بفضل منظومة النهب المنظم: الانعدام الغذائي يسود سورية

بفضل منظومة النهب المنظم: الانعدام الغذائي يسود سورية

ترتفع على نحوٍ يومي تقديرات الكارثة التي تصيب منظومة الغذاء في سورية بوتيرة غير مسبوقة، حيث باتت أعداد السوريين الإضافيين الذين يدخلون كل عام في حالة الانعدام الغذائي لا تقدّر بالآلاف أو مئات الآلاف، بل بالملايين. وبوتيرة متسارعة تهدد بجرف المزيد من المواطنين إلى براثن العوز والفاقة.

على امتداد شهور العام الماضي 2021، واصلت أعداد السوريين الذين يعانون من انعدامٍ غذائي ارتفاعها إلى نسبٍ غير مسبوقة، مثبتة حالة التراجع فيما يتعلق بأهداف الحدّ من الجوع أو حتى إبطائه. وفي هذا الصدد، أصدر برنامج الأغذية العالمي WFP مؤخراً تقريره عن العام 2021، كاشفاً فيه بعض المؤشرات حول حجم أزمة الغذاء السوري.

1066

من 20 إلى 60% خلال عامين فقط

خلال العام الماضي، ارتفعت أعداد السوريين الذين يعانون من الانعدام الغذائي من 20% في عام 2019 إلى 60% في 2021، أي أنه كان يتضاعف مرة كل عام وسطياً. وبطريقة أخرى، يعاني ثلاثة من كل خمسة سوريين من الانعدام الغذائي، بينما يواجه 12 مليون سوري انعدام الأمن الغذائي الحاد فعلياً.
واتسم العام الماضي بتراجع متسارع لليرة السورية، توازى مع ارتفاعٍ في أسعار السلع الأساسية ورفعٍ للدعم الحكومي تحت يافطات وحجج متنوعة من شاكلة «توجيه الدعم لمستحقيه»، ما انعكس فعلياً في تضاؤل طال الأجور الحقيقية للسوريين كان السبب الأساسي الكامن خلف الزيادة الحاصلة في أعداد السوريين الإضافيين الذين باتوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

1066i8

آليات «التكيف» عبر الغذاء السيء

تستند منظومة الغذاء السوري، وفقاً للتقديرات الدولية، إلى الاعتماد المفرط على الزيوت والسكريات، يليها اعتماد أقل على الخبز والبطاطا والخضروات الموسمية، ثم البقوليات، والقليل من اللحوم. ويتسبب ذلك بسوءٍ في التغذية وعوز في العناصر الغذائية الأساسية الضرورية للإنسان، حيث حدث تدهور كبير في تنوع النظام الغذائي السوري الذي كان يضرب به المثل في القرن الماضي، وبات يتألف الآن من الأطعمة الأرخص وغير الغنية بالمغذيات.
وبحسب التقديرات، يعاني السوريون عموماً من نقصٍ في البروتينات الحيوانية وفيتامين A، وهو نقص يمكن تصنيفه على أنه بنيوي في الغذاء السوري، حيث نرى أن هذا النقص كان موجوداً حتى منذ ما قبل انفجار الأزمة في البلاد عام 2011. حيث أن عوامل ضعف التغذية وأضرار الثروة الحيوانية هي عوامل سابقة لانفجار الأزمة.
وأمام هذا الحال، لا يجد السوريون مناصاً سوى «التكيف» السلبي مع التدهور الغذائي والفقر، عبر اللجوء لآليات مثل تقليص عدد الوجبات (في عام 2019، أكد برنامج الغذاء العالمي أن معظم الأسر السورية في معظم المحافظات قلصت وجباتها من 3 إلى وجبتين فقط يومياً)، وتقليص الحصص الغذائية للبالغين من أجل إشباع الأطفال، وتكثيف الاعتماد على الخبز (الذي لا يزال مستهدفاً بالخطط الحكومية الرامية إلى تقليص دعمه وصولاً إلى رفعه، عبر آليات التفافية مثل البطاقة الذكية وغيرها).

1066i7

انسحاب حكومي وتراجع في الدعم

بعيداً عن التصريحات الرسمية التي لا تنفك تحاول أن تغطي الشمس بالغربال، يتحمل انسحاب الدولة من لعب دورها وتراجع الدعم الحكومي للزراعة المسؤولية الأساسية عن حالة التدهور التي أصابت الغذاء السوري، حيث انخفض الإنفاق (التقديري) على قطاع الزراعة في الموازنة الحكومية من 515,432,500 دولار في عام 2011 إلى حوالي 124,686,914 دولار في عام 2021 أي أنه تقلّص بنسبة تزيد عن 75% خلال عشرة أعوام فقط.
وليس تراجع الإنفاق الحكومي التقديري مؤشراً وحيداً على إهمال السياسات الحكومية لقطاع الزراعة، بل هنالك مؤشرات عديدة يمكن ذكرها في هذا الإطار، مثل تراجع الأراضي المروية عبر مشاريع الري الحكومي من 817 ألف هكتار في عام 2002 إلى 286 ألف هكتار في 2019، وتراجع أعداد المطاحن وإنتاج الفروج والبيض والأبقار خلال الفترة ذاتها بنسبٍ لا تتوافق مع ظروف الأزمة التي كان يحتم المنطق خلالها أن تولي الحكومة أهمية كبرى للقطاع الزراعي الذي يمثّل أداة تحصين لا يمكن التخلي عنها في ظل ظروف الدمار الذي لحق البنية التحتية والعقوبات الاقتصادية التي ساهمت بإفقار الملايين من السوريين، وهي ظروف لا تذكرها الحكومة إلا في معرض المحاولة البائسة لـ»تبرير» إهمالها لهذا القطاع الحيوي.

1066i9

التجارة بغذاء الناس والحلول المتوقفة

كما كل ميادين الاقتصاد السوري، يعدّ الغذاء واحداً من ساحات نشاط أصحاب النفوذ في البلاد الذين يراكمون الثروات الهائلة جراء التربّح من الغذاء المستورد، وتصدير وتهريب الغذاء المزروع محلياً، فضلاً عن شفط الدعم الحكومي المخصص له والآخذ بالتقلص أصلاً، وهي عوامل تقف جميعها إلى جانب العقوبات، كتفاً بكتف، لتحدّ من قدرة السوريين على التعافي.
وإن أردنا أن نضع جانباً المحاولات الرامية إلى تحميل المسؤولية إلى عامل واحد دون رؤية الصورة كاملة، يمكن القول إن هنالك طريقاً واحداً يمكن من خلاله دفع قطاع الغذاء السوري للنهوض أو حتى مجرد إيقاف تدهوره، وهو طريق يمرّ بتأمين شروط زيادة الإنتاج الزراعي المحلي من خلال تشجيع الفلاحين وتيسير إنتاجهم بما يلزم من دعم حكومي، وإيقاف التقلص الحاصل في هذا الدعم، وتخفيف فاتورة المستوردات ولا سيما للمواد التي توجد لدى البلاد قدرة على إنتاجها، مثل السكر الذي كانت البلاد تنتجه حتى الأمس غير البعيد، لكنها توقفت عن ذلك نتيجة تراجع دعم زراعة الشوندر وكذلك استهداف معامل السكر ودفعها للإغلاق، أو حتى إبطاء وتيرة إعادة إقلاعها (مثل معمل حمص الذي أعلن عن عودة العمل فيه مرتين في عامي 2019 و2020، ثم أعلن الشهر الماضي عن توقف المعمل بشكلٍ نهائي).

1066i10

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1066
آخر تعديل على الأربعاء, 18 أيار 2022 14:18