معمل (الدبس).. (المعلومات الراشحة) توضح الكثير

معمل (الدبس).. (المعلومات الراشحة) توضح الكثير

ريف دمشق مجدداً المحافظة الأكثر دماراً بعد محافظة حلب، والدمار الأكثر تأثيراً نتيجة الكثافة السكانية من جهة والإنتاج الزراعي والصناعي والحرفي الهام المتركز في هذا الريف الواسع المحيط بالعاصمة من جهة أخرى، في بداية تجمع "حوش بلاس" المنطقة الصناعية الواقعة على اوتستراد درعا، والتي قطع الطريق إليها لفترات طويلة، ليبقى العابرون الوحيدون في منطقة الاشتباكات القريبة من بلدة سبينة هم عمال معامل القطاع العام التي تتجمع في هذه المنطقة وهي عديدة.. ومن بينها وأهمها معمل الدبس للصناعات النسيجية..

( قاسيون) زارت الشركة العربية الصناعية المتحدة/ (معمل الدبس) بلا موعد مسبق، ليتبين أن المعمل المتوقف والذي لا يسمع منه صوت الأنوال في صالات الإنتاج المتعددة، لم يتوقف فقط بسبب عمليات الجرد في نهاية العام، التي تبقي عمال الجرد لمدة يومين متواصلين في المعمل، بل يضاف إلى ذلك أسباب أخرى..

الإدارة تلتزم بالصمت الوزاري

إدارة المعمل التي فاجأناها بزيارتنا غير المتوقعة، التزمت بتعميم وزارة الصناعة ولم تصرح لقاسيون بأية معلومات سوى أن "الجرد السنوي" و"المجموعات الإرهابية المسلحة" هي سبب توقف المعمل في الوقت الحالي، ولا نلومهم على عدم التصريح فقد وصل ثمن تصريحات سابقة إقالات لإدارات وثق الإعلام الرسمي وغير الرسمي إنجازاتها مع العمال ونقلها لمعامل من الخسارة إلى الربح كما في معمل كونسروة دمشق..
إلا أن وصولنا إلى المعمل أتاح الكثير من المعلومات، من تداول الأحاديث مع أهل المعمل وأصحاب المعلومات الحقيقية، ورشحت لقاسيون معلومات إيجابية عن عمل المعمل وسلبية عن جهات أخرى..

معلومات... ترشح من الواقع

قاسيون حصلت على معلومات من مصادر متنوعة بعضها نقابي والآخر من عمال المعمل ليتبين لنا أن المعمل الذي تجرد نتائج أعماله في العام الحالي قد حافظ على وتيرة عمله طوال الفترة الماضية ولم يتوقف لفترات جدية، على الرغم من موقعه الذي قطع الطريق إليه لفترات طويلة، ليمر في الظروف الأمنية الصعبة للمنطقة الواقعة في ريف دمشق على تخوم منطقة سبينة عمال معامل القطاع العام المنتشرة في المنطقة هناك فقط كما ذكرنا سابقاً.
بحسب المعلومات فإن المعمل الذي ينتج الغزول القطنية قد تحول في عام 2013 إلى مقصد للعديد من الجهات الاقتصادية العامة والخاصة ليزداد الطلب على منتجاته بشكل كبير، ويبيع كامل المخازين المتراكمة التي قدرت بحسب التقارير النقابية  434 مليون في عام 2011، أي أن ظروف الأزمة ساعدت المعمل على حل واحدة من المشاكل المتعلقة بتسويق المخزون..
فالإنتاج الذي يسوقه المعمل بنسبة 85% إلى القطاع العام أضيف إليه بعض جهات القطاع الخاص التي أصبحت تقصد معمل الدبس لتأمين احتياجاتها من الأقمشة القطنية، وبحسب مصادر لقاسيون فإن معمل الدبس هو المنتج الوحيد في القطاع العام للشاش الطبي، وكميات الطلب على هذا المنتج خلال الأزمة تعادل كامل إنتاج المعمل، أي أن المتغير الرئيسي وهو الفرصة الحقيقية في ظروف الأزمة هو زيادة الطلب بشكل كبير على إنتاج المعمل والحاجة إلى تشغيله بطاقاته القصوى.. ولكن بالفعل الهدر كبير ومستلزمات الإنتاج الرئيسية تعاني من نقص، والسبب ليس الأزمة بشكل رئيسي بل الأسباب بيروقراطية  -بأخف التسميات- وقابلة للتدارك..

(تقنين) مدروس للمعمل.. والهدر تخسير

الكهرباء والعمال والغزل هي المستلزمات الرئيسية لمعمل الصناعات النسيجية الدبس، إذا ما اعتبرنا أن الموجود حالياً من الآلات في صالات المعمل الثلاث التي تضم الأنوال، والمصبغة، وصالة الغزل المتوقفة منذ عدة سنوات.. هو كاف لتشغيل المعمل، بينما الطاقة والعمال هي النقاط المحورية..

الكهرباء: (تقنين المعامل)

حسب ما علمت قاسيون من بعض مصادرها فإن الكهرباء هي المشكلة الرئيسية الراهنة وأحد أهم المشاكل الدائمة، فحالياً توقف الإنتاج بعد انقطاع الكهرباء منذ عشرين يوم تقريباً، بينما معامل أخرى على مسافة شارع من معمل الدبس تصلها الكهرباء..
ومسألة انقطاع الكهرباء هي نقطة النقاش والاحتكاك الدائم مع "الجهات الأعلى"  فبحسب المعلومات فإن وزير الصناعة ومحافظ ريف دمشق قد تم إطلاعهما على مسألة الانقطاع التي لم تحل حتى الآن..فإن انقطاعها التام في المرحلة الماضية أوقف الإنتاج، ولم تفلح "الكتب" المرسلة إلى المؤسسة العامة للصناعات النسيجية أن تحل المشكلة بأن توصل الكهرباء.
أما مسألة تأمين مولدات تكفي لتشغيل صالات المعمل والأنوال، فهي قضية خارج صلاحيات إدارة المعمل، وتحتاج إلى انتظار الخطة الاستثمارية لعام قادم لتقترح ويتم إقراراها..

هدر كبير..

المنطقة الصناعية التي تضم العديد من معامل القطاع العام أهمها الدبس والكابلات، لا تستثنى من تقنين الكهرباء، ويصل انقطاع الكهرباء بالحالة العادية في المعمل إلى 8 ساعات متواصلة في بعض الأحيان، وهي زمن وردية إنتاج من الورديات الثلاث التي تشغل المعمل 24 ساعة..يذكر أن الانقطاع الجزئي للكهرباء يسبب هدراً كبيراً، فمراجل البخار التي يجب أن تحافظ على درجة حرارة معينة في الصالة حتى لا ينقطع الخيط تحتاج إلى ساعة لتعود إلى مستوى عملها بعد  انقطاع التيار الكهربائي لفترات وجيزة..
المعمل النسيجي العام الذي يقوم بعمليات إنتاج متكاملة من النسيج إلى الصباغة والطباعة، لا يملك أن يأخذ قراراً سريعاً بتأمين مولدات كهربائية لتشغيل الآلات بلا هدر، ولا يحصل على استثناء من التقنين الكهربائي..!!

العمال: نقص أم فائض!!

دائماً تتضارب التصريحات بين الجهات التي تريد أن تشوه واقع القطاع العام الصناعي وبين الواقع الفعلي.. وقضية العمال تأتي بمقدمة التضارب فبينما يصر دعاة الخصخصة أن القطاع العام الصناعي مثقل بالعمالة الفائضة، تذكر المصادر والجهات النقابية في تقاريرها أن مشكلة المعامل هي نقص العمالة.. ففي تقرير عام 2012 لنقابات النسيجية كان عدد العمال الفعلي في عام 2011: 820 عاملا، بنقص 95 عاملاً عن الخطة، أما في العام الحالي فإن النقص أكبر من ذلك بكثير، ولم نأخذ رقماً دقيقاً إلا أن المعلومات تشير إلى أن نقص اليد العاملة على خطوط الإنتاج المباشرة هو ثاني أكبر المشاكل، ويشار إلى أن عمال الدبس والتقنيين فيه، استطاعوا صيانة أنوال سويسرية كانت صيانتها سابقاً تستدعي خبراء من الدول المصدرة، كما قاموا بتشغيل خطوط إنتاج "الجينز" على أنوال قديمة عمرها 44 سنة تقريباً..

الخسارة: تخسير..

تشير المصادر إلى أن الخسارة متوقعة في هذا العام مع العلم أن ظروف الأزمة لم تشكل عائقاً جدياً للمعمل، فلم يتوقف الإنتاج في أصعب الظروف الأمنية من جهة، ولم ينخفض الطلب على منتجات الشركة بل ازداد نتيجة استمرارها بالعمل مع توقف الكثير من الشركات الأخرى، وفي مقدمتها ست شركات نسيجية عامة في حلب، وشركة الفرات للغزل في دير الزور، والخماسية في منطقة القابون..
إلا أن الهدر الكبير الذي يسببه انقطاع الكهرباء ونقص العمالة، وتفاصيل أخرى من نوع تشغيل مولدات يومياً لمدة 14 ساعة ليلاً لأسباب أمنية وغير إنتاجية  تصرف من الديزل ما يعادل 200 ليتر في الساعة تحمل على مصاريف المعمل وتقدر سنوياً بحوالي 62 مليون ل.س.
يضاف إليها أحد أهم منتجات الشركة والذي يبقى مثاراً دائماً للجدل، وهو إنتاج أكياس الطحين القطنية لمصلحة القطاع العام، فاللجنة الاقتصادية التي تحدد سعر بيع كيس الطحين، لم تغيرها على الرغم من ارتفاع سعر الغزل وهي المادة الأولية التي تحسب على مصاريف المعمل، بينما دعم سعر الكيس يحسب أيضاً على كاهل المعمل، وليس على حساب جهات اقتصادية يجب أن تكون مسؤولة عن الدعم.. ورقم الخسارة هنا لا يمكن الاستهانة به، فإنتاج حوالي  11 مليون كيس طحين، مع خسارة في كل كيس 23-24 ل، لتبلغ مجمل الخسارة 253 – 264 مليون ل.س سنوياً..
أما الهدر الناتج عن ساعات التوقف الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي فلا بد أن المعمل قد احتسبه، ولكن التصريح ممنوع! بتعميم من وزارة الصناعة التي نستطيع أن نحملها مسؤولية هذا الهدر.. طالما أنها على علم أكيد به، أما إذا لم تسمع به بعد فعليها أن تلغي تعميمها لتصل معلومات المعامل التابعة لها إلى مسامع المسؤولين..