فرنسا تتابع عقلية المستعمر في الجزائر والأخيرة تناور
ملاذ سعد ملاذ سعد

فرنسا تتابع عقلية المستعمر في الجزائر والأخيرة تناور

بعد أزمة تشرين الأول الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا إثر التصريحات الاستفزازية للأخيرة المتعلقة بالاستعمار والتاريخ الجزائري، وما تخلل الأزمة من تأزم بالعلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية، بدأت تعود الأمور لطبيعتها تدريجياً بتراجع فرنسي، وبالتوازي مع ذلك تمضي الجزائر على المستوى الدولي بالتوجه شرقاً بعلاقاتها مع كل من الصين وروسيا، وتلعب دوراً فاعلاً في المسائل الإقليمية.

فرنسا تتمنى تغيير الموقف الجزائري الشعبي

أقدمت فرنسا على استفزاز جديد، حيث قام مجلس الشيوخ الفرنسي بالمصادقة بالإجماع على قراءة أولى لنص مشروع قانون يطلب الاعتذار من الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي قبل أن تتخلى عنهم بعد حرب التحرير بين 1954 و1962، وكان الهدف من القرار فيما يبدو، هو ما جاء ضمن القانون بتقديم مبلغ مالي بتكلفة إجمالية قدرها 302 مليون يورو على مدى 6 سنوات، ويقدر عدد المستفيدين منه بخمسين ألف شخص.
من غير المعروف هوية هؤلاء الأشخاص المستفيدين اليوم، ولكنها محاولة فرنسية لاستمالة بعض الجزائرين في محاولة بائسة لتغيير الموقف الشعبي الرافض للاستعمار، وهو ما يمكن أن نراه في مسألة أخرى ضمن السعي الفرنسي المحموم لمحو التاريخ، وهي إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن حادثة إطلاق النار في شارع إيسلي في العاصمة الجزائر خلال شهر آذار من عام 1962 حيث قتل العشرات من الفرنسيين الجزائريين «لا تغتفر بالنسبة للجمهورية»، كما تطرق إلى مجزرة 5 تموز 1962 في وهران، والتي ذهب ضحيتها أيضاً جزائريون فرنسيون قائلاً: إن بلاده «تعترف بهذه المأساة»، متجاهلاً تاريخ فرنسا المليء بهذه الحوادث.
كما أعلن المعهد السمعي البصري الوطني الفرنسي أنه سينشر وثائق تاريخية وشهادات متعلقة بالثورة الجزائرية بعد توجيه من الرئيس الفرنسي ماكرون، وتتشكل الوثائق من 180 ساعة من المقابلات مع المدنيين والعسكريين من كلا الجانبين بمناسبة الذكرى الـ 60 لتوقيع اتفاقية إيفيان وانتهاء الحرب، ويسعى المعهد بذلك لـ «لوصول إلى مجموعة متنوعة من الجماهير والأجيال»، أي وبكلمة أخرى: كتابة تاريخ الاستعمار الفرنسي وفق وجهة نظر الأخير.
لكن وفي إطار العلاقات الثنائية تلقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مكالمة هاتفية من ماكرون، بحثا خلالها انعقاد اللجنة القطاعية العليا المشتركة بين الحكومتين، كما دعا ماكرون تبون لحضور القمة الإفريقية- الأوروبية، وعقدت في 30 و31 كانون الثاني بالعاصمة الجزائر الدورة السابعة للمشاورات السياسية الجزائرية- الفرنسية على مستوى الأمناء العامين لوزراء الخارجية، وبحثا الشراكة الثنائية والمسائل الإقليمية والدولية، وكان قد أشار وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة على هامش قمة الاتحاد الإفريقي يوم السبت، أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تتخذ منحى إيجابياً على العموم، وقال: «نحن حساسون جدا عندما يتعلق الأمر بأمن وكرامة مواطنينا في الأراضي الفرنسية، هناك مشاكل يمكن تجاوزها، لكن حين يتم المساس بذاكرة شعب وتاريخه أو كرامة الشعب الجزائري أو مواطنيه المقيمين أو عندما يسافرون إلى فرنسا فإن هذه المواضيع تشكل عرقلة في العلاقات الثنائية، لكن لنقل إننا في منحى تصاعدي، ونتمنى أن نسير نحو الأفضل» وحول إعادة السماح لتحليق الطيران العسكري الفرنسي فوق الأجواء الجزائرية قال لعمامرة: أن ذلك «كان إجراء تقنياً ولا يدوم إلى الأبد».

بين الغرب والشرق..
الوقائع العملية توضح

بالاستفادة من الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، مما هدد بتقليص العلاقات بينهما لصالح الميل بالتوجه شرقاً بتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعيين السفيرة الجديدة لها في البلاد إليزابيث مور أويين، والتي أعلنت قبيل استلامها مهامها «سيكون هدفي تعزيز العلاقات الثنائية القوية بين بلدينا وشعبينا. سواء كان ذلك بمساعدة الشركات الأمريكية على الاستثمار في تنويع الاقتصاد الجزائري، أو توفير المزيد من فرص تعلم اللغة الإنجليزية للشباب الجزائري» وصدر لاحقاً بيان من السفارة الأمريكية في الجزائر جاء فيه «تعزيز التعاون الأمني والاستقرار الإقليمي، وتوسيع نطاق التبادل التجاري والاستثمار بين الولايات المتحدة والجزائر، وتعميق العلاقات الثقافية بين البلدين سيكون من أهم أولويات السفيرة أوبين».
وكان قد التقى قائد القوات البحرية الجزائرية اللواء محفوظ بن مداح مع قائد القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا ستيفن تاونسند، ناقشا خلال اللقاء عدة ملفات أمنية، وسبل تطوير التعاون بمختلف المجالات ذات الصلة في إفريقيا ومنطقة الساحل.
لكن بالتوازي مع هذه اللقاءات والمناقشات، أعلن موقع «ديفنس اكسبرس» المختص بالشؤون العسكرية عن خطوات عملية بين الجزائر والصين، حيث باعت الأخيرة للجزائر 5 طائرات بلا طيار مسلحة بصواريخ وقنابل موجهة من طراز CH-5 مشيرةً إلى وجود 5 أخرى من طراز CH-4 بيعت في عام 2018، وأعلن موقع «مينا ديفونس» أيضاً: أن القوات الجوية الجزائرية ستتلقى 4 طائرات مسيرة ثقيلة من طراز Wing Loong 2 من الصين، ويذكر أن هذا يتوازى مع شراء الجزائر لمنظومة الدفاع الجوي الروسي إس-400، فضلاً عن أنها محتملة لتلقي إس-500 أيضاً وفقاً لمجلة «ميليتري واتش».
وعلى المستوى الاقتصادي، أعلنت شركة «سوناطراك» الجزائرية أنها «تعمل بالتعاون الوثيق مع غازبروم [الروسية] على التطوير الفعال لموارد الغاز المكتشفة على مستوى حقول غرد السايح وغرد السايح شمال (رقعة حقل العسل)، وهذا من خلال إنجاز عمليات تنقيب لـ 24 بئراً جديدة، بالإضافة إلى إنجاز وحدة معالجة لإنتاج الغاز الطبيعي، وكذا المكثفات، وغاز البترول المسال التي سيتم نقله عبر شبكة خطوط النقل الحالية لسوناطراك. حيث من المترقب دخول هذا المشروع حيز الإنتاج خلال سنة 2025»
وبالاستناد إلى هذه المعطيات الأخيرة المذكورة وحدها، فضلاً عن كل ما هو غيرها بالتوجه شرقاً، يمكن فهم كلّ من المساعي الفرنسية لدعم أتباعها من اليمين، والأمريكية بمحاولاتها على التأثير في الداخل الجزائري وتأزيمه سواء بالشكل المباشر أو عبر أداتها الصهيونية، والتي باتت مرتبطة مع المغرب، خاصة وأنه لم يتأزم أو تجرّ به أزمة مسلحة على غرار ما جرى في ليبيا واليمن وسورية... وما لم ينجح في أوج توترات المنطقة وقوة الغربيين، لن ينجح الآن بعد تراجعهم وإعلاء أصوات الحلول السياسية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1056