زيت الزيتون: فتح التصدير مكسب التجار.. وفرصة المنتجين والمستهلكين الضائعة

زيت الزيتون: فتح التصدير مكسب التجار.. وفرصة المنتجين والمستهلكين الضائعة

لم ينعكس قرارُ تصدير زيت الزيتون على منتجه إلا بالحدود الدنيا، لأنه تعرض لما وصفه بالمؤامرة على تعبه، فقرار التصدير لم يصل مسامعه إلا بعد فوات الأوان، وكان «يلي ضرب ضرب ويلي هرب هرب»،

فقد اشترى التجار أكثر من 50% من زيت الزيتون بسعر يتراوح بين 2200 ل.س وثلاثة ألاف للتنكة الواحدة، وهي أسعار لا تتجاوز تكلفة الإنتاج في بعض الأحيان، مستغلين حاجتهم لبيع ما تراكم من إنتاجهم على مدار السنوات الثلاث الماضية، إلا أن الجهات التنفيذية شاركت التاجر في مؤامرته، لأنها كلّفته بجمع الزيوت لتصديرها أولا، ولكونها لم تُطلع المنتجين عبر حملات إعلامية –على أقل الاعتبارات- بقرار تصدير زيت الزيتون، ولم تقم بفتح بوابات اتصال جدية بينها وبينهم مايؤدي إلى تحسين فرصة المنتج والدولة من إيرادات الصادرات، ليخدم هذا التكتم المشبوه التجار والمصدّرين بالدرجة الأولى!!..

قبيل موجة التصدير الحالية لزيت الزيتون، قرر الكثير من المنتجين تغيير زراعتهم، وهذا ما حصل فعلاً، متأثرين بعاملين اثنين، قلة الطلب على زيت الزيتون، والناتج عن توقف تصديره بعد عام 2009، وتراكم الانتاج في مخازنهم لثلاثة أعوام على التوالي، وانخفاض أسعاره إلى حدود لم تعد تكفي لاسترجاع التكاليف الأساسية التي وضعها المنتجون، مما وضعهم أمام خسائر محتملة، وفي هذه الأجواء أتت موجات الطلب الكبير على زيت الزيتون، وهذا ما دفع المنتجين إلى بيع أغلب ما لديهم من كميات بأبخس الأسعار، ولذلك افترض أنهم تعرضوا لمؤامرة كان التجار والجهات التنفيذية أبطالها..
نحن لا نقول بفكرة المؤامرة جزافاً، وإنما انطلاقاً من معطيين اثنين، الأول، هو تحليل الوقائع التي ذكرناها أعلاه، والثاني تجاهل المنتجين من الجهات التنفيذية، حيث أكدت لـ «قاسيون» بعض المصادر الخاصة، أنه، وفي محافظة طرطوس، تجاهلت المحافظة المنتجين، وعند إخبار محافظة طرطوس من وزارة الاقتصاد بضرورة جمع زيت الزيتون لتصديره إلى إيران بموجب اتفاقية التبادل التجاري بين البلدين، قررت المحافظة الاجتماع فقط مع عدد من التجار، وهم وحدهم من دعتهم للاجتماع، متجاهلة ضرورة وجود ممثلين عن الفلاحين أو مديرية الزراعة، لا بل إن «المحافظة» لم تبذل الحد الأدنى من الجهود لشراء الزيت من منتجيه مباشرة، متسترة خلف مقولة أن شروط العقد لا تسمح لهم بذلك..
أكثر من 100% أرباح المُصدّرين
في أيلول من عام 2011 بدأ الدولار بالارتفاع، وكان في حينه بحدود 53 ل.س في السوق السوداء، أما في الربع الأخير من عام 2012 فقد تراوح وسطي سعر الدولار بين 80 – 110 ل.س، إلا أن عملية جمع زيت الزيتون في عام 2012 كانت بسعر يتراوح بين 2200 – 2400 ل.س، وهذا ما أكدته البيانات الجمركية الصادرة عن مرفأ اللاذقية، والتي كشفت أن وسطي سعر تنكة زيت الزيتون المصدرة في عام 2012 كانت بحدود 2540 ل.س (158.75 ل.س للكيلو)، أي أن سعر الكيلو الواحد وفق أسعار الصرف الرائجة في السوق السوداء حينها كان يتراوح بين 1.45 – 2 دولار للكيلو الواحد، في الوقت الذي يباع فيه كيلو زيت الزيتون في دول الجوار وعالمياً بما يتراوح بين 3 – 4 دولار، أما بعد ارتفاع الدولار إلى 200 ل.س، فإن أسعار شراء الكيلو الواحد من زيت الزيتون من منتجه على هذا الأساس لم يتجاوز الدولار الواحد (3600 ل.س للتنكة الواحدة)، لتبنى أرباح التجار والمصدرين على أساس الاستفادة من فارق السعر على أساس الدولار، أي أن أرباح المنتج لم تتجاوز الـ 50% بينما أرباح التجار والمصدّرين وصلت إلى 200%..
 صعود الأسعار بنسبة 580%
قفزت أسعار زيت الزيتون بنسبة 580% خلال أقل من عام، ليكون شهرا أيار وحزيران من عام 2013 الأكثر سخونة في ارتفاع الأسعار، إلى أن وصل التجار والمصدّرون إلى مرحلة البحث «بالسراج والفتيلة» عن الزيت الذي بات شبه مفقود في الأسواق، وهو مما أدى إلى ارتفاع أسعاره، إلا أن الخلاف يبدأ عند السعي لتحديد هوية الجهة التي جرى التصدير إليها!. وبأية اساليب؟! فهل التصدير بالطرق النظامية وفق الاتفاقية الموقعة مع إيران هو من قفز بأسعار الزيوت؟! أم أن التهريب واستغلال ارتفاع أسعار الدولار -الذي تحسب على أساسه أسعار الزيوت في دول الجوار- هو ما ساهم في رفع أسعار الزيت؟! وهو منطق يرفض الاعتراف به كثيرون، إلا أن الأسواق الأردنية كفيلة وحدها بالرد على هذا المنطق، فالزيت السوري المهرب قد ملأ الأسواق الأردنية، والمنتجون والمستهلكون السوريون تضرروا حتى النخاع! وهنا لم نأتِ على ذكر ما تم تهريبه من زيت الزيتون إلى أسواق لبنان وتركيا وغيرها من الدول..
100% ارتفاع تكاليف الإنتاج
شكلت تكلفة إنتاج زيت الزيتون العقدة الأولى التي عاناها المنتجون في الأعوام القليلة الماضية، فتكلفة إنتاج  16 كيلو من زيت الزيتون وصلت إلى 1600 ل.س، وهي تتوزع بين أجور العمال (1200 ل.س)، بالإضافة إلى أجور الفلاحة، والسماد، وحصة معاصر الزيتون المقدرة بـ 8% من إجمالي الإنتاج، وهو ما لا يتناسب مع أسعار المبيع السابقة (2000 – 2200 ل.س)، أي أن تكلفة الإنتاج لم تكن تتناسب مع أسعار المبيع، وهامش الربح الباقي للمنتجين لم تتجاوز نسبته الـ40%، أما وفق الأسعار الجديدة المتوقعة للتكلفة في الموسم الحالي، فيقدرها بعض المنتجين بنحو 2500 ل.س للتنكة الواحدة، والاحتمال الأكبر أن تكون التكاليف أعلى من هذا الرقم بنسبة 25%..

وفرة في العرض: تهريب وتصدير..
قلة في العرض: احتكار محلي

وصلت أسعار «تنكة» زيت الزيتون في شهر حزيران إلى سعر يقترب من 12 ألف يشتريها التجار من المزارعين، وذلك بعد استجرار معظم الكميات السابقة بسعر يقترب من 2500-3000 ل.س، وهذه الكميات لا تتوجه اليوم للتصدير حيث سعر الشراء أعلى من سعر التصدير، وإنما تتوجه للبيع في السوق المحلية حيث يدفع المستهلكون اليوم في “تنكة» الزيت (16 كغ) حوالي 15 ألف ل.س، حيث رفعت حاجة السوق المحلية والندرة التي خلفتها عمليات التصدير الواسعة سعر الكغ محلياً إلى حدود 900 ل.س أي أكثر من سعر الكغ في الدول والأسواق المجاورة، فارتفعت أسعار كميات الزيت القليلة المتبقية في السوق ليربح منها التاجر ويخسر المستهلك، بينما كسب التجار من عمليات التهريب والتصدير في وقت وفرة العرض وخسر المنتج الذي باع بسعر منخفض..