قراءة في موازنة تقشف 2014 : جانب الإنفاق

قراءة في موازنة تقشف 2014 : جانب الإنفاق

صدر مشروع الموازنة العامة لعام 2014 ولا يزال يناقش في مجلس الشعب  الذي يسجل متابعون أنه لم يستطع منذ وقت طويل أن يغير رقماً واحداً في قرار الموازنة الحكومي الصادر (بحزم).. !!..

 قراءة بيانات وأرقام الموازنة الحكومية لعام 2014 توصلنا إلى نتيجة واضحة بأنها موازنة تقشفية، تلغي أرقامها الكثير من المقولات التي لا تزال تردد في الموازنات الحكومية بحكم قوة العطالة !! كمقولة الأولوية في الأهداف لتطوير العملية الإنتاجية  والمحافظة على مستوى المعيشة..!! فانخفاض مجمل رقم الموازنة واعتماداتها وايراداتها المتوقعة عن العام السابق هو حدث فريد من نوعه.. حيث بلغت الزيادة الاسمية عن رقم موازنة العام السابق بمقدار  0,5% فقط ، وهي تلغى مع احتساب تراجع قيمة الليرة السورية بين العامين.
سنناقش جانباً واحداً من جوانب الموازنة وهو اعتمادات الإنفاق وتوزعها، ونحيل الإيرادات إلى بحث آخر..

الإنفاق الحكومي أقل بنسبة 100%

أعلنت الحكومة رقم الموازنة الإجمالي لعام 2014 البالغ  1390 مليار ل.س بزيادة 7 مليارات ل.س أي نسبة 0,5% عن موازنة عام 2013..
وعدا عن نسبة الارتفاع الاسمي الطفيفة التي تشير إلى ميل تقشفي، فإنه ما من ارتفاع حقيقي للإنفاق الحكومي في موازنة 2014 إذا ما عدلنا أرقام الموازنة بقيمتها الحقيقية التي تنخفض مع انخفاض قيمة الليرة السورية خلال عام 2013 الأصعب على الليرة السورية..
وسنستعرض الأرقام الرئيسية للموازنة السورية بعد تعديلها بمعيار قيمة الليرة:
سعر صرف الليرة مقابل الدولار في تشرين الثاني 2012 بلغ وسطي 75 ل.س/$، وبالتالي فإن سعر الصرف المرتفع إلى 150 ل.س/$ اليوم يعني أن كل ليرة سورية فقدت 100% من قيمتها خلال هذا العام فقط، وسنعتمد الفرق بين السعرين كمحصلة وسطية للتغيرات والانخفاضات الكبرى التي شهدتها الليرة السورية خلال عام 2013 والتي وصلت إلى خسارة 200% من قميتها بالمقارنة مع بداية 2013.

ضبط النفقات العامة .. على وقع ليبرالي صرف!

• انخفضت اعتمادات الصناعة التحويلية من 2 مليار ل.س في موازنة 2013، إلى 1,6 مليار ل.س فقط  في الموازنة الحالية، أي بانخفاض حقيقي 64%.. بينما يضع البيان أولوية تقول: (تفعيل الحركة الاقتصادية والاجتماعية وإعطاء الأولوية للقطاع الإنتاجي الزراعي والصناعي)..
• تم تخفيض حوالي مليار ل.س للصناعات التحويلية، وزيادتها في بند اعتمادات الإدارات الحكومية التي تحصل على 9 مليار ل.س في موازنة 2014 بزيادة 2 مليار عن عام 2013!!
• بينما بلغت نسبة الإنفاق على اعتمادات المجالس المحلية ومجالس المحافظات فقط وليس مجالس المدن والبلديات: 146 مليار ل.س..!!
بشأن هذا وذاك يقول البيان: «على الرغم من طلبات الجهات العامة لم تكن الزيادة كمية بل زيادة ناجمة عن ارتفاع الأسعار فقط وقد وضعت في أضيق الحدود لضمان حسن سير العمل في الجهات العامة بهدف ترشيد الإنفاق العام..!!»
ترشيد الإنفاق العام وفقاً لموازنة حكومتنا في عام 2014 ينطبق على الاعتمادات الجارية المتعلقة برفع مستوى المعيشة كالدعم الاجتماعي، وعلى الإنفاق الاستثماري المتعلق بالصناعة التحويلية، مقابل زيادة لبند المحافظات والإدارات الحكومية!!
تعتبر موازنة عام 2014 تطبيقا واضحا وصريحا لسياسات ما سمي: «تعبئة الموارد» التي تنصح بها الإسكوا دول النزاع، والتي نقلها لنا عراب الليبرالية الاقتصادية في سورية عبد الله الدردري.. حيث ينتظر ليبراليو سورية مرور الوقت لتتدفق موارد الاستمثار الخارجي كما تشير «الإسكوا»، ولحينها يقومون بضبط النفقات العامة على وقع تخفيض مستوى المعيشة وسحب آخر المكتسبات بذريعة الأزمة..

«تحت الأمر الواقع».. لا موارد لا إنفاق!!

الموازنة الحكومية لعام 2014 تقشفية بجدارة، ويدل على ذلك الانخفاض الحقيقي الكبير في قيمتها الإجمالية بحوالي 100%، أي أن قدرة الحكومة وطاقتها على تقديم الخدمات هي أقل بنسبة 100%، لا يشك أحد بأن تراجع الموارد الحكومية له أسبابه الحقيقية التي تكمن في تدهور الوضع الاقتصادي نتيجة تراجع الوضع الأمني واستمرار العنف، ومن الطبيعي أن تغير الحكومة من ترتيب إنفاقها في ظل الظروف الحالية الاستثنائية، لكن كان الأجدى هو أن تغير من سياسات تحصيل الموارد بشكل جذري، وأن لا تضع السوريين «تحت الأمر الواقع».. حيث أن الموارد يجب أن تحصل من ايرادات أصحاب الربح أي من يحصلون على جدوى فرق الأسعار، ومن ضاربوا على الليرة السورية، وهي قوى الفساد والسوق الكبرى قبل الأزمة وخلالها... وهذا موضوع لاحق.

تغيير في سياسة الإنفاق

إلا أن الحكومة السورية والقرار الاقتصادي –السياسي في سورية يضعنا «تحت الأمر الواقع» حيث لم يتغير وزن قوى الفساد والسوق ومصالحها في صياغة القرار ولا تزال المحدد..!! فالحكومة لم تبحث عن موارد نوعية كضرائب على الثروات أو تأميم قطاعات رابحة وسيادية، أو مصادرة أموال، أو تقييد احتكار التجار..إلخ، بل لجأت إلى تخفيض إنفاقها إلى حد بعيد، وتحديداً على الدعم الاجتماعي، وعلى القطاعات الإنتاجية..

رفع مستوى المعيشة.. بتخفيض الدعم

يلاحظ من يقرأ بيان الحكومة المالي وتحديداً أولوياته، بالمقارنة مع الأرقام مفارقات مستفزة.. وتحديداً في نطاق الدعم الاجتماعي والإنفاق الاستثماري، حيث تبلغ أشدها عندما يعلن أول هدف لتوزيع الاعتمادات وهو: (تحسين المستوى المعيشي وزيادة القدرة الشرائية للمواطنين من خلال تخفيض تكاليف الإنتاج والأسعار النهائية وتوفير السلع في الأسواق)
الذي يترجم فعلياً بتخفيض الدعم الاجتماعي بنسبة 40%، ليفقد أداته في تعويض فروقات الأجور التي تبلغ 31% تقريباً نتيجة انخفاض قيمة الليرة

تفصيلات الدعم الاجتماعي

دعم المشتقات النفطية    147 مليار ل.س    40 مليار ل.س
صندوق المعونة الاجتماعية     15 مليار ل.س    15 مليار ل.س
صندوق دعم الإنتاج الزراعي    10 مليار ل.س    10 مليار ل.س

يظهر من الجدول التالي أن الحكومة قد خفضت دعم المحروقات في موازنتها الجديدة بمقدار 72%.. وإذا ما احتسب بتعديل قيمة الليرة فإن الانخفاض يصل إلى نسبة تعلن الحكومة من خلالها أنها تلغي الدعم على المحروقات..
فبتعديل قيمة الليرة فإن الحكومة تخفض قيمة دعم المحروقات بمقدار 89% إلى مبلغ 266 مليون $، بعد أن كان في بدايات 2013 يقدر 1.9 مليار $..
ويجب أن نتساءل ألا يحق للسوريين أن يحصلوا على دعم للمحروقات يساوي على الأقل قيمة الوفورات التي حققتها الحكومة من رفع أسعار المحروقات!! حيث بلغ الوفر المحصل من رفع سعر ليتر البنزين الأخير إلى 100 ل.س حوالي 130 مليار ل.س.. عدا عن المواد الأخرى التي ارتفعت أسعارها بنسب فاقت 270% للفيول، ووصلت 200% بالنسبة لأسطوانات الغاز..
كل من صندوق المعونة الاجتماعية وصندوق دعم الإنتاج الزراعي ثابتان اسمياً ومنخفضات حقيقياً بمقدار وسطي 100% فرق قيمة الليرة..، فبقاء دعم الإنتاج الزراعي عند هذا المستوى يقابله ارتفاع أسعار الأسمدة خلال عام 2013 بمقدار 170%، وارتفاع تكلفة أغلب مستلزمات الإنتاج الزراعي بما يزيد عن 100%..، وثبات مخصصات صندوق المعونة الاجتماعية يعني أنه لا يستطيع أن يوسع من تعداد من تشملهم المعونة هذا من جهة، وستنخفض القيمة الحقيقية للمبالغ الزهيدة التي يوزعها الصندوق..!!