القروض المتعثرة.. أكبر من تسريبات (الجهات المختصة)

القروض المتعثرة.. أكبر من تسريبات (الجهات المختصة)

تتداول اليوم مسألة القروض المتعثرة وسط معلومات وتسريبات تقدمها "الجهات المختصة" لبعض الجهات الإعلامية حول أسماء من مجمل المقترضين الممتنعين عن السداد والبنوك التي مولتهم بالقروض..

المعلومات المذكورة لم تعلق عليها الحكومة، أو وسائل إعلامية رسمية ولم تنفي أو تؤكد صحة هذه الأسماء والبيانات.. بينما يكتفي رئيس مجلس الوزراء بتذكير الجهات المعنية بعملية إعادة الأموال المقترضة من قطاع الأعمال وهي ثلاث جهات رئيسية البنك المركزي، هيئة تخطيط الدولة ووزارة المالية.. بدأت اجتماعات البنك المركزي السوري مع مديري المصارف العامة والخاصة وهي الجهات المقرضة بطبيعة الحال لقطاع الأعمال أي الشركات التجارية والسياحية والصناعية المتعثرة وهي المسؤول الأول والأكبر عن التعثر.. وذلك في إطار مناقشة مشروع مرسوم مرتقب لآلية جدولة القروض وتسوية التزامات المتخلفين، ويبدو أن التسريبات تساعد في المفاوضات التي تجري لشكل إصدار عملية الجدولة والتسوية، بينما ينبغي ان تذهب "الشفافية" السورية إلى أبعد من ذلك بالكشف عن جميع المعلومات ومن مصادر رسمية والتسريع بالملاحقة القضائية لمن يمتنع عن السداد وتحصيل الأموال المقترضة وتحديداً من المصارف العامة..

توزع القروض المتعثرة

قاسيون حصلت في وقت سابق من العام الحالي على معلومات حول أرقام القروض المتعثرة وتوزعها بين المصارف العامة والخاصة..
مجمل القروض المتعثرة يبلغ 233,9 مليار ل.س حتى تاريخ 30-6-2013 موزعة وفق الشكل التالي:
14% مستحقة للمصارف العامة
86% مستحقة للمصارف الخاصة
• وصلت كتلة القروض المتعثرة لدى المصرف العقاري خلال عامي الأزمة إلى 7.8 مليار ليرة سورية بشكل تقريبي
• يبلغ حجم القروض المتعثرة عند المصرف التجاري السوري منذ تأسيسه في ستينيات القرن الماضي وحتى الآن نحو 12 مليار ليرة سورية
• حجم القروض المتعثرة على نحوٍ زمني تراكمي لدى المصرف الصناعي يقع في حدود 14 مليار ليرة
• نسبة القروض المتعثرة لدى المصارف السورية الخاصة لا تقل عن 10% من إجمالي قروضها.
المعلومات التي تقدمها الوسائل الإعلامية وتتداول اليوم لا تشير إلى كامل حجم القروض المتعثرة بل إلى جزء منها، وهي تدرج أسماء أكبر رجال الأعمال السوريين وقوى السوق الكبرى وهي الفئات التي تستطيع أن تقترض مثل هذه المبالغ،
من أين أتت القروض المتعثرة..؟
يصنف البنك المركزي في مذكرة رفعها في 12-8-2013 قطاع الأعمال المتعثر إلى قسمين الأول هو فئة المقترضين المتعثرين نتيجة توقف العديد من المنشآت عن العمل والظروف الأمنية وبالتالي توقف التدفق النقدي على نحو لا يمكن من سداد القروض المتعثرة، وهؤلاء يمكن أن تؤدي التسوية وإعادة الجدولة إلى منحهم فرصة للسداد.
أما الصنف الثاني فهو جزء هام من المقترضين ممن ليست لديهم الرغبة بالسداد رغم توفر القدرة على ذلك جزئياً أو كلياً، وهؤلاء موجود معظمهم خارج البلاد ومن الصعب التواصل معهم.. حالات عديدة من هؤلاء المقترضين حصلوا على قروض مرتفعة وتوقفوا عن السداد منذ عام 2011 وبعضهم قبل ذلك، كما أن جزءاً منهم لم يحافظ أو يسعى لاستمرار عمله في سورية بل سارع إلى إخراج منشآته وأمواله إلى خارج البلاد وبينما استمرت أعماله في الخارج ويمتنع عن سداد التزامات القروض المأخوذة من المصارف السورية العامة أو الخاصة بحسب مذكرة المركزي..

سببان غير عشوائيين للتعثر..

يصنف البنك المركزي الممتنعين عن القروض إلى صنفين ضحايا الأزمة من جهة، ومستغلين لها من جهة أخرى، وهذا صحيح ولكن على الرغم من أن تعثر القروض يعود بشكل كبير فعلياً لظروف الأزمة السورية، إلا أن خللاً في نظام الإقراض وأعرافه من جهة، وفي النظام النقدي من جهة أخرى هو الذي يسبب قدرة هؤلاء المقترضين على أخذ قروض بلا ضمانات جدية من جهة، وعلى الهروب بأموالهم ومراكمة أرباحهم في حسابات خارجية والخروج من البلاد في لحظة الأزمة من جهة أخرى..

ضمانات الإقراض في المصارف

وفق العرف المصرفي فإن أصحاب الملاءة المالية (أي المقتدرين مالياً وأصحاب النفوذ الاقتصادي) لا يطالبون بضمانات أو رهون على قروضهم الكبرى، وهذا ما يجعل موقف المصارف الخاصة تحديداً ضعيفاً في معركة تحصيل قروضها من عملائها المدللين وأصحاب النفوذ والملاءة المالية.. فقروض الشركات التجارية والصناعية والخدمية هي النسبة الأكبر مما تقرضه المصارف الخاصة، حيث ممكن أن تقدم ملايين الليرات السورية كقروض بناء على الملاءة المالية للمقترض، وهو ما يظهر في المعلومات التي تنشر اليوم حيث تعود القروض إلى كبار رجال الأعمال السوريين، أما قروض الأفراد لدى المصارف الخاصة فهي النسبة الأقل من إجمالي قروض المصارف الخاصة حيث تبلغ بالمتوسط 16% وذلك من دراسة أجريت لإجمالي إقراض 11 مصرفاً سورياً خاصاً في عام 2011، وتأخذ طابع محدد قروض مسكن وسيارات بشكل خاص، إلا أنها بأغلب الأحوال مشروطة برهون للعقار، او محصورة بالموظفين المسجلين بالتأمينات في القطاعين العام والخاص، والمنتسبين لنقابات المهندسين والصيادلة والأطباء.

القانون يجيز إخراج الأموال

أجازت سياسات التحرير النقدي أن يخرج أصحاب الأموال والأرباح أرباحهم من سورية وفق سياسة تحرير حركة الأموال، بعد أن كانت هذه العملية ممنوعة قانونياً وتتم بشكل غير شرعي، تم تشريعها قانوناً وفق التزام البنك المركزي بوصفه المسؤول عن وضع السياسة النقدية بسياسات التحرير النقدي حيث سمح ما ورد في الخطة الخمسية الحادية عشرة للسياسة النقدية حول ما يسمى بسياسة « التحرير التدريجي والمضبوط للحساب الرأسمالي من ميزان المدفوعات» بحرية تحويل إيداعات القطع والأموال إلى الخارج وهو ما ساهم في هروب جزء كبير من رؤوس الأموال إلى الخارج بلا قدرة على إيقافها، وهي كانت واحدة من الجوانب الرئيسية للسياسات الليبرالية الاقتصادية المطبقة في سورية.. بناء عليه فإن المقترضين من جملة رجال الأعمال العاملين في سورية يستطيعون إخراج أموالهم ووضعها في حسابات خارجية لا تستطيع الحكومة السورية أن تثبت وجودها، وبالتالي قدرتهم على السداد كما لا تستطيع أن تمارس سلطة تنفيذية عليها..

مليارات القروض المتعثرة ... ثمن سياسات الفوضى!

مسألة القروض المتعثرة هي نتيجة طبيعية لما يشبه "الانفلات" المالي والنقدي الناجم عن السياسات الليبرالية السابقة، فإقراض كبار قوى السوق السورية بمبالغ كبرى بلا ضمانات جدية سواء في المصارف العامة أو الخاصة، هو  تفريط  من البنوك وإداراتها بأموال عامة، وعندما يشمل جميع المصارف العاملة تقريباً فهو يعكس "سياسة تفريط عامة"!! أو عدم حرص، وهو نتيجة طبيعية لتغير بنية النظام المصرفي السوري الذي كان يقوم على مصارف عامة اختصاصية كل منها يرتبط بقطاع محدد ويعمل على تنميته، أي قطاع مصرفي قائم على فهم صحيح لدور هذا القطاع، وهو تجميع المدخرات والأموال المودعة للسوريين وتوظيفها في عمليات الإنتاج والتنمية توظيفاً موجهاً يتم عن طريق جهاز الدولة، وسواء نجح قطاعنا المصرفي العام بلعب هذا الدور أم انحرف عنه، إلا أن الانطلاق من هذه الفكرة يبقى مضموناً أكثر مما وصلنا إليه وهو تحويل القطاع المصرفي السوري مع دخول المصارف الخاصة والعالمية والاقليمية بقوة إلى السوق السورية.. تحويله إلى مركز لتجميع الأموال، وإقراضها بما يحقق الكسب السريع، أي لكبار قوى السوق التي تمتلك القدرة على سداد الأقساط والأزمات ومنها على ما يبدو لنقلها إلى الخارج الأمر الذي أمنه التشريع الذي يقول إن لقطاع الأعمال المستثمر في سورية إخراج أرباحه ورأس ماله كما يشاء، وهو أهم بنود سياسات التحرير النقدي التي يسنها النظام النقدي العالمي..
التسريبات التي تنشر اليوم في وسائل إعلامية محلية غير رسمية تشكل حتى الآن 10% من مجمل القروض المتعثرة التي تبلغ 233,9 مليار ل.س وبالتالي الأسماء المنشورة هي جزء يسير من أسماء كبار قطاع الأعمال المقترضين ومجملهم محليون، إعلان أسمائهم والمبالغ التي يمتنعون عن سدادها أمر إيجابي ويجب أن يستمر ولكن ميل التسريبات إلى "تقزيم" المشكلة وتحميلها لموظفين في المصارف العامة أو الخاصة  يدل أن النشر الهدف منه الضغط في سياق التسويات التي تتم اليوم مع المصرف المركزي والمصارف العاملة لإيجاد طريق لجدولة وتسوية هذه الديون، والهدف منها عدم الوصول إلى الملاحقة القضائية للمتعثرين.. بالقدر لانها بحسب مذكرة للبنك المركزي "غير مضمونة النتائج أو غير فعالة اللازم"..!