مشكلة الديزل في الغرب كارثة وليست مجرّد أزمة
وليام إنغدال - ترجمة: قاسيون وليام إنغدال - ترجمة: قاسيون

مشكلة الديزل في الغرب كارثة وليست مجرّد أزمة

وسط أزمة التضخم العالمية المستمرة، يكرر زعماء الغرب وإعلامهم أسطوانة أنّ سبب ارتفاع أسعار الطاقة هو إجراءات روسيا في أوكرانيا، بينما العقوبات الغربية هي المسؤولة. لكن ما يحاول هؤلاء إخفاءه وتمييعه، أنّ ما يجري يؤثّر بشكل مأساوي على اقتصاداتهم. مجرّد إلقاء نظرة على تأثير أسعار الديزل على الاقتصادات الغربية، تجعلنا ندرك أنّ الأمر يتخطّى الأزمة ويصل حدّ الكارثة.

نادراً ما نفكّر بوقود الديزل من زاوية غير كونه ملوثاً، إلّا أنّه في الواقع ضروري جداً للاقتصاد العالمي بأسره بطريقة تجعله فريداً بين مصادر الطاقة الأخرى. صرّح مؤخراً مدير Fuels Europe، وهي جزء من رابطة مصافي نفط البترول الأوروبية: «هناك صلة واضحة بين الديزل والناتج المحلي الإجمالي، لأنّ كلّ شيء يدخل ويخرج من المصانع يستخدم الديزل».
في الأسبوع الأول من العملية العسكرية الروسية، حين لم تكن هناك عقوبات صارمة بعد على وقود الديزل من روسيا، كان سعر الديزل الأوروبي بالفعل عند أعلى مستوى له منذ ثلاثين عاماً. لا علاقة للأمر بالحرب. ارتبط الأمر بعمليات الإغلاق العالمية بسبب كوفيد-١٩ منذ آذار ٢٠٢٠، وتراجع الاستثمار من قبل وول ستريت والشركات المالية العالمية في شركات النفط والغاز.
في اليوم الأول من العمل العسكري الروسي، أوقفت أكبر شركتي نفط في العالم: بريتش بتروليوم، وشيل، توريدات الديزل إلى ألمانيا بذريعة الخوف من نقص الإمدادات. كانت روسيا تورّد ما بين ٦٠ إلى ٧٠٪ من كليّ الديزل للاتحاد الأوروبي قبل الحرب في أوكرانيا.
في عام ٢٠٢٠، كانت روسيا ثاني أكبر مصدّر لوقود الديزل في العالم بعد الولايات المتحدة. ذهب معظمها– حوالي ٧٠٪ - إلى الاتحاد الأوروبي وتركيا. كانت فرنسا أكبر مستورد، تليها ألمانيا، ثمّ المملكة المتحدة. تستخدم حوالي ٧٦٪ من المركبات التي تسير على الطرق في فرنسا وقود الديزل. الطلب على الديزل في الاتحاد الأوروبي أعلى بكثير ممّا هو عليه في الولايات المتحدة، فمعظم السيارات تستخدم وقود الديزل لكونه أكثر اقتصاداً وكفاءة.
في الأسبوع الأول من نيسان، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين- بفخر- عقوبات جديدة ضدّ الطاقة الروسية، ستبدأ بفرض الحظر على الفحم. الاتحاد الأوروبي هو أكبر مستورد للفحم الروسي. قالت: إنّ النفط والغاز سيتبعان ذلك في وقت لاحق. لن تؤدي هذه الخطوة الحمقاء إلّا إلى زيادة تكاليف الطاقة التي سجّلت ارتفاعاً قياسياً بالفعل.
في بداية الأزمة الأوكرانية، كانت المخزونات العالمية من وقود الديزل هي الأدنى بالفعل منذ عام ٢٠٠٨، حيث ألحقت عمليات إغلاق كوفيد-١٩ أضراراً كبيرة بحالة الطلب والعرض في إنتاج النفط والغاز. واليوم بات المسرح مفتوحاً لأزمة كارثية غير مسبوقة في الديزل، والعواقب ستكون وخيمة على الاقتصاد العالمي.

الديزل محرّك التجارة العالمية

تتميّز محركات الديزل بأعلى كفاءة بين المحركات التقليدية. بسبب كفاءتها الكبيرة والمسافة الطويلة التي تقطعها، فجميع محركات شاحنات النقل تعمل على الديزل. إنّها تزوّد معظم المعدات الزراعية بالوقود، من الجرارات إلى آلات الحصاد. يستخدم الديزل على نطاق واسع في الاتحاد الأوروبي، ما يقرب من ٥٠٪ من محركات السيارات تعمل على الديزل لأنّها أكثر كفاءة في استهلاك الوقود بالمقارنة مع البنزين.
كما يُستخدم الديزل في معظم آلات التعدين الثقيلة، مثل: آلات نقل التربة، كآليات كاتربيلر. حلّت محركات الديزل محل المحركات البخارية في جميع خطوط السكك الحديدية غير المكهربة في العالم، وخاصة قطارات الشحن. ويستخدم الديزل في عمليات توليد الطاقة الكهربائية، وفي معظم المركبات العسكرية الثقيلة.
لذلك فالنقص العالمي في وقود الديزل، سواء كان مؤقتاً أو طويل الأمد، هو حدث كارثي. لا يمكن نقل البضائع من موانئ الحاويات إلى الوجهات الداخلية. بدون وقود الديزل، لا تستطيع الشاحنات توصيل الطعام إلى السوبرماركت أو أيّ شيء آخر في هذا الشأن. سلسلة التوريد بأكملها مجمدة.
إلى أن بدأت عمليات الإغلاق العالمي غير المنسقة للصناعة والنقل في آذار ٢٠٢٠، كان الطلب والعرض على وقود الديزل متوازناً بشكل جيّد. لكن عمليات الإغلاق المفاجئة أدّت إلى انهيار الطلب على الديزل لشاحنات النقل والسيارات والبناء وحتّى الزراعة. تمّ إغلاق المصافي غير المربحة، وانخفضت السّعة.
اليوم مع عودة الإنتاج العالمي إلى مستويات ما قبل كورونا، احتياطيات الديزل في جميع أنحاء العالم منخفضة بشكل خطير، لا سيما في الاتحاد الأوروبي الذي يعدّ أكبر مستهلك للديزل في العالم. ولكن النقص أيضاً يطال الولايات المتحدة.

التقنين

اعتباراً من شباط قبيل تأثير الحرب في أوكرانيا، كان الديزل- والمخزونات ذات الصلة في الولايات المتحدة- أقلّ بنسبة ٢١٪ من المتوسط الموسمي عنها قبل انتشار كورونا. في الاتحاد الأوروبي، كانت المخزونات أقلّ بنسبة ٨٪ - أو ٣٥ مليون برميل أقل من مستوى متوسط ما قبل كوفيد. في سنغافورة، كانت الأسهم المركزية الآسيوية أقل بنسبة ٣٢٪ من المعدل الطبيعي. كانت مخزونات الديزل مجتمعة في جميع المناطق الثلاث منخفضة بشكل مثير للقلق، حيث انخفضت قرابة ١١٠ مليون برميل بأدنى من المعدل العام الماضي.
في أوائل آذار، فرضت الحكومة المركزية الصينية حظراً على صادراتها من وقود الديزل «لضمان أمن الطاقة» وسط العقوبات الغربية على روسيا. قامت إدارة بايدن بفرض حظر على واردات النفط والغاز الروسي الذي شكّل في عام ٢٠٢١ قرابة ٢٠٪ من كامل صادرات النفط الثقيل الروسي.
في ٤ نيسان، كان متوسط سعر لتر الديزل في ألمانيا ٢,١٠ يورو، مقارنة بـ١,٥٠ يورو في كانون الأول ٢٠٢١، أي بزيادة قدرها ٤٠٪ خلال أسابيع. في ٢٧ آذار، حذّر الرئيس التنفيذي لشركة Vitol، وهي أكبر شركة تجارة طاقة مستقلة في العالم ومقرها روتردام، من أنّ تقنين استهلاك وقود الديزل في الأشهر المقبلة على مستوى العالم أمر مرجح بشكل متزايد. وأشار إلى أنّ «أوروبا تستورد نحو نصف وقودها من روسيا، وحوالي نصف ديزلها من الشرق الأوسط. هناك نقص منظم في إمدادات الديزل».
أعلن ديفيد ماكويليامز، الاقتصادي الإيرلندي البارز والعضو السابق في البنك الوطني الإيرلندي: «لا يقتصر الأمر على ارتفاع أسعار النفط، بل إنّ وقود الديزل يرتفع سعره، وهناك خطر حقيقي من أن الديزل سينفد في أوروبا الغربية على مدار الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع القادمة، أو ربما قبل ذلك ... نحن نستورد كمية كبيرة من الديزل لسداد حاجتنا، يأتي بغالبيته من مصفاتين في المملكة المتحدة، حيث تتمّ معالجتهما لأول مرة. لا تملك تلك المصافي أي خام في الوقت الحالي. لذلك نحن ندير الاقتصاد بشكل أساسي على أساس يومي، وعلى أساس كل ساعة... ليست لدينا أزمة نفطية فحسب، بل لدينا أزمة طاقة لم نشهد مثلها منذ 50 عاماً». الوضع في الولايات المتحدة ليس أفضل، فقد بلغ حجم التضخم بالفعل أعلى مستوياته منذ 40 عاماً.
ما ستعنيه أزمة وقود الديزل العالمية التي تتكشف، هو تأثير كبير على جميع أشكال النقل بالشاحنات والسيارات، والزراعة، والتعدين وما شابه ذلك. سوف تتسبب في كارثة لاقتصاد عالمي فاشل وهشّ بالفعل.

بتصرّف عن:
NATO Sanctions and the Coming Global Diesel Fuel Disaster

معلومات إضافية

العدد رقم:
1066
آخر تعديل على الإثنين, 18 نيسان/أبريل 2022 14:31