قمة أمريكية صينية: تهدئة قصيرة المدى
ملاذ سعد ملاذ سعد

قمة أمريكية صينية: تهدئة قصيرة المدى

عقد الرئيسان الصيني شي جين بينغ والأمريكي جو بايدن اجتماعاً لهما يوم الأربعاء 15 تشرين الثاني استمر لأربع ساعات في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ «أبيك»، وذلك بعد عدة خطوات وتحضيرات مهدت لهذا اللقاء، كان من آخرها زيارات متبادلة لوزراء خارجية البلدين في الفترة السابقة، وناقشا خلال الاجتماع العلاقات الثنائية، وجملة من الملفات الدولية من بينها أوكرانيا والشرق الأوسط.

بالإطار العام، لا يمكن القول: إن الاجتماع حقق خرقاً جدياً باتجاه تحسين العلاقات بين البلدين، وبالتالي لم يضع أساساً لحل الخلافات بينهما، سواء فيما يتعلق بالمسائل الثنائية أو الدولية، وجلّ ما يمكن استخلاصه أنّ الطرفين أبديا رغبة بتهدئة حدة التنافس الجاري بينهما في الفترة المقبلة، دون تحديد خطوات عملية فعلية لتحقيق ذلك بشكلٍ عملي. الأمور التي تم الإعلان عنها تتمثل بنقطتين: مساعٍ لاستئناف الحوار والتنسيق العسكري بين الجيشين الصيني والأمريكي، والحد من تدفق مادة «الفنتانيل» المستخدمة في صناعة المواد المخدرة من الصين إلى أمريكا عبر المكسيك... أما باقي مفردات الاجتماع وتصريحات الطرفين فيه وحوله تعبر عن جملة من المواقف والرسائل السياسية المتبادلة، وأكثرها حساسية مسألة تايوان.

التنسيق العسكري وعدم تحول المنافسة إلى صراع

أكد البيت الأبيض قبيل الاجتماع، على لسان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، أن «الرئيس ملتزم بالعمل على استعادة التواصل بين الجيشين، لأنه يعتقد أن هذا يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة [...] إنه يعتقد أن التواصل بين الجيشين ضروري لإدارة المنافسة بشكل مسؤول، وضمان عدم تحول المنافسة إلى نزاع»، وبدوره أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ استعداد بلاده للتعاون مع الولايات المتحدة بما يحقق المنفعة المشتركة.
وخلال اللقاء، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن التنافس بين البلدين لا يجب أن يؤدي إلى صراع، وتحدث «لا نحاول الانفصال عن الصين. ما نحاول القيام به هو تغيير العلاقة إلى الأفضل» معرباً عن أمله «العودة إلى مسار طبيعي من التواصل، أي القدرة على رفع سماعة الهاتف، وأن يتحدث كل طرف مع الآخر في حال وقوع أزمة»
وقال شي جين بينغ: «الصين والولايات المتحدة ليس لهما الحق في إدارة الظهر إحداهما للأخرى، ولا ينبغي أن تسلك المنافسة اتجاها تصعيديا».
واعتبر شي أن الاختلاف بين البلدين بمجالات التاريخ والثقافة ومسار التنمية والنظام الاجتماعي يعد حقيقة موضوعية، وقال: «طالما أن البلدين يحترم أحدهما الآخر ويتعايشان في سلام، ويتبعان مبادئ التعاون المربح للجانبين، فسيكونان قادرين تماماً على تجاوز الخلافات، وإيجاد الطريق الصحيح لتعايش الدولتين الكبريين [...] من غير الواقعي لجانب ما أن يعيد تشكيل نموذج الجانب الآخر، وإن الصراع والمواجهة لهما عواقب لا يمكن أن يتحملها كلا الجانبين» مشيراً إلى أن الأرض كبيرة لتستوعب كلاً من الصين والولايات المتحدة.
لم يصدر عن الاجتماع بيان رسمي مشترك، كما لم يعلن عن المضي بخطى عملية باتجاه عودة الاتصالات العسكرية بعد، إلا أن حديث الرئيسين بهذه النقطة يعني من جهة وجود مباحثات مسبقة لحل هذه المسألة، ومن جهة ثانية يفتح الاحتمال استكمالها بشكل رسمي بعد اللقاء.
من الممكن فهم مسألة عودة الاتصالات العسكرية بأنها محاولة لتقليص وتفادي مخاطر أي خلاف أو صدام عسكري في الفترة المقبلة، وبحال وقوعها وجود إمكانية لحل «الأزمات» كما صرح بايدن، وهي بالعموم خطوة تهدف لخفض التصعيد عسكرياً بين البلدين، وتصب في مصلحة كليهما على حد سواء، بطبيعة الحال في الوقت الحالي، إلا أنّ ما ينبغي الإشارة عليه وتأكيده، أن الأمريكيين مضوا بهذه الخطوة من موقع ضعف في اللحظة الراهنة وسط أزمتهم الاقتصادية والسياسية داخلياً، والغرق بالملفين الأوكراني والفلسطيني، بعد كل التصعيد السابق على بكين، وفي المقابل، فإن موقف بكين بهذا الأمر كان كما هو على الدوام. بالمعنى الاستراتيجي لا يمكن اعتبار أي مسعى لخفض التصعيد والحوار إلا بأنه يصب بمصلحة الصينيين وحدهم، فالأمريكيون يمضون من تراجع لتراجع أكبر بمرور الوقت، وتتعاظم الأزمات لديهم، ومع ذلك تتضاءل قدرتهم على منافسة الصينيين، أو عرقلة تطورهم، بينما يستمر الصينيون بالتقدم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً على المستويين المحلي والدولي.
واشنطن تطلب مساعدة بكين: الفنتانيل المخدر مشكلة بالداخل الأمريكي
أعلنت وكالة بلومبيرغ قبيل القمة، أن الرئيسين الصيني والأمريكي قد يتفقان على الحد من تدفق «الفنتانيل» المخدر الذي يجري تصنيعه في المكسيك، بموجب اتفاق يجري إعداده، وذكرت الوكالة أنه يتضمن ملاحقة «الصين شركات الكيماويات لوقف تدفق المواد الأولية التي تستخدم لتصنيع الفنتانيل من قبل العصابات المكسيكية» وفي المقابل «سترفع إدارة بايدن القيود المفروضة على معهد علوم الطب الشرعي التابع لوزارة الأمن في الصين» وذكرت الخارجية الصينية، أن بكين مستعدة للقيام بإجراءات لمكافحة تهريب المخدرات مع الولايات المتحدة.
بعد الاجتماع، أعلنت واشنطن إزالة معهد الأبحاث الصيني من لائحة العقوبات، وصرح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر «اتضح لنا في محادثاتنا مع الصين.. أن إبقاء المعهد في هذه اللائحة يشكل عائقاً أمام التعاون لوقف التهريب».
باتت المخدرات مشكلة ذات وزن اجتماعي أكبر داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما يهم النخبة السياسية الأمريكية بهذا الأمر، هو تأثيره على الناخبين الأمريكيين، وفي كل دورة انتخابية رئاسية أمريكية يجري فتح هذه الملف قبل عام أو اثنين، والحديث عنه بشكل أوسع، والقيام بإجراءات تتعلق به لحصد أصوات ناخبين، وتأتي هذه النقطة بالإطار العام نفسه الآن، قبيل انتخابات 2024 المقبلة، أي أنها نقطة لصالح إدارة بايدن الحالية وللديمقراطيين من خلفه، أما بالنسبة لبكين فإنها بمثابة خطوة لتطوير التعاون مع الولايات المتحدة ككل وليست هدفاً بعينه، وبمقابلها من جهة ثانية، تم التراجع عن حزمة عقوبات أمريكية على المعهد.

تايوان والعملية الانتخابية

أعلنت الخارجية الصينية ببيان لها: أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قال لنظيره الأمريكي: إنه «يتعين على الجانب الأمريكي أن يكف عن تسليح تايوان، وأن يدعم إعادة توحيد الصين سلمياً» مضيفاً: أن «الصين ستحقق إعادة التوحيد، هذا أمر حتمي»، وفي المقابل، ذكرت وسائل إعلام مختلفة، أن بايدن طالب الصينيين بـ «احترام العملية الانتخابية في تايوان»، وبعد الاجتماع قالت مديرة شؤون الصين وتايوان في مجلس الأمن القومي الأمريكي سارة بيران بمؤتمر صحفي: «نقول بوضوح مطلق مجدداً: إن موقفنا الطويل الأمد يتمثل في أننا لا نؤيد استقلال تايوان، وفي أنه من المهم الحفاظ على السلام والاستقرار والوضع الراهن على جانبي المضيق [...] ولذلك نفهم بشكل واضح، أن سياستنا لم تتغير، ونحن سنواصل التركيز عليها مع اقتراب الفترة الصعبة المتعلقة بالانتخابات في تايوان».
يرتبط الخلاف الأمريكي- الصيني بجملة من المسائل الأساسية التي لا يمكن القفز فوقها، فالولايات المتحدة ترى أن تقييد الصين وإعاقة حركتها باتت مسألة بالغة الأهمية، وترى فيها خط الدفاع الأخير بوجه النمو الصيني المتسارع، وبالمقابل تصر الصين أنها لا تهدف إلى تجاوز الولايات المتحدة، لكنها مع ذلك تتمسك بحقها في التطور، ما يعني أن «حل الخلاف» بين البلدين مرهون بقبول الولايات المتحدة للواقع الدولي الجديد، ولا يمكن لأي إجراءات ثانوية أخرى أن تسهم بحل هذا التناقض بشكلٍ جذري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1149