الصين ستنتصر قريباً في المعركة ضد الفقر!
يوسف داود يوسف داود

الصين ستنتصر قريباً في المعركة ضد الفقر!

اقتربت الصين من تحقيق النصر في معركة القضاء على الفقر التي بدأتها في 2012 لتكون من أوائل الدول في العالم تحقق أهداف الأمم المتحدة الإنمائية، ولتصبح التجربة الصينية أكثر الأمثلة واقعية وقابلية للتطبيق في محاربة الفقر.

خطط متتابعة

منذ بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 كانت الصين كلها، وخاصة المناطق الريفية منها، تعيش في حالة فقر، وقد وضع الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية مكافحة الفقر في قمة الأولويات. ومع تحسن البنية التحتية والتعليم والخدمات الصحية الأساسية في المناطق الريفية، ومع إنشاء نظام الضمان الاجتماعي على أساس الاقتصاد الاجتماعي الريفي في ذلك الوقت، شهدت المناطق الريفية تحسناً ملحوظاً في التخفيف من حدة الفقر.

منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين، تم تنفيذ العديد من البرامج للحد من الفقر، فطبقت على التوالي خطة رفع الفقر عن ثمانين مليون شخص من السكان من سكان الريف (1994-2000) وبرنامج مكافحة الفقر في المناطق الريفية (2001-2010) و (2011-2020)، وفي عام 2012 طرح المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني هدف إنجاز بناء مجمع الحياة الرغيدة على نحو شامل بحلول 2020.

انخفض عدد الفقراء في الصين من 878 مليون في عام 1981 الى 25.11 مليون في نهاية 2013 وهم يمثلون أكثر من 70% من إجمالي عدد الفقراء في العالم الذين تخلصوا من الفقر. وحققت الصين بذلك معدلات مرتفعة جداً لانخفاض الفقر، فانخفض معدل الفقر من 88.3% في 1981 إلى 1.9% في العام ،2013 أي: بنسبة انخفاض تراكمية وصلت إلى 86.4%.

خطة «2011-2020»

منذ المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، حشدت الصين كل قوى الحزب والدولة والمجتمع لمكافحة الفقر، وحققت نتائج ملحوظة، حيث تخلص 16.5 مليون شخص في المناطق الريفية الصينية من الفقر في عام 2013 و12.32 مليون شخص في 2014 و14.42 و12.4 و12.89 مليون شخص على التوالي في أعوام 2015 و2016 و2017 على التوالي، أي: إنه تم تخليص أكثر من 10 ملايين من القرويين من الفقر سنوياً ووصلت نسبة الفقر في 17 مقاطعة إلى أقل من 3%.

مشاريع متعددة

اعتمدت الحكومة المركزية في الصين وسائل مختلفة في مكافحة الفقر عن طريق تحليل الميزات المحلية النوعية لكل مقاطعة، بالإضافة إلى حاجات السكان وقدراتهم،
فمن مشاريع تنمية الزراعة إلى تطوير الصناعة المحلية، وحتى المشاريع الضخمة، تنوعت المشاريع بين مشاريع المجتمع المحلي والحكومات المحلية والحكومة المركزية، لتوفير فرص العمل للقرى والحد من الفقر. وفي منطقة شينجيانغ ساعدت لجنة القرية والوحدة البيطرية أهالي إحدى القرى في تربية الإبل، لتحسين دخلهم عن طريق بيع حليبها وجلودها، وتم إنشاء جمعية تعاونية واسعة النطاق لتربية الماشية من إبل وماعز.

في قرى أخرى من شينجيانغ، نظم فريق عمل مقيم في القرى وتابع لمكتب الضرائب المحلي تدريبات على طرق الزراعة، والتخلص من الآفات، لتوسيع المساحات المزروعة في القرى ومضاعفة إنتاجية المزروعات، والتحول من الزراعة التقليدية إلى الزراعة العلمية. أما قرى أخرى فقد طورت مشروعاً لزراعة الفطر الأسود في التربة المالحة غير الصالحة للزراعة، بدعم من فرقة عمل حكومية، بالإضافة إلى تدريبات للطهي وصناعة المعجنات.

في منطقة خبي شمالي الصين، قام فريق عمل حكومي بافتتاح متجر بيع تجزئة يعتمد بطاقات عضوية تمنح حاملها سلعاً مقابل أعمال تطوعية يقوم بها القرويون، كالعناية بالمرافق العامة والوقاية من الحرائق، بالإضافة إلى عقد لقاءات لتبادل الخبرات والمساعدة في الحصول على قروض صغيرة.

أما في هاينان جنوبي الصين، فقد عاد الشباب إلى القرية- بعد أن هاجروا إلى المدن للبحث عن عمل– لإنشاء مشاريع تربية الطيور والدواجن والاستفادة من التسهيلات الحكومية عن طريق القروض المعفاة من الفوائد، وتم إنشاء شركات محلية جماعية يساهم القرويين فيها، ويتقاسمون الأرباح. وفي منغوليا، ساعدت التجارة الإلكترونية القرويين على الترويج وبيع منتجات الحبوب في مختلف مناطق البلاد. وفي فوجيان تم تطوير مشاريع سياحية لتتحول القرى إلى قرى نموذجية تؤمن فرص العمل لأهالي القرى، بمساعدة الفرق الحزبية في كل قرية، وتمويل بناء المستشفيات والمدارس.

أما في جبال وولينغ، فقد تم إنشاء جمعية تعاونية لتربية الدجاج في الغابات، وساعدت الحكومة المركزية في شحن المنتجات إلى شنغهاي القريبة مباشرةً.
في هضبة التبت، إحدى أكثر المناطق فقراً في الصين، دعمت الحكومة المركزية والحكومات المحلية بناء محطات الطاقة الكهروضوئية، وربطها مع الشبكة العامة، وتؤمن هذه المحطات فرص عمل للسكان المحليين بمختلف اختصاصاتهم.

التراث غير المادي

على الرغم من أن المناطق المحيطة بسور الصين العظيم تتمتع بثقافة وتاريخ عريق وممتد الى أكثر من 3000 عام، لكنها كانت أكثر المناطق فقراً في الصين، لأنها مناطق جبلية وعرة، مكونة من 229 قرية فقيرة، بمعدل فقر يصل الى 32.5%، وبعد 5 سنوات من مكافحة الفقر، وبحلول نهاية 2019، تم انتشال جميع القرى الفقيرة، وانخفض معدل الفقر إلى 0.66% ويعود الفضل في ذلك إلى دعم الحكومة المحلية لمشاريع التراث الثقافي غير المادي، فقد تم إنشاء شركة اتصال لمسائل الأداء والتدريب في القرى، حيث يستطيع أكثر من 20 قروياً أداء فنون أوبرا «يانغ قه» المدرجة على لائحة التراث الثقافي غير المادي، ويحقق ذلك دخلاً جيداً للمؤدين وأسرهم، بالإضافة إلى عروضٍ للتراث الثقافي، التي تعتبر إحدى وسائل مكافحة الفقر، فهي تساهم في السياحة، ويكسب 35 ألف قروي في البلدات القديمة قوت يومهم من أداء العروض، بالإضافة إلى صناعة الورق والأعشاب الطبية وغيرها من الصناعات المحلية المرتبطة بالسياحة.

الصين الأولى عالمياً

تتطلب عملية مكافحة الفقر أعلى درجات الضبط والتحكم في الموارد، وتنمية تلك الموارد إلى أقصى حد، مع المحافظة على مستوى عالٍ جداً من العدالة في التوزيع والتنمية، وعلى الرغم من مساحة الصين الشاسعة، والتنوع غير المحدود لسكانها، فقد استطاعت في فترة قصيرة جداً تحقيق نتائج كبيرة، لتتربع على عرش أولى الدول التي تنتشل الفقراء إلى مستوى الحياة الكريمة، وعلى الرغم من أننا لا نستطيع إنكار جهود المجتمع المحلي في كل قرية في الصين، لكن الفضل الأكبر يعود إلى الحكومة المركزية، التي استطاعت الاستفادة من كافة الموارد في تحقيق العدالة والتنمية المستدامة.

لتحميل العدد 992 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
992
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين2/نوفمبر 2020 16:41