ليبيا... المخارج والطرق الوعرة

ليبيا... المخارج والطرق الوعرة

يشهد ملف شرق المتوسط وليبيا تطورات دائمة، فهو موضوعٌ حاضرٌ على طاولة السياسيين على مستوى الإقليم والعالم، وازدادت الصورة تعقيداً بعد حصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تفويضٍ من البرلمان يسمح للرئيس بتقديم كل أشكال الدعم لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، بما فيها إرسال جنود أتراك إلى ليبيا، فما هي الاحتمالات المطروحة الآن وهل هناك ملامح حلٍ لهذه الأزمة؟

أقرّ البرلمان التركي بأغلبية الأصوات «325 مقابل 184» مذكرة تسمح بإرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا، وذلك في جلسة استثنائية في 2 كانون الثاني، وتسمح هذه المذكرة للرئيس التركي باتخاذ الإجراءات العسكرية التي يرى ضرورة لها في ليبيا لمدة عام قابلة للتجديد. إلا أن هذه المذكرة لا تلزمه باتخاذ إجراءات عسكرية، وهو ما عبر عنه فؤاد أوقطاي، نائب الرئيس التركي بشكل صريح، إذ اعتبر أوقطاي أن تركيا تأمل أن تلعب هذه المذكرة دوراً رادعاً إلى أطراف النزاع في ليبيا، وأشار نائب الرئيس في حديث لوكالة الأنضول التركية أن بلاده قد لا ترسل جنوداً إلى ليبيا إذا ما أوقفت قوات حفتر الهجوم الذي تشنه على طرابلس وانسحبت من النقاط التي سيطرت عليها. ومن جهة أخرى أعلن كمال كيليتشدار أوغلو وهو زعيم حزب الشعب الجمهوري، الذي يعد من أبرز أحزاب المعارضة التركية، أعلن أن خيار الحرب وإرسال الجنود الأتراك يجب أن يكون الخيار الأخير لا الأول، معرباً عن ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية عن طريق المؤسسات الإقليمية أو الدولية، وترى المعارضة التركية أن التدخل التركي من شأنه توريط البلاد في أزمة خارجية جديدة.

أمريكا وخط «إيست ميد»

يبدو ظاهرياً أن الموقف الدولي مما يجري في ليبيا هو موقف واحد، وهذا صحيح ظاهرياً، فيكاد يكون هناك إجماع على رفض الخطوات التركية والتأكيد على حل الأزمة الليبية بشكل سلمي، إلا أن ما يجري في الواقع يؤكد أن هناك أطرافاً تحاول جرّ تركيا إلى هذا النزاع، مما سيكون له نتائج كارثية في الداخل التركي، وبالتالي على المنطقة ككل، فإن أي انفجار في بلد بحجم تركيا سيكون له ارتدادات كبيرة جداً.
من هذا الباب يمكن قراءة زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى أثينا في 2 كانون الثاني، حيث جرى التوقيع على اتفاقية بين الأطراف الثلاثة «اليونان وقبرص والكيان الصهيوني» تقضي بمد أنبوب لنقل غاز المتوسط إلى أوروبا باسم « إيست ميد»، وتحمل هذه الخطوة إشارة سياسية، فهي قبل كل شيء خطوة مدعومة أمريكياً، وتعتبر استكمالاً للاتفاق المبدئي الذي جرى في تل أبيب في آذار الماضي، والذي حضره وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ويهدف هذا المشروع بشكل معلن إلى الضغط على روسيا عبر إيجاد مصادر أخرى لاحتياجات أوروبا من الغاز، وتشكل خطوة كهذه استفزازاً لتركياً فهي ترسيخ لتجاهلها وتجاهل مصالحها في المتوسط. ولكن إمكانية إنجاز هذا المشروع حالياً هي إمكانية ضئيلة، فهي تحتاج على الأقل إلى مناخ سياسي أكثر استقراراً، وهو ما لا يتوفر في شرق المتوسط حالياً، بالإضافة إلى أنه يحتاج إلى توازنات دولية تسمح فعلاً بقيام مشروع كهذا، عدا عن أن هذا المشروع يواجه مصاعب فنية ولا يمكن أن يضخ أكثر من 10% من احتياجات أوروبا ولفترة محدودة.

الموقف الروسي

يتضح الموقف الروسي أكثر فأكثر، ويبدو أن روسيا قادرة على طرح مبادرة تهدف إلى إيجاد مخرج للأزمة الليبية، والذي من شأنه سحب أحد فتائل تفجير شرق المتوسط، فقد أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف رفض بلاده لفرض حظرٍ جوي فوق ليبيا، وهو اقتراح تقدم به رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في أواخر الشهر الماضي، واعتبر لافروف أن فرض الحظر الجوي «يعيد إلى أذهاننا أشياء غير مرضية» في إشارة إلى الحظر الذي فرض على ليبيا في 2011، وأشار وزير الخارجية إلى أن مصلحة الشعب الليبي تقضي وقف القتال الذي اعتبره شرطاً لبدء حوارٍ سياسي، وأوضح أن هناك العديد من المبادرات التي يجري طرحها وتداولها لحل النزاع الليبي، إلّا أنه أكَّد أن الشرط الأساس لنجاح هذه المبادرات يكون عبر إطلاق مفاوضات دون شروط مسبقة، وإيجاد اتفاق يراعي «مصالح جميع القوى السياسية والعشائرية والعرقية المتواجدة في الأراضي الليبية».
وأما ما يخص الموقف الروسي من إرسال جنود أتراك إلى ليبيا، أعلنت وزارة الخارجية أن التدخل العسكري من شأنه أن يزيد من تعقيد الوضع أكثر، واعتبرت أن إرسال الجنود الأتراك سيثير ردود فعل من قبل دول الجوار، التي بات من الواضح اتفاقها على رفض هذا التدخل، وهو ما يبدو واضحاً عند كل دول شمال إفريقيا، وهو ما يجعل تركيا تدفع بنفسها إلى معركة مفتوحة دون غطاء كافٍ.

مصالح المنطقة أولاً

بات من شبه الثابت، أن يتبع كل تصعيد في المنطقة تراجعٌ وتفتيت لمسببات أزمات التي تشهدها المنطقة، ولا يحتاج الأمر إلى الكثير من البحث ليتضح أن ليبيا باتت نقطة قادرة على توليد المشاكل في مساحة جغرافية تفوق حجمها بعدة أضعاف، وهذا ما يناقض مصالح كل دول المتوسط، وهي- حتى لو بدت اليوم تتصارع على كل صغيرة وكبيرة– ستكون داعمة لمبادرة حقيقية لحل الأزمة الليبية، فهذا من شأنه إزالة فتيل التوتر الذي يعرض المنطقة للخطر، فالوضع الليبي يشكل تهديداً لأمن دول شمال إفريقيا ويجب إزالة هذا التهديد. ويحتاج حل هذا الملف إلى لجم تركيا، التي تخاطر بوجودها عبر اتباع أكثر الطرق وعورةً، ويبدو أن الموقف الروسي والتنسيق العالي مع تركيا حول مجمل قضايا المنطقة، يمكن أن يلعب دوراً جدياً بضرب المخططات الأمريكية في المتوسط، وأن يسمح بالتالي بحوار سلمي يصاغ كنتيجة له توافق بين دول المتوسط، يكون بعيداً عن دور الكيان الصهيوني والأمريكي من خلفه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
947
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 16:21