ثغرة التوزيع  ومنافذ الليبراليين والطفيليين

ثغرة التوزيع ومنافذ الليبراليين والطفيليين

في المرحلة التي شهدت تضخماً كبيراً لجهاز الدولة الإنتاجي في سورية، كانت سورية تفتقر إلى كثير من ملامح التنمية، وكثير من مدنها لم تكن مدناً وكثير من ريفها كان مهمشاً، أي أن متطلبات الإنفاق كانت كثيرة، وموارد التنمية الاقتصادية، كانت تستهلك في عملية سد الفراغ التنموي الكبير السابق..الجهاز الإنتاجي الكبير والمتضخم قابله استهلاك متضخم ومتزايد، وبقيت الحلقة الوسيطة وهي التوزيع موضع الخلل..

إدارة عملية التوزيع الذي تركز لوقت طويل في يد جهاز الدولة، وفي جميع القطاعات، لم يتمتع بعقلية مرنة، أي لم يستطع أن يجعل من توزيع جهاز الدولة، قادراً على مواكبة مستوى الضغط الذي يأتي من جهة نتيجة مركزية جهاز الدولة الإنتاجي، والموارد الكبيرة - وخاصة مع ظهور النفط والريع السياسي- ومن جهة أخرى الضغط الذي يشكله تطور الاستهلاك كماً ونوعاً..

وكانت النتيجة بطبيعة الحال، هي استغلال هذه الثغرة في التوزيع والتبادل، وتحولها إلى عائق باتجاه انتقال الموارد ومنتجاتها إلى الاستهلاك، وهو ما أنشأ الحاجة إلى أنابيب تفريغ الموارد المتراكمة بيد الفساد، والتي كانت في مرحلة و ما زالت تخرج بشكل مباشر نحو الخارج، -ويعبر عنها كم الأموال السورية الموجودة بالخارج- ولكن قوى الفساد في جهاز الدولة المهمينة على كثير من الموارد، أصبحت من القوة بحيث أنها تستطيع أن تغيّر النموذج، وأن تعلن عن قنوات التوزيع الفرعية الطفيلية التي ترتبط بها، والتي تحتاج للتخلص من عبء جهاز الدولة الكبير، وما يترتب عليه من التزامات أو احتمالات عودة إلى النموذج السابق، أي أنها احتاجت إلى إعلان انتصارها النهائي.. وهنا كانت الليبرالية وتحييد جهاز الدولة حاجة موضوعية، لاقت دعماً لها من  المؤسسات الدولية..

الأزمات المفتعلة الآن وسابقاً هي أداة هامة في هذا السياق، حيث أن الأزمات في القطاعات الكبرى، ترافق دائماً بهجوم على دور الدولة، وتوجّه أسهم التضليل لتقول: "الإنتاج في القطاع العام يحمل أزمات بحد ذاته، والدعم يتيح النهب، والرقابة غير قادرة على مواجهة الحالة الموضوعية لعمل قوى السوق وسعيها للربح.. "

ويرتؤون "بجذريتهم"، من كل هذا أن المسألة تحتاج إلى إنهاء الدور الإنتاجي للدولة، أو إلغاء الدعم، لكي نقطع السبل على قوى السوق..

بينما الضرورة تقول، بأن هذا الجهاز هو الضامن الوحيد للجم قوى السوق، ولكن يجب إبعاد قوى الفساد، وفضح منطقها، لأن لها الدور الأكبر في الموت السريري لبعض مؤسسات هذا الجهاز، والدور الأكبر في العملية المنظمة لتحييده، وما يستوجب الحل السريع، هو إعادة الحياة إلى هذا الجهاز الإنتاجي وزيادة دعمه، ولكن بعد سد الثغرات الكبرى في التوزيع، أي إعادة دخوله بدور ذكي ومرن في عملية التوزيع، ليتلاءم مع الحاجات الاستهلاكية المتزايدة والمتنوعة، وهو ما يقطع موضوعياً الطريق على قوى السوق، أو يمنع تحكمها..