تعويض المودعين بالبنوك العامة.. استعادة قيمة «مدخرات العمر» بانتظار القرار

تعويض المودعين بالبنوك العامة.. استعادة قيمة «مدخرات العمر» بانتظار القرار

افتقد التصريح الوحيد للمصرف المركزي عن تعويض المودعين بالليرة السورية في البنوك العامة للوضوح والشفافية، حيث لم يذكر آلية التعويض بدقة ولا المستفيدين منه،

الإجراء إيجابي بآثاره المباشرة من حيث تعويض المودعين من السوريين الذين ادخروا «جنى عمرهم» بالليرات السورية في البنوك العامة ولم يسحبوها مع تراجع العملة السورية،  وبآثاره غير المباشرة من حيث أثير التعويض على زيادة الثقة بالعملة المحلية والتحفيز على الإيداع.. إيجابية الأثر تجعل الترقب والانتظار للإجراءات العملية والملموسة أكثر مرارة، حيث يتساءل الكثيرون عن مصير أموالهم وأرصدتهم بعد أن فقدت العملة السورية ما يقارب 200% من قيمتها، لتأتي هذه التصريحات كمحاكاة لتلك التساؤلات ولكنها لا تتعدى التلميح بتحمل الحكومة مسؤولياتها تجاه هؤلاء المودعين، إلا أن قيمة التعويض المطروحة لا يبدو أنها عادلة أو مساوية لحجم الخسارة، وبما لا يبتعد كثيراً عن التعويض الذي أذيع عن منحه لمن خسر منزله أو سيارته أو منشأته بسبب الأحداث ولم يتجاوز 30% في معظم الحالات.
وحسب التصريحات المتداولة في وسائل الإعلام، فإنه يتم دراسة تعويض المودعين الذين لم يقوموا بسحب أموالهم منذ بداية الأزمة، أو استبدالها بالقطع الأجنبي «دولار – يورو»، على ألا تتجاوز نسبة التعويض 40% في حال إقرارها.
وتم ربط قيمة التعويضات المزمع منحها بعاملين اثنين، أولهما نسبة التضخم التي تبين أنها تساوي 38%، والثاني قدرة الخزينة العامة للدولة على تحمل تلك التعويضات.
التقت قاسيون اقتصاديين مختصين لتسألهم عن رأيهم بموضوع تعويض الودائع في المصارف المحلية..

د.عابد فضلية: قرار هام يحتاج توضيحا لمعرفة من المستفيد ومن المستبعد!..
الدكتور عابد فضلية أكد أنه «لم يصدر أي جديد بخصوص الموضوع، ولم يتم الإعلان عن اتخاذ أي قرار أو إجراء تفصيلي، في الوقت الذي لم تتوضح فيه ماهية التعويض وطريقته، هل هي عبر زيادة 40% مثلاً على الوديعة، أو برفع نسبة الفائدة 40% كأن تصبح 14% بدل 10% ؟؟».
وأكد فضلية إن «مثل هكذا قرار هام وذو أثر اقتصادي نقدي ومالي واجتماعي لم يتم توضيحه أو متابعته فعلياً، فلا أحد متيقن من المقصود بالتعويض أو الهدف منه».
«بشكل عام كثير من الدول قامت في الأزمات بمثل هذا الإجراء لكن بشكل مختلف، حيث قيمت جزءا من الإيداعات، تم اختيارها بدراسة ودقة، بالقطع الأجنبي، ومنحتها فوائد مرتفعة مقابل بقائها في الإيداع لفترة زمنية محددة، ليتم تعويض الخسارة في حال تغير سعر الصرف عند سحب الإيداع في نهاية الفترة المتفق عليها، وهذا كفيل بالتشجيع على الإيداع في المستقبل وخلق الطمأنينة لدى الناس بعدم الخسارة».
من المستفيد ومن المستبعد؟
وتابع فضلية إن «تسريب الأخبار عن التعويض على لسان مصادر مصرفية لا يوحي بجدية التعامل مع الموضوع، الذي يتطلب الشفافية والوضوح، فالتعويض بأشكاله المختلفة ينتقل بالمواطن من اللا ثقة إلى الثقة بالعملة الوطنية، ويساعد المصارف على الإقراض بعد إيجاد آليات مناسبة لها، والإسراع بتطبيق التعويض أمر مطلوب بشكل ملح لكن وفق دراسة للواقع والسيولة وبناء على التوقعات بانتهاء الأزمة والتضخم».
وفيما يتعلق بمنح التعويضات للمودعين في فترة معنية، رفض الدكتور عابد هذه الطريقة قائلاً إننا «لا نؤيد أن يتخذ قرار ذو أثر رجعي، بل من الأفضل أن يتم تقييم الودائع الحالية والمستقبلية وضمان عدم سحبها وعدم فقدان قيمتها بنفس الوقت، بما يؤدي إلى سحب السيولة لمنع المضاربة وتخفيف حدة الاتجاه إلى شراء السلع المعمرة أو العقارات خوفاً من فقدان العملة لقيمتها، إضافة للتشجيع على الإيداع الجديد بما يوجد سبل للمصارف العاملة العامة للإقراض ضمن إجراءات وأطر ورؤى تضمن للمقترض فوائد مقبولة وللمقرض فوائد مجزية بوقت واحد».
ولفت فضلية إلى أن «المصارف غير قادرة على تحمل القرار، كما أن اختيار فئة معينة من المودعين يحمل الكثير من إشارات الاستفهام ويبرز إلى الواجهة أسئلة تتعلق بالموازنة بين أهمية الكتل المودعة الصغيرة والكبيرة ومن هم أصحاب كل منها؟؟».

د.قيس خضر: عدالة التعويض باستعادة الأموال قيمتها قبل الأزمة
وبدوره الدكتور الاقتصادي قيس خضر قال «ثمة بعض القوانين التي يتناولها المحللون الاقتصاديون والتي تربط بين تغيرات سعر الصرف من جهة وبين تغير أسعار الفائدة من جهة أخرى، فالتعادل بين هذين المتغيرين يقتضي أن تتم زيادة أسعار الفائدة بالنسبة نفسها التي انخفضت بها قيمة العملة المحلية من أجل البقاء عند مستوى توازني، وبالتالي إذا ما أريد الحديث عن تعويض عادل للمودعين في المصارف، فيجب زيادة أسعار الفائدة في سوريا بالنسبة نفسها التي انخفضت بها قيمة الليرة السورية، فإذا قلنا أن الليرة السورية قد انخفضت 4 أو 5 أضعاف فيجب زيادة أسعار الفائدة بنفس النسبة وبشكل آخر وأكثر مباشرة يمكن الحكم على مدى عدالة مثل هذا التعويض إذا تمكن المودع من شراء كمية الدولارات نفسها بالمبالغ التي يملكها مع التعويض ويجب أن تكون مساوية للكمية التي كان قادراً على شرائها عند بداية الأزمة أو قبيلها».
وأضاف الدكتور خضر إنه «مهما كان شكل التعويض يجب أن تعود قيمة المبالغ مساوية لقيمتها في السابق، ويجب تقويم الإيداعات بالدولار بين بدء الأزمة ونهايتها».
وأوضح خضر إن «التعويض بزيادة نسبة الفائدة أو بشكل آخر يعتبر علاجاً مؤقتاً وليس علاجاً جذرياً لأزمة السياسة النقدية، فسعر الصرف ليس ثابتاً ولا يوجد ما يؤكد أنه سيثبت، لكنه نوع من الإجراء لمنح المودعين ثقة بالليرة السورية، فالمودع سيرحب بأي مبلغ إضافي يمنح له كتعويض لأن الحصول على جزء من التعويض خير من عدم الحصول على شي».
بعيد عن «البنوك» بعيد عن «المسؤولية»
وبين إن «أساليب التعويض محصورة بين حدين، أولهما عدالة ما يستحقه المودعون من جهة، وثانيهما قدرة الحكومة على دفع الاستحقاقات من جهة ثانية، ولاسيما أن هناك بعدا اجتماعيا آخرا قد يثار لاحقاً حول حصول تعويض لبقية شرائح الفعاليات الاقتصادية»، منوها ًإلى أن «الهدف المخفي ما وراء الستار يتعلق بتعزيز الثقة بالليرة السورية، من خلال تشجيع الناس على الإيداع وإيصال رسالة بقوة الاقتصاد والدولة وعدم انهيار العملة المحلية».
وفيما يتعلق بتحديد تاريخ إيداع معين للمستحقين للتعويض، قال خضر إن «هذا الأسلوب سليم، فالدولة ليست مسؤولة عن الأموال الموجودة خارج مؤسساتها الحكومية، وبالتالي يبقى مصدر هذه الأموال التي تم إيداعها في وقت لاحق، والمشاريع التي كانت ضمنها مجهولة بالنسبة لها، أي أنها غير معنية بالخسارة اللاحقة بمن كان ماله بيده أو بأي مكان آخر، فتحديد الفترة الزمنية توضح بشكل جلي أي المبالغ النقدية تعرض لخسارة».

أسئلة مشروعة
إذا كان الهدف المباشر من عملية تعويض المودعين هو تعويض أصحاب المدخرات، والهدف البعيد المدى هو إعادة الموثوقية بعمليات الإيداع بالليرة السورية فلماذا لا تلجأ الحكومة إلى تعويض أكثر عدالة وأكثر جدوى اقتصادية برفع أسعار الفوائد على هذه الودائع بنسبة تتجاوز معدل التضخم بعد تحديده بشكل موضوعي بناء على تراجع قيمة الليرة، لتقوم الحكومة بتشغيل هذه الإيداعات في نشاطات اقتصادية قادرة على الاستمرار في ظروف الأزمة..
لتتركب حلول التعويض مع التشغيل وهي التي تستطيع فقط أن تحقق حافز حقيقي لعمليات الإيداع..