ليبيا... نقطة التقاء الصراع الدولي

ليبيا... نقطة التقاء الصراع الدولي

لاتزل منطقة حوض المتوسط تشهد توتراً شديداً بعد توقيع أنقرة لمذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية، قد ترسل تركيا بناءً عليها دعماً عسكرياً «للوفاق»، ويترافق هذا التوتر مع تصعيد عسكري واسع على الأراضي الليبية، فتشن قوات المشير حفتر هجوماً شرساً على العاصمة طرابلس معقل حكومة الوفاق.

فما هي آخر المستجدِّات السياسية؟ وما هي احتمالات تطور الأمور لصدام عسكري واسع يشمل هذه المرة دولاً تصطفُّ إلى جانب الفرقاء الليبيين لتدخل في مواجهة مباشرة فيما بينها؟.

التصعيد السياسي والعسكري

تتسارع الأحداث وتتشابك، فقد بدأ المشير خليفة حفتر بشنِّ هجوم واسع باتجاه طرابلس، وكان المتحدث باسم «الجيش الوطني الليبي» اللواء أحمد المسماري قال في تصريحات له إن المسافة التي تفصلهم عن أحياء العاصمة الرئيسة لا تتجاوز 300 متر، وتشن «حكومة الوفاق» هجوماً مضاداً في محيط مطار طرابلس بعد أن سيطرت قوات حفتر على طريق المطار الذي يعد نقطةً إستراتيجية في هذه المعركة. وترافقت هذه الأجواء المشحونة بطلب رسمي من «حكومة الوفاق» إلى أنقرة بتقديم كل أشكال الدعم العسكري الجوّي والبحري والبري، وهو ما أكّد الجانب التركي استعداده له، إلّا أنّ إرسال هذه القوات وضع في يد البرلمان الذي سيؤخر البت في هذه القضية حتى انعقاد جلسته يوم 2/1/2020.

التحركات الدبلوماسية

ترافق المعارك الدائرة على الأراضي الليبية تحركات دبلوماسية على مستوى العالم، فهناك حديث عن مؤتمر تستضيفه برلين بهدف تسوية الأزمة الليبية، وتجري لقاءات ثنائية بين موسكو من جهة وبين وتركيا ومصر وإيطاليا وفرنسا من جهة أخرى، وزار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تونس لبحث الملف الليبي، بالإضافة إلى زيارة أجراها رئيس مجلس النواب الليبي إلى اليونان. وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحركات تخص الملف ذاته، فوقَّعت مع اليونان عقداً عسكرياً لصيانة وتطوير الأسطول الجوي اليوناني، وبحث الرئيس الأمريكي مع نظيره المصري آفاق التسوية الليبية.
يتمحور النشاط الروسي في الإصرار على إيجاد حل تتفق ضمنه الأطراف الليبية على الحكم، ويجري ضمنه إيقاف لإطلاق النار، وتعتبر التصريحات الروسية أن أيَّ تدخل عسكري من طرف ثالث يمكن أن يعقِّد الوضع أكثر، وهذا ما يمكن أن يكون الموضوع الأساس للمشاورات التي يجريها وفدٌ من الخارجية التركية «ويضمُّ الوفد مسؤولين في وزارة الدفاع والاستخبارات» والذي وصل إلى موسكو يوم الاثنين 23/12/2019, وجرى تمديد هذه المشاورات لتصل إلى ستة أيام متواصلة. ولا نستطيع إلى الآن التكهن بمخرجات هذه اللقاءات، فتركيا اتهمت روسيا علناً بمساندتها قوات حفتر ولم يجر الإعلان إلى الآن عن مخارج للتصعيد الجاري.
وكانت قد أشارت بعض التصريحات إلى أن الهدف من زيارة الرئيس التركي إلى تونس، هي دراسة تعاون البلدين في الملف الليبي، إلّا أن الرئاسة التونسية أصدرت بياناً أوضحت فيه حيادها في هذا الملف، وأكَّدت أنَّ «تونس لن تقبل بأن تكون عضواً في أي تحالف أو اصطفاف على الإطلاق، ولن تقبل أبداً بأن يكون أيُّ شبر من ترابها إلا تحت السيادة التونسية وحدها»، نافيةً بذلك تقديمها العون لتركيا في مواجهة حفتر.

أزماتنا أوسع من حدودنا

لا يمكن بشكل من الأشكال النَّظر إلى ما يجري في ليبيا اليوم على أنه «أزمة ليبية داخلية»، فحجم الصراع الدائر يتجاوز حدودها بكثير، حتى أنه يتجاوز حدود المتوسط وحقول الغاز التي أعلن عنها حديثاً، فما يجري جزءٌ من الصراع العالمي الدائر، فالغاز المكتشف في المتوسط يمكن أن يشكّل ورقة لمناورة تكتيكية مفيدة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فهي تسعى إلى أن تحصل أوروبا على هذا الغاز كجزء من احتياجاتها، ليشكل مساحةً للتنفس والمناورة في مواجهة روسيا التي تعد مع إيران مورّد الغاز الأساس إلى أوروبا، لذلك يجري دفع الكيان الصهيوني وقبرص ومصر واليونان لإنجاز هذه المهمة، أما بالنسبة لتركيا فترى أن حرمانها من الحركة في المتوسط لا يتناسب مع إمكاناتها، ويشِّكل عائقاً في وجه رغبتها في لعب دورٍ أكبر إقليمياً ودولياً، فهي من جهة تستورد احتياجاتها من الغاز الذي تبين أنه قريبٌ جداً جغرافياً، وكانت تركيا حاولت في وقت سابق أن تتفق مع مصر من أيام الرئيس السابق حسني مبارك على مصير هذا الغاز، إلّا أنّ هذه المحاولات لم تنجح، وترى تركيا في علاقتها مع حكومة الوفاق مخرجاً مقبولاً يُيسر لها لعب دورٍ أكبر في المتوسط، لكن حجم تركيا الفعلي قد لا يسمح لها بتحقيق هذا الهدف، ومن المرجح أنَّ تركيا تدرك ذلك جيداً، فقد ينتهي الأمر الأمر بتسويات وتوافقات مع روسيا بوصفها اللاعب الأبرز في المتوسط اليوم، وهذا ما سيجنب تركيا الغوص في مستنقعٍ جديد قد تدفِّع نفسها ثمناً له.

معلومات إضافية

العدد رقم:
946
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 16:39