متى تنجح عقوبات واشنطن على الصين؟

متى تنجح عقوبات واشنطن على الصين؟

لا تبدو العلاقات الصينية الأمريكية قريبة من انفراج بل على العكس! تكبر الخلافات وتتعقد الملفات، ويحاول الكثير من المحللين تحديد مآلات هذا النزاع وتبدو الاحتمالات كثيرة فعلاً، وبغض النظر عن طريقة حسم هذه الخلافات «التي قد تحسم باللجوء إلى خيار القوة العسكرية»، يتفق الجميع على أن حسمها سيغير العالم الذي نعيش به اليوم.

تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية سلاحها التقليدي «العقوبات»، والتي باتت أحد أبرز سمات النشاط السياسي الأمريكي، فيجري الترويج لهذا الخيار داخلياً على أنه سلاح قليل التكاليف، ويجنب البلاد والشعب الأمريكي الخروج للقتال ويحقق النتائج ذاتها، وعلى الرغم من أن حجم النتائج التي تحققها العقوبات مشكوكٌ بفاعليتها الاستراتيجية إلا أنها تشكل عامل إرباك جديّ.

«عقوبات كورونا»

كانت جائحة فيروس كورونا سبباً جديداً لتعقيد العلاقات الصينية الأمريكية، فترى مجموعة من النخب الأمريكية وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدراته، أن الصين تتحمل المسؤولية الأساسية في انشتار الفيروس على مستوى العالم، ويصرّ الخطاب الرسمي الأمريكي على الدور الصيني المشبوه في كل ما يخص هذا الفيروس، ووصلت الاتهامات إلى وجود شُبهات في دور منظمة الصحة العالمية التي كانت، حسب هذا الخطاب، خاضعة لضغوط صينية، وأكد ترامب في أكثر من مناسبة، أنه يملك دلائل تؤكد مسؤولية الصين في ظهور الفيروس المستجد، دون أن يقوم بوضعها أمام الرأي العام العالمي.
لم تتوقف الاتهامات والذرائع التي تعلنها الولايات المتحدة الأمريكية يومياً، فهي إن كانت اليوم تتعلق بفيروس كورونا نعلم جميعاً أنها كانت تستند لاسباب مختلفة منذ بضعة أشهر، فهي إما علاقات الصين مع إيران أو اتهام الصين بعدم النزاهة في التنافس الدولي والتضييق على الشركات الصينية، بالإضافة إلى كل الملفات المتشابكة في شرق آسيا، مثل: تايوان، وهونغ كونغ، وقضية الإيغور، والعلاقات الهندية الصينية، وغيرها الكثير... فيبدو بشكل واضح اليوم أن أي سلوك تقوم به الصين سينتج عنه عقوبات أمريكية جديدة لا على الصين وحدها، وإنما على من يقوم بشراكات اقتصادية مع الصين أيضاً، هذا إلى جانب تصريحات رسمية يومية تتجاوز الأطر الدبلوماسية التقليدية، مثل: قيام الرئيس الأمريكي باتهام الصين بأنها مسؤولة عن القتل الجماعي في العالم، إذ قال في تغريدة على موقع تويتر: إن «عدم كفاءة الصين، ولا شيء سوى ذلك، الذي أدى إلى هذا القتل الجماعي في جميع أنحاء العالم».
وعلى الرغم من أن الصين لا تغفل عن أية خطوة أمريكية وترد بصلابة، وهذا ما دفع المتحدث باسم البرلمان الصيني جانغ يسوي للتصريح بأن بكين عارضت دائماً العقوبات الأمريكية المنفردة، ودعت إلى الالتزام بالقانون الدولي الذي يضمن حقوق الجميع، إلا أن هذا المناخ العام لا يشكل مناخاً مريحاً ويشكل عائقاً في وجه الصين، حتى وإن لم يكن مستحيل التجاوز.

شبكات الجيل الخامس نموذجاً

إن القول: إن الأسباب التي تبرر فيها واشنطن سلوكها اتجاه بكين هي ذرائع يعني بالضرورة وجود سبب حقيقي لهذه العقوبات، فالصين حققت نمواً سريعاً خلال فترة قصيرة زمنياً، وإن كان البعض يصر إلى اليوم أن الصين ما تزال في المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة، إلا أنّ هؤلاء لا يستطيعون إنكار أن الصين وصلت إلى هذا المركز خلال فترة قياسية، فالصين في العام 1990 لم تكن موجودة في قائمة الاقتصادات العشرة الكبرى فكان الناتج القومي الإجمالي الصيني في ذلك العام 360 مليار دولار، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تنتج 5,9 تريلون، لم يكون وصول الصين إلى المرتبة الثانية عالمياً بعد 30 سنة إلا ضرباً من الخيال العلمي. لكن السؤال الأكبر اليوم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية: ماذا سيكون الحال في السنوات العشرة القادمة؟
لأسباب اقتصادية موضوعية استطاعت الصين تحقيق نقلة نوعية بسوق التكنولوجيا، وإن كانت الصين رقماً يصعب تجاوزه في ميدان شبكات الجيل الخامس مثلاً لا تظهر واشنطن في هذه المنافسة، وعلى الرغم من محاولاتها الشديدة للدخول في هذا السباق، إلا أنها باتت تقف على أرضية صناعية هشة ولم تعد قادرة على إنجاز هذه المهمة الكبرى، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة من المقدمة إلى هذا المركز المتخلف المهم اليوم أنها هناك، وتبدو على هيئة مشعوذٍ يحذر العالم من المحرك البخاري الجديد، ولأننا نعلم أن المحرك البخاري وغيره من النقلات التكنولوجية في تاريخ البشرية فرضت نفسها وغيرت خريطة العالم، نعلم أن الولايات المتحدة تخسر اليوم شبكات الجيل الخماس وتخسر في الميدان تلو الآخر، وهذا يجعلها قنبلة موقتة حقاً.

والحل؟

المشكلة، أن المهمة التي يضعها الأمريكان اليوم على عاتقهم هي كسر الصين اقتصادياً حتى لو توجب استخدام السلاح لاتمام هذه المهمة، لكن هذا ما هو إلا جزء من المطلوب فالجزء الآخر يتطلب قدرة الولايات المتحدة على تعبئة هذا الفراغ الذي تشغله الصين اليوم، فالعالم اليوم يحتاج كل براءة اختراع جديدة، ويحتاج كل ما من شأنه المساهمة بنقله إلى مستوى أعلى، وهذا الأمر لن تنجزه الولايات المتحدة حتى لو أزاحت الصين. أي: إن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق، هو أن يرضى العالم بما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وأن يقبلوا شراء السلع الأغلى ثمناً والأقل تطوراً وغيرها من «الميزات» الكثيرة. وهذا لم يعد ممكناً اليوم بل تم تجاوزه. فحديث رئيس الوزراء البريطاني الذي قال فيه: إن من يريد منع شركة هواوي من السوق الأوربية عليه تأمين البديل، يعني أن الأوروبيين لا يتمسكون بالصين بل يتمسكون بمن يستطيع تأمين الطلب العالمي، وهذا ما لا تستطيع الولايات المتحدة تأمينه اليوم حتى لو لم تكن الصين موجودة!
المخاوف العالمية من سيطرة الشركات الصينية على العالم، ومن أن دخول الصين إلى أكثر القطاعات الأمن القومي حساسية، هي مخاوف مشروعة بالطبع، على الرغم من أننا نعلم أنها لم تكن مشكلة عندما كانت هذه الشركات هي شركات أمريكية، ولم تكن مشكلة عندما كان العالم كله يعلم أن الولايات المتحدة تتجسس على أقرب حلفائها، لكن ما يهم أن تشكل هذه المخاوف دافعاً حقيقياً لتغيير ما يجب تغييره في هذا العالم، وإن كانت الدول اليوم ترى أن خروجها من تحت العباءة الأمريكية لا يجب أن يكون خطوة أولى لتثبيت تبعيتهم للصين، يجب على الجميع أن يدرك أننا أمام فرصة تاريخة قد تحمل معها فرصة لتغيير شكل العلاقات الدولية، التي كانت دائماً نتاجاً ومعبراً عن علاقات الاستغلال التي عانت منها أغلبية سكان الأرض.

معلومات إضافية

العدد رقم:
967
آخر تعديل على السبت, 31 تشرين1/أكتوير 2020 19:04