د. نبيل مرزوق: التنمية الاقتصادية في سورية.. بلا رؤية!

د. نبيل مرزوق: التنمية الاقتصادية في سورية.. بلا رؤية!

فرضت الأحداث التي شهدتها تونس ومصر مؤخراً على الباحث الاقتصادي د. نبيل مرزوق تغيير محور محاضرة ألقاها الثلاثاء الماضي في المركز الثقافي العربي بالمزة ضمن سلسلة دورة المحاضرات التي بدأتها جمعية العلوم الاقتصادية السورية في 25 كانون الثاني، فبدلاً من التركيز على «معوقات النمو الاقتصادي على الأجل القصير والمتوسط»، ركز المحاضر على ما سماه «التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية»، على اعتبار أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة حسب وصفه تمثل هدفاً رئيسياً واستراتيجياً للدول النامية على طريق الخروج من أزماتها المتلاحقة.

وفي حين لم يشر د. مرزوق إلى الحدثين التونسي والمصري باستفاضة لتوضيح الدافع الحقيقي وراء تغيير محور العرض، تصدى أحد الحضور (من الاختصاصيين) لتوضيح ذلك مبيناً أن الليبرالية الجديدة التي سوقتها الولايات المتحدة خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي بمعونة صندوق النقد الدولي، كانت هي السبب الأساسي في وصول الشعبين التونسي والمصري إلى حالة من الانفجار بعد تراكم سوء المعيشة سنةً بعد سنة في بلدانهم.

وفي سياق محاضرته، عدد د. مرزوق عدداً من المؤشرات التي رأى أنه يمكن الاستدلال باستخدامها على الوضع التنموي في سورية، ومن هذه المؤشرات الوفاء بالاحتياجات الأساسية للسكان من دخل وصحة وتعليم..الخ، ونسبة السكان الذين تتوفر لديهم خدمات المرافق الخدمية والصحية الأساسية المناسبة، والتطورات السكانية وتطوير قاعدة المعلومات والأداء الاقتصادي.

وتناول د. مرزوق مؤشر الأداء الاقتصادي في سورية موضحاً أنه يتكون من مجموعة مؤشرات تتضمن الفعالية إلى جانب النمو والاستقرار، ولتقييم فعالية الجهود المبذولة حسب قوله يجب انتظار فترة زمنية كافية، «فما نقوم به اليوم من استثمار أو تنظيم تظهر آثاره بعد سنوات قد تمتد إلى خمس سنوات أو عقد من الزمن»، وبين الباحث أن سلسلة زمنية تقارب 30 عاماً تظهر «أن نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات 1980 – 2010 كان شديد التغير بين عام وآخر، وهو إن كان قد اتخذ منحى إيجابياً صاعداً كاتجاه عام، فإنه يوضح بشكل جلي هشاشة النمو وعدم استقراره وتأثره بشكل كبير بمتغيرات خارجية، تحدد في النهاية اتجاه النمو ومستواه، مثل التغير في أسعار النفط والمواسم الزراعية، أكثر من دور المتغيرات الداخلية للنموذج مثل الاستثمار وقوة العمل والتغير التكنولوجي».

وخلال عرضه للمشاركة في التنمية كأحد مؤشرات التنمية في الاقتصاد السوري أوضح د. مرزوق أن تعبئة المجتمع ومشاركته بجهود التنمية هي عامل حاسم في عملية التنمية، حيث يسهم الوعي بأهداف التنمية في تقاسم المسؤولية عن تحقيق تلك الأهداف، وفي إطلاق المبادرات والقدرات الكامنة لدى المواطنين في الإبداع والتطوير.

أما العوامل التي أعاقت عملية التنمية فلخصها الباحث بغياب الرؤية التنموية على مستوى اتخاذ القرار الوطني، وبالتالي عدم وجود قيادة تقوم بدور المجمع والمظهر للإرادة الوطنية؛ انعدام استقرار السياسات والتوجهات الاقتصادية لفترة زمنية كافية بما نفى قدرتها على تحقيق التغيرات المطلوبة؛ غياب البعد المؤسساتي والتنظيمي للسير في طريق التنمية؛ وغياب التقدم التكنولوجي؛ وضعف معدل النمو الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل.

وفي ختام محاضرته أبدى د. مرزوق قناعته بأن السير باتجاه التنمية الشاملة يتطلب أول الأمر القيام بإصلاح سياسي يخرج اتخاذ القرار من آلياته المعلقة والفئوية لتشارك في صنعه أوسع القطاعات والفئات من الشعب السوري، كما لابد من أن تمتلك البلاد رؤية واضحة للمستقبل والتطور المنشود تتبناها أعلى مستويات القرار في البلاد، وكذلك لابد من تبني استراتيجية وطنية للتنمية وللعلم والتقانة والأمن الوطني بمعناه الواسع، فتحسين المستوى المعيشي للمواطنين وإعطاء المرأة والشباب حقوقهم في المشاركة واحترام الذات هي أولويات لا تقبل التأجيل.