قطار الصين السريع نحو العالم الجديد
يزن بوظو يزن بوظو

قطار الصين السريع نحو العالم الجديد

في ظل التغيّرات الدولية الجارية، يستمر صعود جمهورية الصين الشعبية اقتصادياً وسياسياً حول العالم، وتكثر التساؤلات حول طبيعة «مصالح» هذه الدولة و«مطامعها» على الساحة الدولية، وما طبيعة «النموذج العالمي» البديل والجديد الذي تسعى إلى تثبيته في المستقبل باعتبارها القوة الاقتصادية الأولى عالمياً؟

قد لا يُمكن لأحد الإجابة عن السؤال السابق تماماً، لكن يمكن التنبؤ بملامح أوّلية حول ماهيّة هذا العالم الجديد، استناداً إلى المرور على بعض المعطيات التي تزداد كثافتها مؤخراً.

دولياً

أعلن «معهد لوي» الأسترالي في دراسة نشرت مؤخراً أنَّ الصين تخطّت للمرة الأولى الولايات المتحدة من حيث عدد البعثات الدبلوماسية المنتشرة حول العالم، حيث بلغت 276 منصباً، بينما أشار إلى أن الدبلوماسية الأمريكية قد «دخلت فترة مراوحة»، ويعد هذا مؤشراً مهماً على توسع النشاط الصيني على المستوى العالمي وطرحها لآليات جديدة لحلِّ المشاكل القائمة فقد نددت الصين، في تصريحات جديدة، بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ووصفتها بـ«الأنانية» ملقية باللوم على واشنطن في زعزعة الاستقرار بالمنطقة. وجاء هذا التصريح بالتزامن مع فعاليات منتدى الشرق الأوسط الذي أقامته بكين يوم الخميس 28/11/2019 حول قضية الأمن في المنطقة، وقال رئيس معهد الصين للدراسات الدولية في مؤتمر عقب المنتدى، إن الفعالية تهدف إلى توفير منصة جديدة للمفاوضات لإيجاد سبل السعي وراء الأمن في المنطقة من أجل تحقيق السلام المستدام والأمن الشامل.

اقتصادياً

تحدث قاو شي جي من مركز بحوث التنمية الصيني، إنَّ مبادرة الحزام والطريق «تواصل مساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الشريكة»، وقال تشو تاي دونغ من المركز الصيني للمعرفة الدولية بشأن التنمية إنَّ المبادرة «قدمت حياة أفضل لشعوب مختلف البلدان، وخلقت منطق التعاون الاقتصادي والتجاري» ذاكراً من ذلك مثالاً حول مشروع كاروت للطاقة الكهرومائية في باكستان الذي سيوفر الطاقة النظيفة لـ 5 ملايين شخص. وجاء حديث الخبير الاقتصادي ألطاي أطلي على هامش القمة الدولية الرابعة لأعمال مبادرة «الحزام والطريق» التي استضافتها تركيا مؤخراً ليؤكد على أهمية المبادرة الصينية، فأكد أنها تُعتبر سبيلاً لتحقيق تطلعات تركيا «عبر تنويع تجارتها وجذب المزيد من الاستثمارات في مشروعات البنية التحتية واللوجيستيات».
ومن الأصوات القليلة من المعسكر الآخر صرّح رئيس البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، أنَّ المعايير العالية للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية «مهمّة لصورة التعددية»، وأشاد بمشاركة الصين في «النظام متعدد الأطراف»، وحول مبادرة الحزام والطريق، قال إنها «تقدم إسهاماً كبيرا لمعالجة التحديات التنموية في العالم وتدفع بالتعددية وتتفادى الديون العالية».
ومن جانبه قال روبرت كوهن رئيس مؤسسة كوهن الأمريكية، إن التزام الصين بالتعددية ضروري لتحقيق الاستقرار والأمن والتنمية السليمة للعالم بمواجهة الأحادية والحمائية، مضيفاً: «مبادرة الحزام والطريق توسع الروابط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا وتقلل عدم التوازن في التنمية الوطنية وتدعم النمو الاقتصادي».
ويبدو أنَّ النشاط الصيني في إفريقيا يترك أثراً إيجابياً أيضاً ويعطي مؤشرات نمو حقيقية، ففي تصريحات لرئيس وزراء إثيوبيا السابق قال فيها إن التعاون مع الصين يلعب «دوراً فعالاً للغاية» في التنمية والتحوّل الزراعيين في إفريقيا، حيث يركّز على نقل زراعتها من الكفاف إلى التجارة، مضيفاً إن هذا التحوّل يعني وجود نظام زراعي حديث باستخدام التكنولوجيات الرقمية وإشراك معظم الشباب الإفريقي العاطلين عن العمل، مشيراً إلى أن الخبراء الصينين قاموا بتدريب وتعليم وكلاء إرشاد زراعي بأعداد ضخمة.

الصين وروسيا

يستمر التعاون الصيني- الروسي نحو تعزيز العلاقات بين البلدين وإرساء الاستقرار، فقد جرى استكمال بناء أوَّل جسرٍ لطريق سريع يربط بينها، ووفقاً للوزير الروسي لتنمية الشرق الأقصى يمكن أن يزداد حجم الشحن بين البلدين بمقدار 8 أضعاف لتصل إلى 4 ملايين طن. هذا بالإضافة إلى تصريحات من الكرملين تقول إن رئيسي البلدين سيقومان اليوم الاثنين بتدشين خط الغاز الروسي إلى الصين عبر أنابيب «قوة سيبيريا»، بقدرة تمريرية قدرها 38 مليار متر مكعب سنوياً. وجرى الإعلان أيضاً عن تأسيس صندوق روسي صيني بقيمة مليار دولار، للمساهمة في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين شركات البلدين. هذا إلى الجانب التعاون الأمني المتصاعد بين البلدين إذ يعتزم أمين مجلس الأمن الروسي زيارة الصين مطلع الشهر الجاري للمشاركة في رئاسة الجولة الـ 15 من المشاورات الأمنية الإستراتيجية.

الصورة داخل الصين

تستمر الجهود الصينية بإطار العمل على رفع مستوى النمو محلياً، ويمكننا ذكر بعض المؤشرات الجديدة، فعلى الرغم من الضغوط المتزايدة على البلاد، قال بنك الشعب «المركزي» إن الاقتصاد الصيني يتمتع بمرونة قوية، وإن العديد من الأسر الصينية باتت «تدّخر أكثر»، وأظهرت بيانات رسمية من مصلحة الدولة للإحصاء أن 31 من بين 50 سلعة رئيسة تراقبها الحكومة قد سجلت أسعاراً منخفضة بمنتصف كانون الأول مقارنة بالأيام العشرة السابقة لها. وبيَّنت الأرقام أنَّ منطقة التبت جنوب غربي البلاد تشهد نمواً في دخل المقيمين في مناطقها، ففي الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بلغ الدخل الفردي 8059 يواناً/1146 دولار، بارتفاع بنسبة 12,9% مقارنة بذات الفترة من العام الماضي. وأعلنت وزارة التربية والتعليم تقريراً رسمياً عن تخريج نحو 142 ألف من المدارس المهنية في المناطق التي يضربها الفقر الشديد وارتفع معدل التوظيف ليتجاوز 90%.

العالم الجديد؟

في تصريحٍ للرئيس الصيني شي جين بينغ قال فيه إن بلاده لا تستعدُّ «لأخذ مكان أي طرف» مشيراً أنَّ «الحلم الصيني... لا يتضمن بأي شكل من الأشكال أحلام بالهيمنة». فالصين سعت في السنوات الماضية إلى ترجمة وزنها الاقتصادي سياسياً وباتت حاضرةً بشكل نشط، وهي إذ تثبت انتهاء الهيمنة، والسياسة الأحادية القطبية تطرح أيضاً نموذجاً بديلاً يناقض النموذج الأمريكي الذي عانى منه العالم، فالصين تغزو الكوكب في مشاريع التنمية الحقيقية والمستدامة، وتملك مفاتيح لأبواب كانت مغلقة عمداً بوجه شعوب دول العالم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
942
آخر تعديل على الإثنين, 02 كانون1/ديسمبر 2019 13:27