(ترامبية) في السياسة الصناعية الألمانية!

(ترامبية) في السياسة الصناعية الألمانية!

أعلنت ألمانيا في شباط من العام الحالي، ما يسمى بالإستراتيجية الوطنية الصناعية الجديدة في ألمانيا 2030... وانصدم المعلّقون بهذه الإستراتيجية، التي تدعو إلى سياسة صناعية «عدوانية»، تميل إلى التوجه العالمي في السياسات الاقتصادية التي تسمى حمائية، وتوصف بالقومية، التي تطبق عبر العالم، والتي يرتبط اسمها بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبالصين.

الإستراتيجية الألمانية الصناعية الجديدة لعام 2030، تضع أهدافاً وأدوات، من التي تنعطف إليها السياسات الاقتصادية في لحظات الأزمات والركود... وبعد أن كانت «السياسات الصناعية» مستهجنة، وغير معلنة، على اعتبار أن السوق تدير أمورها بعفويتها، أصبح وضع سياسة تلعب الدولة فيها دوراً أساسياً هو عنوان اليوم، ليتجاوز الأمر «ميول ترامب الحمائية» ويتبين أنه ضرورة في اللحظة الاقتصادية العالمية المعقدة.

عناوين من الإستراتيجية الجديدة

«رفع حصة التصنيع من الناتج الألماني من مستوى 23% (وهو ضعف حصة التصنيع من ناتج فرنسا والولايات المتحدة)، إلى 25%. وفي عموم الاتحاد الأوروبي من 14 إلى 20% من ناتج الاتحاد حتى عام 2030».
تقول الإستراتيجية في هذا السياق، بأنه «ينبغي ألّا نخسر أيّة وظيفة صناعية، ومن الخطأ التمييز الآن بين وظائف قديمة ومضرّة بيئياً، وبين الوظائف الجديدة الصديقة للبيئة». في توجّه يشابه موقف الإدارة الأمريكية الحالية، اللامبالية بالأخذ بمحددات المناخ، مقابل محددات الأعمال.
«الحفاظ على سلاسل القيمة المضافة المنتجة في الاتحاد الأوروبي مغلقة»، الأمر الذي تعتبره الإستراتيجية مهماً جداً، وهو ما يعني حماية صناعية، عبر الحمائية التجارية التي تؤدي لإعاقة حرية دخول البضائع.
«دعم الشركات الكبرى واعتبارهم أبطالاً وطنيين انطلاقاً من الحجم الكبير»، حيث يجادل تقرير الإستراتيجية بأن الدولة التي لا تمتلك الشركات الكبرى بمقدار الكتلة الحرجة الضرورية للمنافسة دولياً، فإنها ستُستبعد من جزء مهم ومتزايد من السوق الدولية الصناعية. ما يعني بأن السياسة الصناعية الجديدة، تتبنى بوضوح دعم الشركات الكبرى... مزيلة من قاموسها الليبرالي الحديث الزائف السابق عن تأمين شروط المنافسة! مقابل وضع أعمال الشركات الكبرى الاحتكارية في مصاف البطولة الوطنية.
«الدولة يجب أن تكون مستعدة للتدخل لمنع عمليات استحواذ الشركات الأجنبية غير المرغوب فيها»، لتخص الإستراتيجية قطاع البنى التحتية بالذكر، حيث الصين أكبر منافس عالمي. ما يعني أن السلطة السياسية، وبدواعي «تهديد الأمن القومي»، ستتدخل لمنع حركة رؤوس الأموال وتحديد طابع الاستثمارات.
«دور الدولة المباشر، حيث على الدولة أن تساهم بدعم العمليات ذات الأهمية الاقتصادية المعتبرة، وذلك عبر التعاون، الدعم المالي، والمساهمة المباشرة، ومدى مساهمتها ودعمها يجب أن يتحدد وفق مستوى أهمية العملية». لتؤكد الإستراتيجية على ضرورة مساهمة الدولة المباشرة في القطاعات الجديدة في اقتصاد المنصات، والذكاء الصناعي وغيرها.

الإعانات ومساهمة الدولة للمنافسة العالمية

تشير الإستراتيجية الصناعية الألمانية، إلى أنه رغم النجاحات التي حققتها الصناعة الألمانية، كان من الممكن أن يكون أداء الصناعة الألمانية أفضل. حيث خضعت صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية الألمانية للمنافسة من اليابان وكوريا، ولم تتمكن من ترسيخ نفسها في صناعة الكمبيوتر والهواتف الذكية، وليس لألمانيا ولا أوروبا وجود هام في اقتصاد الإنترنت.
تعتبر الإستراتيجية أن سبب الإخفاقات هو الافتقار إلى الحجم الكبير، وإلى الدعم السياسي بالمقارنة بالشركات الأمريكية واليابانية. كما تعتبر أن قطاع صناعة السيارات الألمانية، وهي جوهر قطاع الصناعة التحويلية، مهددة إذا لم تتقدم ألمانيا سريعاً في مجالات، مثل: الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وإنتاج خلايا البطاريات.. في ظل المنافسة الهائلة مع الولايات المتحدة واليابان والصين، التي يعود نجاحها كما تقول الإستراتيجية إلى السياسة الصناعية.
تشير الإستراتيجية في تمايز عن «سياسة ترامب» إلى أن ما سبق لا ينبغي أن يعتمد على التعرفات الجمركية، بل ينبغي أن يعتمد على ثلاث أدوات رئيسة: الإعانات، والمساهمة المباشرة للدولة مع الشركات، وإصلاح سياسة المنافسة على مستوى الاتحاد الأوروبي.

 

تنضمّ ألمانيا رسمياً إلى حملة السياسات الصناعية الحمائية، التي تسير في دول المركز: انطلاقاً من الطليعة الأمريكية مع ترامب إلى اليابان، ومن ثمّ إلى ألمانيا. ضاربة عرض الحائط في المقولات النيوليبرالية السابقة، حول نبذ دور الدولة وقدرة السوق بحريتها فقط على تسيير النمو... لتتحول عناوين السياسة الصناعية اليوم إلى الحماية، والدعم والمساهمة المباشرة للدولة. أما لماذا الصناعة هي المنطلق، فذلك تفسيره في كونها النقطة الأكثر اختلالاً في ميزان القوى الاقتصادي العالمي، حيث تقدمت الصين القوة الصاعدة لتصبح المنافس الأكبر والأهم عالمياً في قطاعات الصناعة عموماً، وفي الصناعات عالية التكنولوجية أيضاً. تحتاج الشركات الكبرى إلى أقصى استثمار لموارد الدول الغنية في وقت الأزمات والركود، وهو ما يشهده عالم اليوم. وبينما ترسخ هذه الدول سياسات دعم اقتصاداتها وصناعاتها، تستمر بتصدير سياسات الانفتاح الاقتصادي لأسواق دول العالم الثالث، التي ينبغي ألّا تلعب دولها دوراً اقتصادياً يعيق تقاسم السوق العالمية بين الكبار!

عن دراسة لمركز دراسات PIIE بعنوان:
«The Return of Economic Nationalism in Germany»

معلومات إضافية

العدد رقم:
907
آخر تعديل على الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2019 13:24