الصين والهند من تنافس تقليدي إلى تعايش متكامل

الصين والهند من تنافس تقليدي إلى تعايش متكامل

كتب الباحث في معهد «ايستويست» الأمريكي للدراسات الأمنية، مايكل داب، مقالاً بعنوان «الصين والهند في إيران»، في ما يلي نُقدّم قراءة في المادة.

تحتاج بكين لطهران بسبب مبادرتها «الحزام والطريق»، بينما تحتاج نيودلهي إلى طهران لممرها الدولي للنقل بين الشمال والجنوب.
أصبح إحراز التقدم في إيران أولوية لكل من الصين والهند، حيث تسعى كلتا الدولتين لتوسيع النفوذ في محيطهما على التوالي. ولأن إيران تقع في منعطف حرج، فإنها تربط آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط. علاوةً على ذلك، توفر الموارد الوفيرة لإيران كميةً كبيرةً من الطاقة للصين والهند. ولطالما أثرت هذه العوامل دائماً على علاقات طهران مع بكين ونيودلهي، والتي كانت دائماً تتراوح ما بين علاقات التعامل التجاري والإستراتيجي. في حين أن العلاقات الصينية الهندية كانت مشحونةً بالتحديات المختلفة، فإن الطريقة التي تدير بها الدولتان خلافاتهما في إيران ـ أي: بتوظيف مزيجٍ من التعاون والمنافسة ـ تلقي الضوء على قوتيهما النسبية وتكون أساس الطبيعة المتغيرة لعلاقاتهما. على عكس المنافسة الإستراتيجية الثنائية التقليدية بين الدول، فإن التنافس بين الصين والهند في إيران التي تحاصرها العقوبات سوف يتطور على الأرجح إلى تعايشٍ طويل الأجل يدل على ما قد يكمن في علاقتهما الإستراتيجية في بلدان أخرى غير مجاورة.
يتركز الأثر الاقتصادي للهند في إيران حول طموحات دلهي الجيوسياسية لتحسين الاتصال الإقليمي، وتعزيز أمن الطاقة، والوصول إلى الأسواق الأوروبية. والجزء الأساسي من استراتيجية دلهي هو «ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب» (INSTC)، وهو مشروعٌ مشتركٌ برئاسة الهند وروسيا وإيران لتعزيز توصيل البنية التحتية من روسيا عبر إيران إلى المحيط الهندي. عند الانتهاء منه، سوف يسمح بسهولةٍ الوصول أسرعَ بكثيرٍ من المسار الحالي عبر قناة السويس إلى موارد الطاقة في آسيا الوسطى المحاطة كليًّا بالبر، كما أنه سوف يسمح بإنشاء الممرات التجارية التي تربط الهند بالدول الأوروبية عبر روسيا التي تتجاوز باكستان بشكلٍ كاملٍ وبشكلٍ استراتيجيٍّ. وتحقيقًا لهذه الغاية، يستند استثمار الهند في إيران على تحديث وتوسيع ميناء تشابهار، وهو أقرب نقطة وصول حيوية إلى المحيط الهندي بالنسبة لإيران، ومحطةٌ مرتقبةٌ لـ «ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب» المزمع إنشاؤه. ما ينطوي عليه ميناء «تشابهار» الإيرانيّ المدعوم من قبل الهند متحديًّا الميناء الباكستاني «جوادار» المدعوم صينيّاً، على بعد تسعين ميلاً فقط، هو أمرٌ رمزيٌّ وعمليٌّ على حدِّ سواءٍ، يدل على ارتفاع التنافس الجغرافي والاقتصادي بين الصين والهند في المنطقة. في المقابل، كانت الصين ولا زالت واحدةً من اللاعبين الرئيسين في الاقتصاد والتجارة الإيرانيّة منذ الاتفاق النووي الإيرانيّ في عام 2015. ويرجع هذا لأسباب واضحةٍ: إيران هي منتجٌ كبيرٌ للسلع التي تغذي اقتصاد الصين المتنامي، وهي في موقعٍ جغرافيٍّ على مفترق طرقٍ استراتيجيٍّ لمبادرة الحزام والطريق (BRI) الصادرة عن بكين. تتوافق هذه العلاقة التكافلية مع التوسع التدريجي للصين في تعاملها مع إيران، من الفترة التي أعقبت الثورة الإيرانيّة مباشرة في عام 1979 حتى بلغ نظام العقوبات الدولي ذروته في عام 2006.
تقدم الصين، وهي أكبرُ شريكٍ تجاريٍّ لإيران وأكبرُ مستوردٍ للنفط إضافةً إلى الاستثمار المستمر من جانب بكين في قطاعَيِ النقل والطاقة الإيرانيّين، تقدم الصّين لطهران شريان حياةٍ حيويٍّ مع انسحاب الاستثمارات الأخرى من البلاد تحت ضغط الولايات المتحدة. وعلاوةً على ذلك، فإنّ زيادة التدفقات المباشرة للنفط من آسيا الوسطى والشرق الأوسط الأوسع من شأنها أن تحرر الصين من اعتمادها الوحيد على مضيق «مالاقا(Malacca)»، الذي تنتقل عبره الغالبية العظمى من النّفط الصيني حاليًّا. علاوةً على ذلك، فإن خط السكك الحديدية الذي تم تشغيله حديثًا بين «بايانور(Bayannur)»، في منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم في الصين، وطهران هو علامةٌ على أن بكين قد تظل متحديةً للجهود التي تقودها الولايات المتحدة لعزل إيران أكثر، خاصةً عندما تكون مصالحها الوطنية على المحك. في أعقاب الإتفاقية النووية لإيران في عام 2015، وازدهار العقود الجديدة، وتنويع الروابط التجارية. وبالتحديد مع الدول الأوروبية. مما اعتبر بمثابة نعمةٍ كبيرةٍ للاقتصاد الإيرانيّ حتى الآن. غير أن القرار الذي اتخذته إدارة ترامب بإعادة العقوبات قد عرّض الكثير من هذا للخطر. ولمواجهة هذا التهديد، سعت إيران إلى ترسيخ العقود والحفاظ على الدعم والاستثمار الأجنبي. تمثل هذه الجهود فرصةً للصين والهند لزيادة المشاركة، رغم التحديات الكبيرة التي تفرضها العقوبات الأمريكية. إن الاستثمار الذي يستمر في مواجهة العقوبات سيكون بمثابة مقياسٍ للمنافسة الإستراتيجية بين الصين والهند في المستقبل.
وبالنظر إلى المكانة المحورية لإيران في الإستراتيجيتين الإقليميتين للبلدين، فمن المحتم أن تواصل الصين والهند المشاركة النشطة، على الرغم من أساليبهما المختلفة. وبينما تستهدف الهند استثماراتها في مشروع «ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب»، الذي يرتبط بتطلعاتها الأمنية والاقتصادية على الأمد الطويل، فإن بكين تتخذ استراتيجيةً أوسعَ نطاقًا للوصول إلى الهدف نفسه. تشمل مشاركة الصين في إيران حصصاً في حقول النّفط والغاز، وزيادات الائتمان لمحطات الطاقة، وبناء السكك الحديدية وتحديثها، من بين أمورٍ أخرىَ. بالإضافة إلى الحفاظ على حنفية النّفط مفتوحةً، فإن هذه الاستثمارات تسهل تدفق المواد الخام إلى الصين والسلع الاستهلاكية من الصين إلى إيران. قد تتباين هاتان الطريقتان للاستثمار في إيران في الأساليب والأهداف، لكنهما لا تتعارضان مع بعضهما البعض.
لا يتعين على طهران أن تختار بين الاستثمارات الصينية والهندية. في الواقع، هناك فرصٌ متزايدةٌ لتعاونٍ محدودٍ في إيران بين البلدين في علاقةٍ تنافسيةٍ شاملةٍ. على عكس منافسة القوى العظمى، التي تركز على القوة السياسية أو العسكرية النسبية، فإن العلاقات الاقتصادية مع قوةٍ إقليميةٍ لا تمنع الآخرين. يمثل التهديد بتجديد العقوبات فرصةً لإيران لتعزيز الاستثمار التعاوني الصيني والهندي في البلاد لتحديث وتطوير قطاعاتها المختلفة. وللاتقاء من عدم التيقن من الاستثمار الهندي، دعت طهران بالفعل الاستثمار الصيني في «تشاباهار» وطرحت فكرة ربط الميناءِيْن المتنافسين «غوادار» و«تشاباهار». مثل هذه التطورات الأخيرة تدفع الهند والصين للعمل معاً عن كثب، سواءً يريدان ذلك أم لا.
إن التحول الجذري في العلاقة بين الصين والهند، من التنافس التقليدي إلى التعايش المتكامل، لا يعني أن روح المنافسة ستكون غائبةً عن العلاقات الصينية الهندية في إيران. بل سيبقى التنافس بعداً مسيطراً على التعاون المستقبلي. إن إدخال جانب المعاملات التجارية إلى جانب التعاون، مثل تلك الموجودة في إيران، ينبغي أن يعطي مثلًا عن الحقيقة بأن المنافسة من خلال الوسائل الاقتصادية لا تتطلب الحصرية. وبهذه الطريقة، تمثل إيران البشير لمنافسةٍ تعاونيةٍ هنديةٍ صينيةٍ مستقبليةٍ في الشؤون الاقتصادية الجغرافية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
907