موجة إفلاس في الغرب قد تصبح تسونامي
كريس براينت/واشنطن بوست كريس براينت/واشنطن بوست

موجة إفلاس في الغرب قد تصبح تسونامي

يبدو أنّ موجة الإفلاس في الغرب عاتية وكبيرة إلى حدّ قد يجعلها تصبح تسونامي يؤسس لانهيار الكثير من الاقتصادات الغربية المهلهلة. نقدّم لكم مقالاً مشتركاً بين صحيفتين غربيتين من الطراز الثقيل الواشنطن بوست، وبلومبيرغ، والذي يستهلّ القول: «من المحتمل أنّ ما يجري مجرّد بداية لموجة من حالات التخلف عن السداد في الشركات». يضيء المقال على مدى سوء الوضع الاقتصادي في الغرب، حيث إننا لن ننتظر كثيراً على ما يبدو حتّى نرى نهاية وجود أيّ عمل صغير ومتوسط، وسقوط مدوٍّ لبعض الأسماء الكبرى التي اعتدنا على رؤيتها «منيعة» عن قوانين الاقتصاد، ليظهر لنا أنّ الكثير من الاقتصاد الغربي الحالي هو اقتصاد «أموات أحياء/زومبي» يعتمد بشكل كلي على الإقراض الرخيص وغير قادر على إجراء حتّى أبسط عمليات الأعمال.

ترجمة: قاسيون

كانت حالات الإفلاس في الولايات المتحدة في الأشهر الستة الأولى من هذا العام هي الأعلى منذ عام 2010 بين الشركات المدرجة في «S&P Global Market Intelligence». في إنكلترة وويلز بلغت حالات الإفلاس أعلى مستوياتها منذ 14 عاماً. في السويد حالات الإفلاس هي الأعلى منذ عقد، وفي ألمانيا قفزت حالات الإفلاس بنسبة 50٪ إلى أعلى مستوى منذ 2016. في اليابان نسبة حالات الإفلاس هي الأعلى منذ خمسة أعوام.

عادة ما ترتفع حالات الإفلاس بمجرّد حدوث ركود فعلي، لكنّ الأعمال تنهار اليوم بالرغم من إظهار سوق العمالة وأرباح الشركات مرونة مذهلة. أحد التفسيرات هي أنّ برامج المساعدات المالية الحكومية السخية في وقت الوباء وتخفيف القواعد المتعلقة بضرورة إعلان الشركات إفلاسها قد أدّت إلى فجوة غير اعتيادية في فشل الشركات في العمل بين عامي 2020 و2021.

في الكثير من الحالات أدّى ذلك إلى تأجيل المحتوم المالي وليس منعه. إنّ نماذج الأعمال المعيبة وتركيبات الاستدانة المفرطة من رأس المال، والتحديات الهيكلية التي تواجهها الصناعات المختلفة، وضعت الشركات في موقف لا يسمح لها بالتعامل مع ارتفاع أسعار الفائدة. يقول الاستشاري روين نايت، الشريك في مؤسسة AlixPartners الاستشارية: «سمح المال الرخيص بتخطي الكثير من العوائق على الطريق، ثمّ فجأة أصبحت السمة المميزة للإفلاس – أي نفاد الأموال – هامّة من جديد، وعادت أساسيات إدارة أيّ عمل لتكون أهمّ من أيّ وقت مضى».

الشركات الناشئة التي «تحرق النقود = تُنفق أكثر ممّا تجني» مثل شركة Vice Group Holding Inc المختصة بالإعلام الرقمي قد وقعت بالشرك فعلاً. تباهت شركة Vice ذات مرّة بتقييم Valuation بلغ 6 مليارات دولار، لكنّها كانت تعتمد في ذلك على التمويل الخارجي الذي توقّف في نهاية المطاف في أيار. أخفقت عدّة شركات «شركات استحواذ ذات غرض خاص SPAC = شركات غرضها الوحيد هو الاستحواذ على شركات أخرى وعرض أسهمها للبيع» هذا العام للأسباب ذاتها، كان آخرها شركة السيارات الكهربائية Lordstown Motors Corp وشركة الأغذية Tattooed Chef Inc.

كان هناك أيضاً ارتفاع ملحوظ في الشركات التي تقدمت بطلب الإفلاس وفقاً لشروط الإفلاس المؤمّن، الأمر الذي أشار إلى أنّ هذه الشركات كان يجب أن تخضع لإعادة هيكلة قبل أن تصل إلى هذه المرحلة. أحد الأمثلة هي شركة الأمن المنزلي Monitronics Inc. التي ملأت ملفّ إفلاس سابق منذ أربعة أعوام فقط. ذكرت الشركة في التماس الإفلاس بمنتهى البساطة «أدّى ارتفاع أسعار الفائدة منذ نهاية 2021 إلى مزيد من القيود على التدفقات النقدية للمدينين».

القادم أسوأ

الأسوأ قادم، ولكن بدلاً من حدوث صدمة قصيرة وحادة كما شهدنا عام 2008، يتوقّع الخبراء أن تخضع الشركات لفترة طويلة من الضائقة وإعادة الهيكلة لأنّ أسعار الفائدة من المرجح أن تبقى مرتفعة لفترة طويلة مع إعلان البنوك المركزية بأنّها في خضمّ القضاء على التضخّم. الشركات الصغيرة معرّضة للتراجع في الإقراض المصرفي، ومن المرجح بشكل أكبر أن تحصل على القروض بسعر عائم بتكاليف إقراض مرتفعة بسرعة كبيرة. في الكثير من الحالات ستتضاعف تكاليف القرض خلال أقلّ من عامين.

كما أننا سنشهد حدوث انهيارات أكبر مثلما حدث في نيسان الماضي عندما أعلن عملاق الأدوات المنزلية الأمريكي Bed Bath & Beyond Inc. الإفلاس. كان انهيار شركة تجارة الأثاث النمساوية Kika/Leiner الشهر الماضي هو أكبر إفلاس تشهده الدولة الواقعة على جبال الألب منذ عقد. تزيد حالات التخلف عن السداد الكبير من مخاطر الحلقة المفرغة المتمثلة في عدم تلقي الموردين رواتبهم، وفقدان العمّال وظائفهم، وتشديد البنوك لمعايير الإقراض، لنصل إلى انهيار المزيد من الشركات وإفلاسها.

ليس من المستغرب أن تتضرر شركات شحن السلع الاستهلاكية مع تضاؤل الاستهلاك والإحجام عن شراء المنتجات وركود الاستهلاك. تعرضت شركة التوصيل البريطانية Tuffnells Parcels Express Ltd. إلى الإفلاس الشهر الماضي، وتبعتها شركة Brands Inc. الأمريكية الشهيرة التي تصنع قدور «بيركس» وطناجر الضغط الشهيرة. تضررت الشركة الأمريكية بشكل خاص من ارتفاع نفقات النقل ورفع سعر الفائدة، وإحجام بائعي التجزئة عن تجديد طلباتهم وتقليصها.

قطاع البناء والقطاع الصناعي يشعران بالضيق بدورهما مع تضخم العقارات التجارية وتراجع التصنيع العالمي. تقدمت شركة تصنيع المواد الكيميائية بريطانية الأصل Venator Materials Plc بطلب الإفلاس في الولايات المتحدة في أيار تحت ثقل القروض التي بلغت 1.1 مليار دولار، والتراجع بنسبة 38٪ في المبيعات الفصلية الذي أدّى إليه تخفيض عملائها للكمية في مخزوناتهم. ونظراً للسرعة التي تتراكم فيها التحذيرات بشأن تراجع أرباح المواد الكيميائية، فمن المرجح أن نشهد عمّا قريب سقوط عملاق مواد كيميائية آخر هو Venator، ولن يكون بذلك آخر من سيسقط.

ورغم أننا نتوقّع أن تكون شركات التكنولوجية والرعاية الصحية بمنأى عمّا يحدث، إلّا أنّها معرّضة لتجد نفسها تقترض بأسعار عائمة مثل غيرها. على سبيل المثال تقدمت شركة Envision Healthcare Corp بطلب الإفلاس الشهر الماضي بعد أن عانت أعمال الشركة المالكة لها KKR & Co. من انخفاض عدد المرضى الذين يراجعونها منذ ضرب الوباء. فكما أفادت بلومبيرغ الشهر الماضي، هناك مليارات من الدولارات من القروض غير محميّة ضدّ السعر المتغيّر.

انخفضت عائدات السندات غير المرغوب فيها في الولايات المتحدة إلى أقلّ من 4٪ في عام 2021، لكنّ النسبة عادت وارتفعت منذ ذلك الحين لتصل إلى 8.75٪. هذه السندات غير المرغوبة لن تكون قادرة على إنقاذ حاملها من السقوط، فالمستثمرون يشكّون فيما إن كانت ستكون قادرة على تعويضهم عن أموالهم. لا بدّ أنّ المدراء التنفيذيين كانوا يأملون أن تعود أسعار الفائدة إلى مستويات يمكن إدارتها فيها، لكن يبدو هذا غير محتمل على نحو متزايد. في غضون ذلك، تقلّص متوسط استحقاق السندات الأمريكية والأوروبية غير المرغوب فيها إلى أدنى مستوى على الإطلاق. وكما قال أحد مؤسسي شركة Moelis & Co.

الاستشارية نافيد محمود زاديغان للمستثمرين الشهر الماضي «الكثير من القروض سينضج وقت سدادها عمّا قريب في العامين القادمين، ولسوء الحظ لن تتمكن الكثير من الشركات من إعادة التمويل خلال فترة الاستحقاق هذه».

لا يبدو أنّ المؤشرات تدعو إلى البهجة، فنحن اليوم على أعتاب فترة طويلة من ضائقة الشركات.

بتصرّف عن:
The Corporate Bankruptcy Wave Will Get Even Uglier

معلومات إضافية

العدد رقم:
1132
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 21:06