقت.
تحدّث التاجر والرحالة من البندقية ماركو بولو عن الأوراق الماليّة الصينيّة أثناء سفره إلى آسيا في القرن الثالث عشر:
«يتم مصادقة هذه النقود الورقية بنوع من الاحتفاليّة كما لو كانت مصنوعة من الذهب أو الفضّة النقيّة. يتم تخصيص عدد من المسؤولين بشكل خاص لكلّ إشعار، وليس فقط ليكتبوا أسمائهم كشهود عليها، بل أيضاً لتصديقها بتوقيعهم... وعندما يتمون جميعاً القيام بذلك، يتم ختم الوثيقة بخاتم ملكي يوضع على الورقة، حيث لا يمكن محو المعلومات المدونة تحته ولا يمكن الكتابة فوقه»
لكنّ النقود الورقية كانت لها مشاكلها. فعلى الرغم من الاحتياطات التي ذكرها ماركو بولو، كان هناك عملات ورقية مزيفة مثلها في ذلك مثل العملات المعدنية. وقد تلقت الأموال الورقيّة أكبر ضربة لها مع ارتفاع معدلات التضخم. وسرعان ما فقدت النقود الورقيّة قيمتها، ثمّ عادت لفترة قصيرة أثناء عهد سلالة مينغ، وأصبحت النقود الورقية حقيقة واقعة عندما أصدرها بنك هونغ كونغ وشنغهاي عام 1866.