«بريكست» نزاعُ أوروبي- أمريكي
يزن بوظو يزن بوظو

«بريكست» نزاعُ أوروبي- أمريكي

يستمر الخلاف حول «بريكست» بالتصاعد أكثر مع مرور الوقت ليفرز اصطفافاتٍ أكثر وضوحاً بين تيارين، أحدهم: يخالف واشنطن، وآخر: ينفّذ غايةً لها في أوروبا. ليتحول الموضوع كلياً إلى صراع حول دور الولايات المتحدة وتدخلها في شؤون الاتحاد الأوروبي من عدمه متجاوزاً مسألة خروج بريطانيا فقط.

إن الاتحاد الأوروبي مع ما أنتجه من منظومة تعاون اقتصادي وسياسي بين دول أعضائه وصولاً إلى «اليورو» أصبح اليوم مع تعمّق الأزمة الرأسمالية والتراجع الأمريكي، منافساً لواشنطن ومُهدداً لها، لتدفع الأخيرة نحو تكبير التناقضات الموجودة بين أعضاء الاتحاد وصنع الخلافات بغاية إضعافه وتفكيكه، وكان «بريكست» إحدى هذه الأدوات التي تحولت إلى معركة بقاء للاتحاد من عدمه، فمصلحة واشنطن بزوال الاتحاد، ومصلحة أعضائهِ باستمراره.

أزمة داخلية

إن مسألة «بريكست» مضت عليها ثلاث سنوات، شكلت خلالها أزمة سياسية محلية داخل بريطانيا، حيث إن عدم تنفيذ نتائج الاستفتاء يوضح مشكلة «الديمقراطية» الزائفة ويعرّيها مما يصنع شرخاً في البنية السياسية البريطانية، خصوصاً مع تزامن الحراكات الشعبية في العالم، والتي لن تكون لندن بعيدةً عنها، الأمر الذي دفعت به القوى البريطانية المتحكّمة لعدم موافقتها هي دوناً عن الشعب البريطاني، على شروط خروج بريطانيا من الاتحاد، وما سوف يتكبدونه إثر ذلك، لتدخل تناقضاً يصعب حلّه في التوفيق بين الأمرين: ترقيع الديمقراطية، وعدم تنفيذ الاتفاق بشروطه.

لمصلحة من؟

على الصعيد الأوروبي، إن الخروج البريطاني يُهدد وحدة كُل الاتحاد من بعده، رغم قناعتنا بعدم إمكانية استمراره على هذا الشكل بالمعنى الإستراتيجي، إلّا أنّ كيفية هذا التفكك ولمصلحة من، تُحدده تلك العوامل الذاتية لدول أعضائهِ، فإما يكون بتطوره الموضوعي، ولتقليل حجم الخسائر على أعضاء الاتحاد، أو مُفتعلاً وفق شروط وعوامل محددة مسبقاً، تُكبدهم خسائر أكبر وتضعفهم لمصلحة واشنطن.

التدخل الأمريكي يزداد وضوحاً

في الخلافات الحاصلة مع واشنطن ومستوى تدخل الأخيرة في الشأن البريطاني مؤخراً، كان تصريح ترامب مؤخراً قبيل انتخابات رئاسة الوزراء في بريطانيا الداعم لوزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون، بقوله «بوريس سيقوم بعمل جيد. أعتقد أنه سيكون ممتازاً» حيث جونسون كان واحداً من أكثر الشخصيات الداعمة لخروج بريطانيا وبشكل سريع، ومنتقداً لتأنّي تيريزا ماي وحذرها على طول الخطّ. وقد أوجد تدخل ترامب هذا ردود فعل في الداخل البريطاني، منها: ما قاله جيرمي كوربين زعيم حزب العمال البريطاني بأن «محاولة الرئيس ترامب للبت في من سيكون رئيس وزراء جديداً لبريطانيا تعد تدخلاً غير مقبول على الإطلاق في ديمقراطيتنا».

معركة أوروبية- أمريكية

في المحصلة، إن المأزق البريطاني لا يزال يبدو في مرحلة الاستعصاء البعيد عن الحلّ، بلا خروج ولا عودة، ويصعب التكهن بما قد يجري بعد تضاح هوية رئيس الوزراء البريطاني المقبل، إلا أنّ المُحدد العام قد تجاوز العلاقة البريطانية بالاتحاد وصولاً إلى كون المسألة أصبحت خلافاً أوروبياً أمريكياً، تجري المنافسة لحسمه نحو مصلحة أحدهما دوناً عن غيره.

معلومات إضافية

العدد رقم:
916
آخر تعديل على الإثنين, 03 حزيران/يونيو 2019 15:43