باكستان على قائمة الاستهداف الأمريكي

خلال الأسبوع الماضي، استهدف إرهابيون مركبة تحمل عمالاً صينيين يعملون بموقع بناء سد داسو الكهربائي في ولاية خيبر بختنتوا شمال غرب باكستان، وذلك عبر تفجير انتحاري. لم تتبن أية جهة المسؤولية فيه، ونفت حركة طالبان باكستان صلتها بهذا الحدث.
تشير التقارير والدلائل الأولية إلى أن الجهة المسؤولة هي الحركة الانفصالية المسلحة في منطقة بلوشستان جنوب غربيّ البلاد، التي ارتفع نشاطها بعد الانتخابات الباكستانية الأخيرة، والتي ربما تكون ضالعة بشكل مباشر بالتفجير أو عبر التعاون مع جهات أخرى.
وبهذا الصدد، يشير العديد من المحللين الباكستانيين إلى وجود صلة وتعاون بين الانفصاليين البلوش وحركة طالبان الباكستانية، مستندين بذلك إلى جملة من الإشارات، منها: انضمام مجموعتين من الانفصاليين البلوش تسميان «مزار بلوش» و«أسلم بلوش» إلى حركة طالبان الباكستانية.
سواء أكان الانفصاليون البلوش أم حركة طالبان الباكستانية أم أي جهة أخرى تقف خلف الهجوم الأخير أو ما سبقه، إلا أن استهداف العمال الصينيين تحديداً – وهي ليست المرة الأولى – يشير بوضوحٍ إلى صاحب المصلحة بذلك وغاياته، فالصينيون يعملون بمجالات تطوير البنية التحتية في باكستان، وفي إطار مبادرة الحزام والطريق، ومثل هذه العمليات تهدف لعرقلة هذا التطوير وتأخير تنفيذ المبادرة عملياً. من جهة أخرى، تؤثر هذه التحركات الأمنية – وخاصة في جنوب غرب باكستان – بشكل سلبي على إيران الحدودية وأمنها القومي، بما قد يدفع الأخيرة للقيام بعمليات عسكرية جديدة في باكستان تؤدي بالمحصلة إلى توتير العلاقات بين البلدين. وبتركيب هذه المشاكل الأمنية مع التطورات السياسية الباكستانية فإنها تؤدي إلى توتير سياسي واجتماعي داخلي في البلاد، بما يشكل تحدياً بالنسبة لكل دول المنطقة وعلى رأسها روسيا والصين.
تأتي هذه التحركات والهجمات الإرهابية بالتوازي مع التحركات السياسية التي بدأتها واشنطن بتنحية رئيس الوزراء السابق عمران خان، وصولاً إلى الانتخابات الأخيرة التي تتهم بها الحكومة الباكستانية بقلة الشفافية و«الديمقراطية».
تمر باكستان الآن في مرحلة صعبة تشكل تحدياً كبيراً لها، حيث تنفذ واشنطن لعبة العصا والجزرة معها، فرغم التوترات السياسية والأمنية التي تقف وراءها واشنطن بشكلٍ واضح، نرى صندوق النقد الدولي يعلن عن وصوله لاتفاق مبدئي مع الحكومة الباكستانية للإفراج عن 1.1 مليار دولار، وهي آخر دفعة من حزمة الإنقاذ البالغة 3 مليارات دولار، وذلك من أجل تجنب تخلف باكستان عن سداد ديونها الخارجية، وما يترتب على ذلك من أزمة اقتصادية ضاغطة. أي إن المحاولات لتفجير الأوضاع في باكستان سياسياً واجتماعياً وأمنياً واقتصادياً هي عملية مستمرة ولم تتوقف حتى الآن.
استهداف العمال الصينيين لا يمكن أن يتحول بحد ذاته إلى معيقٍ بوجه النفوذ الصيني، ما يجعل فهم هذه العملية يحتاج لمزيد من التعمّق، فالهدف الأساسي يرتبط بالمحاولات الحثيثة لنسف العلاقات المتينة التي تنشأ بين دول آسيا الوسطى، ويمكن أن يكون الهدف الأبعد هو جر المنطقة إلى نزاعات داخلية وبينية، وهو ما يجري العمل على احتوائه لا من قبل روسيا والصين فحسب، بل من قبل دول المنطقة كاملةً، والتي أدركت منذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أنها جميعها في دائرة الاستهداف الأمريكي.