«دعوة للتخطيط الحكومي»

«دعوة للتخطيط الحكومي»

المواطن السوري قد يكون الأكثر تخطيطاً لحياته من الكثير من الإدارات والوزارات المنتشرة في بلادنا، فهو الذي يؤرقه ويتعبه التخطيط لراتبه الذي يجب أن يكفي لنهاية الشهر، وعلى الرغم أنها من أعقد المعادلات التي تصادفه في حياته،

إلا أن تجربته وخبرته في التخطيط مكنته من حل هذه المعادلة التي يصعب حلها على فيثاغورث واقليدس لو وجدا مكانه، بغض النظر عن سقف راتبه الذي قد لا يتجاوز الحد الأدنى من الرواتب (6010 ليرة سورية)، والذي يفصله عن متوسط الإنفاق المطلوب خمسة أضعاف فقط (31 ألف ليرة سورية)، فحلحلة هذه المعادلة والتخطيط لها لا تعني عدم وجود معادلات أخرى تواجهه، ولكنها أقل صعوبة بالتأكيد، ولذلك فهو  ينجح كعادته في التخطيط لها وتنفيذها أيضاً، وبقاؤه خير دليل...

من هنا، وأمام هذا الإبداع في التخطيط من جهة المواطن السوري العادي، نجد أن بعض إداراتنا تنفذ العديد من إجراءاتها دون تخطيط، حتى لو ادعت التخطيط مسبقاً، وهذا ما تلاحظه في قرار منع الدراجات الكهربائية من الجهات التنفيذية في قطاع النقل  بعد استيرادها لأكثر من عامين تقريباً،

ولكن الأهم، هو غياب التخطيط في القرارات الإستراتيجية الضرورية، كتجاهل أهمية وضرورة تقييم أثار المشروعات الاستثمارية على البيئة السورية، وعلى الاقتصاد السوري، وعلى النمو الاقتصادي أيضاً، خصوصاً وأن عملية الانفتاح الاقتصادي أنهت عقدها الأول، وأدخلت إلى بيئتنا واقتصادنا آلاف المشاريع التي تلوث بيئتنا، و تنتهك حاجات اقتصادنا يومياً.

فأول مظاهر هذا الغياب في التنسيق والتخطيط معاً انعكس على القطاع الكهربائي، حيث أدى التدفق غير المخطط للاستثمار السياحي الخدمي -بالدرجة الأولى- إلى عجز القطاع الكهربائي عن تلبيته، مما أحدث انقطاعات شبه مستديمة ومتكررة في التيار الكهربائي، ولن يكون أخرها الغائبين عن أذهان إداراتنا ووزاراتنا تجاهل ضرورة إجراء تقييم الأثر البيئي للمشروعات الاستثمارية، وأخذه في الاعتبار عند الترخيص لمنشأة هذا المستثمر أو ذاك، خصوصاً وأن التخطيط الاقتصادي في العالم قد تغير، والاقتصادات باتت تخطط اليوم على الأجل المتوسط والقصير.

التخطيط المتكامل لأي قرار اقتصادي هو ضرورة، وقد تكون معادلة «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً» ذات جدوى وفاعلية عند التأخير، لأن الأثر البيئي الناتج عن الاستثمارات القادمة يتحمله السوريون اليوم، واستمرار مخاطر التلوث يعني زيادة أمراضهم وتنويعها، فالتأخير، والتأجيل ليس قضية زمن فقط، فإلى متى سيستمر هذا الغياب في التخطيط؟!. ومن المستفيد من هذا التأخير؟! وما الهدف منه؟!