مفاوضات «واشنطن- طالبان» ليست بريئة!

مفاوضات «واشنطن- طالبان» ليست بريئة!

انطلقت في الدوحة، يوم 22 من الشهر الجاري، الجولة التاسعة من المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان». الهدف المعلن، هو التوصل إلى اتفاق سلام مع الحكومة الأفغانية، ومن ثم العمل على إعلان انتهاء الحرب في أفغانستان. فهل تسعى واشنطن فعلياً إلى تحقيق الاستقرار في أفغانستان؟ أم أنه مجرد تكتيك أمريكي يتوافق مع متطلبات المرحلة؟

طال التدخل الأمريكي في أفغانستان، وتعمّقت معه الأزمات الأفغانية على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومع استفراد واشنطن بالساحة الأفغانية كما العديد من الملفات الدولية الأخرى، خلال الحقبة الماضة- حقبة القطب الواحد التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي- وممارسة سلوكها الواضح بالتخريب ونشر الفوضى، تصبح التغيرات المرتبطة بملف أفغانستان اليوم مؤشراً مهمّاً لاضطرار الولايات المتحدة إلى تغيير سلوكها وفقاً لأزماتها الداخلية وللتغيرات الدولية الجارية.

استحقاقات داخلية

حسب ما توضّح من الموقف الرسمي الأمريكي، فإن التحركات السياسية في الملف الأفغاني مرتبطة في المقام الأول بالانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في عام 2020؛ حيث يسعى ترامب إلى البدء بسحب قوات بلاده من أفغانستان قبل الانتخابات، تحقيقاً لما وعد به قبل انتخابه عام 2016، كما أعلن وزير خارجيته، مايك بومبيو، خلال مداخلة في النادي الاقتصادي بواشنطن، رداً على سؤال عن إمكانية خفض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان قبل الاستحقاق الرئاسي قائلاً: «إنها التعليمات التي تلقيتها من الرئيس». هذا بالإضافة إلى محاولة التخفيف من تكلفة الحروب التي لم يعد الاقتصاد الأمريكي قادراً على تحملها.
وتتمحور المفاوضات في الدوحة حول أربع نقاط رئيسة، وهي: ضمانات من قبل «طالبان» بأنها لن تسمح للمسلحين الأجانب باستخدام أراضي أفغانستان لشنّ هجمات ضد دول مجاورة، والانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من أفغانستان، والحوار الأفغاني- الأفغاني، ووقف دائم لإطلاق النار.
وتبدي الأطراف الأفغانية تجاوباً مع المفاوضات حتى الآن، لكن حتى وإن تحقق الاتفاق المنشود، فإنه لا يعفي الولايات المتحدة من مسؤولياتها اتجاه الشعب الأفغاني، إذ إن إحلال السلام يتطلب بالإضافة إلى انسحاب القوات الأجنبية، تعويض البلاد عن كل ما لحق بها من دمار وفوضى خلال سنوات التدخل الأمريكي، وهو ما لا يبدو موضوعاً للنقاش على طاولة المفاوضات.
من جهة أخرى فإن تقارير عدة تشير إلى انتقال أعداد كبيرة من مقاتلي «داعش» إلى أفغانستان، وهو ما يبدو تكتيكاً يُبقي أفغانستان بؤرة توتر قابلة للانفجار بما يخدم الأهداف الأمريكية لاحقاً، ضمن سياق التوتير الجاري في شرق آسيا.

ضغوطات خارجية

إضافة إلى ما قد تجنيه إدارة ترامب من مفاوضاتها مع طالبان في الاستحقاق الرئاسي القادم، فإن قضايا أخرى مرتبطة بالتغيرات الدولية الجارية يجب أخذها بالاعتبار:
- التحركات الروسية اتجاه إحلال السلام في أفغانستان، إذ شكّل الاجتماع الذي شهدته موسكو أواخر العام الماضي، تحت عنوان «صيغة موسكو»، وبحضور «طالبان»، والعديد من الدول المعنية بما فيها باكستان، أول محاولة جديّة لطرف دولي باتجاه إيجاد حل سلمي للأزمة الأفغانية، والتي تشبه بشكل ما مسار أستانا المتعلق بالأزمة السورية. تبعتها مشاورات روسية- باكستانية حول الإجراءات المطلوبة لإحلال الاستقرار في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي المحتمل.
- مشاريع الصين الاقتصادية، وتحديداً مبادرة الحزام والطريق، والحديث عن إمكانية امتداد الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني ليشمل أفغانستان، الأمر الذي سيعود بالنفع على المنطقة برمّتها، وسيساهم في تحقيق تنمية واستقرار حقيقيين في أفغانستان.
أي: إن الخيارات لم تعد مفتوحة أمام الولايات المتحدة كما السابق، فهي محكومة أيضاً بتغيير سلوكها تحت ضغط الداخل الأمريكي والتحولات الدولية، أي: إنها مضطرة إلى سحب قواتها من أفغانستان لحسابات متعلقة بالاستحقاق الانتخابي القادم، والأزمة الاقتصادية من جهة، وإلى رعاية حل سياسي ما– وإن كان مؤقتاً وشكلياً- في محاولة لسحب المبادرة من مُنافسيْهَا الروسي- الصيني، بالتوازي مع زرع بذور توتير متمثلة بـ«داعش» يمكن استخدامها لاحقاً في عمليات التوتير الجارية في المنطقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
928
آخر تعديل على الثلاثاء, 27 آب/أغسطس 2019 18:56