هل تنفع الكيان رسائل تضامن داعميه الفارغة؟

هل تنفع الكيان رسائل تضامن داعميه الفارغة؟

لا يُظهرُ المشهدُ في داخل الكيان الصهيوني أيَّةَ بوادر لحلول أو تهدئة، فالأزمة السياسية مستمرة، وتعبّرُ عنها أحداث جديدة يومياً، ومن جانبٍ آخر، وبرغم رسائل التضامن التي تلقاها الكيان من داعميه في ذكرى تأسيسه الـ 75 إلا أن وضعه على الساحة الدولية يصبح أصعب، وتشهد على ذلك، جلسة مجلس الأمن الأخيرة التي انسحب منها وفد الكيان محتجاً.

واكبت «قاسيون» في عددٍ من مقالات سابقة، تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأكدت ألّا آفاق لحلٍ مستدامٍ للأزمة العميقة التي يعيشها الكيان، فأسبابها المركبة والعميقة حاضرة بقوة، وتفعل فعلها على مدار الساعة، إلى تلك الدرجة التي يبدو فيها الانقسام السياسي الداخلي غير المسبوق، مشكلة بسيطة، إذا ما جرت مقارنته بتلك المشاكل الكبرى القابعة خلف حدود كيان الاحتلال، ولها تأثيرات حاسمة على مستقبله.

المظاهرات تشهد زخماً جديداً

لم يكن من الصعب القول: إن إجراءات نتنياهو وقراره تأجيل طرح خطة التعديلات القضائية لن تكون سوى عامل تهدئة مؤقت، بالنسبة لقوى المعارضة، التي نظّمت احتجاجات بشكل مستمر منذ أشهر. إذ بدأ الزخم يتصاعد مجدداً- بالرغْم أنه لم ينقطع أبداً- وتحديداً، مع عشية بدء الدورة التشريعية الصيفية في الكنيست، وبشكل متزامن مع الذكرى الـ 75 لقيام الكيان الصهيوني. ونظّمت في المقابل قوى اليمين تحركات داعمة لخطة نتنياهو القضائية، استطاعت خلالها حشد الآلاف من المتظاهرين في الساحات. لكن زخم مظاهرات المعارضة ظلّ صاحب التأثير الأكبر في المشهد. فخرجت مساء السبت 29 نيسان الجاري أعداد كبيرة في عدد من مناطق الكيان، تركّزت في تل أبيب، وجاءت حسب منظميها بوصفها رداً على مظاهرات المؤيدين التي خرجت مساء الخميس 27 نيسان. رفع خلالها المحتجون شعارات مناهضة للحكومة، ورافضة لخطة التعديل القضائي، لتكون الاحتجاجات بذلك قد دخلت أسبوعها 16.

رسائل غربية

بالتزامن مع هذه الأحداث، وجّه الرئيس الأمريكي جو بايدن رسالة بمناسبة ذكرى الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني، وذكّر بايدن أنّ واشنطن كانت من «أوائل أصدقاء وحلفاء إسرائيل» ولم يخجل من القول: إن «أمريكا وإسرائيل عملتا معاً لخلق شرقٍ أوسطٍ أكثر ازدهاراً وسلماً وتكاملاً» متجاهلاً أن «الشرق الأوسط» تحمّل منذ قيام الكيان، كل أشكال العدوانية والحروب التوسعية المستمرة، التي أدت إلى سلسلة من المعارك والمواجهات لم تتوقف طوال 75 عاماً، وإذا ما أضفنا نشاط الولايات المتحدة إلى سلسلة حروب الكيان خلال هذه المدّة، لظهر بوضوح حجم التكامل فعلاً بين «الصديقين» إذ أسهما- بما لا يحمل الشك- بالنسبة الأكبر من حالة الاضطراب وعدم الاستقرار، لا في الشرق الأوسط فحسب، بل في العالم. لم ينس بايدن بالطبع تذكير قادة الكيان بموقفه من الاضطرابات الداخلية، فأكد أن بلاده «تدرك أن مرونة الديمقراطية الإسرائيلية، هي حجر الأساس لعلاقتنا القوية والخاصة» ونوّه إلى استمرار مساعيه لتطبيع علاقات الكيان بدول المنطقة، متجاهلاً أن المناخ العام بدأ ينعكس في اتجاهٍ آخر تماماً.
كما هو متوقّع، وجّهت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، رسالة صداقة إلى «إسرائيل» رددت أكاذيب متشابهة مع ما ورد في الرسالة الأمريكية، إذ قالت: «نحتفل اليوم بمرور 75 عاما على الديمقراطية النابضة بالحياة في قلب الشرق الأوسط خمسة وسبعون عاماً من الديناميكية والإبداع والابتكار الرائد».

خطوة روسية في مجلس الأمن

لم تكن كلمات واشنطن والمفوضية الأوروبية الفارغة كافية لمعادلة الخطوة الروسية في مجلس الأمن، التي تحمل في باطنها معنىً سياسياً مهماً. ففي جلسة مجلس الأمن المنعقدة في الثلاثاء 25 التي ترأسها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اعترض الوفد الصهيوني على إدراج بحث القضية الفلسطينية ضمن جدول أعمال الجلسة، وغادر القاعة محتجاً، ليعلن بعدها وزير الخارجية الروسي، أن جدول الأعمال الذي اعترض عليه الوفد الصهيوني «تمت صياغته منذ عقود ولا جديد فيه» مؤكداً: أن القضية الفلسطينية ورغم إدراجها منذ زمن، لم يتم حلها من قبل أحد، ولا بأي شكل. وأشار لافروف إلى أن واشنطن والاتحاد الأوروبي «يواصلان محاولاتهما الهدّامة لاستبدال الحل الحقيقي بأنصاف حلول اقتصادية، والترويج للتطبيع العربي الإسرائيلي، ملتفين على الحل العادل للقضية الفلسطينية، ومبادرة السلام العربية». ثم ذكّر أن: «واشنطن تقّدم نفسها الراعي الوحيد للتسوية في الشرق الأوسط، ولا تخجل من حقيقة أنها فقدت منذ أمد الحياد والنزاهة، اللذين لا غنى عنهما لأي وسيط موثوق، ولاسيما بعد قرارات إدارة دونالد ترامب، التي لم تلغها إدارة جو بايدن، وتتعارض بشكل مباشر مع قرارات مجلس الأمن الدولي».

دوافع التصريحات الروسية

يحاول البعض حصر المسألة بكونها «رد فعل روسي على موقف الكيان مما يجري في أوكرانيا» لكن جوانب أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار قبل فهم الخطوة الروسية. ففي البداية لا شك بأن الموقف الصهيوني من أوكرانيا أثر سلباً على العلاقات مع روسيا، لكن هذا الموقف لم يخرج بطبيعة الحال عن إطار واشنطن، وأي مدرك لتاريخ الكيان ينبغي عليه الإقرار، بأن الكيان يقف في مكانه الطبيعي، ولا يمكن له أن يكون في موقع الحياد في أية مواجهة يكون الغرب وواشنطن طرفاً فيها. وهو ما كان واضحاً في موسكو التي كانت منخرطة تاريخياً في القضية الفلسطينية منذ نشأتها حتى اليوم.
الخطوة الروسية في مجلس الأمن، تبدو منسجمة مع مساعي دول الشرق لأخذ زمام المبادرة في حل القضايا العالقة، والقضية الفلسطينية تأخذ الاهتمام الأكبر دون شك، نظراً لتأثيرها الكبير على شكل المنطقة ومستويات التوتر فيها، ما يتعارض مع مصالح دول كبرى، مثل: روسيا والصين، وقوى إقليمية محورية في المنطقة، مثل: تركيا والسعودية وإيران، التي تحمّلت بشكلٍ أو بآخر تبعات استعصاء حل القضية كل هذه العقود. وفي الوقت الذي تسعى روسيا إلى إعادة إحياء عمل «اللجنة الرباعية للشرق الأوسط» التي تضم كلاً من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، تعلن موسكو صراحةً أن نهجاً جديداً ينبغي أن يحكم عمل هذه اللجنة، وهو الاتجاه الذي دعمه سيرغي لافروف في جلسة مجلس الأمن المذكورة، حين قال: إن اللجنة الرباعية «وقعت ضحية ممارسات واشنطن والاتحاد الأوروبي».

أعلن الرئيس الصهيوني إسحاق هرتسوغ عن خطط لإنشاء ما أسماه «المجلس العالمي للحوار اليهودي» الذي ينبغي أن يردم الهوة بين «إسرائيل والمجتمعات اليهودية في الشتات» الذي يرى هرتسوغ أنهما يزدادان بعداً عن بعضهما البعض. وتأتي هذه الخطوة كاستجابة لحالة بدأ الكيان يرصدها، وهي أن دعم اليهود المناصرين للصهيونية في الخارج بدأ ينخفض، تحديداً في واشنطن، وبين أوساط سياسيين مؤثرين في القرار الأمريكي، وفي الوقت الذي تؤكد الوقائع هذا الانخفاض، يخطئ سياسيو الكيان في وصفة الحل. فالصهيونية لم تعد قادرة على تأدية الدور الذي خُلقت لأجله، ولذلك لم يعد عائد «الاستثمار السياسي» فيها كما كان في السابق، هذا لا يعني بالطبع أن الكيان لم يعد نافعاً للمركز الغربي، بل القصد، أن قائمة الأولويات الغربية تختلف. في الوقت الذي ترى الكتلة الشرقية أن إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، لم يعد يحتمل تأخيراً أكبر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1120
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 21:49