كوريا الجنوبية... من الغرب للشرق

كوريا الجنوبية... من الغرب للشرق

حاولت الولايات المتحدة أن توقد نيران الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، في المنطقة التي يتجمع فيها أكبر ناتج عالمي: بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى روسيا...ولكن «السحر انقلب على الساحر» وتحولت الأزمة، إلى تسويات كبرى، اضطرت الولايات المتحدة للانخراط فيها، لأنها كانت ستجري مع ترامب ودونه!

لم تمتنع الولايات المتحدة عن إبداء اعتراضها على تسارع التسويات بين الكوريتين، حيث نقل وزير الخارجية الكوري الجنوبي في الشهر الماضي، اعتراض بومبيو، واستياءه من عدم إطلاع الولايات المتحدة بشكل كافٍ على مجريات المفاوضات السلمية بين الكوريتين. وتحديداً اللقاء الذي جرى في الشهر التاسع، والذي وقعت فيه الكوريتان اتفاقاً عسكرياً، أقامتا وفقه منطقة حظر جوي على الحدود، واتفقتا على إنهاء التدريبات العسكرية، والبدء بإزالة الألغام الأرضية... وتدابير أخرى.
الرّبط التجاري الشامل
تتالت بعد ذلك الاتفاقات، التي تسجل انعطافاً في العلاقة بين الكوريتين، وانعطافاً عاماً لدى كوريا الجنوبية. آخرها كان ما تداولته وسائل الإعلام حول انطلاق التبادل التجاري بين البلدين، بالبضائع الرمزية، حيث حصلت كوريا الشمالية على بذور الفطر الكوري الجنوبي الثمينة، وستحصل كوريا الجنوبية على البرتقال بالمقابل من الشمال الكوري.
ولكن الربط التجاري الشامل في المنطقة هو من أهم علامات التّغيّر الكبرى في الشرق الأقصى، حيث يدل على التسارع في تعميق الترابط والاتفاقات، وبالتالي تمتين الاستقرار والسلام.
فمؤخراً أعلنت كل من كوريا الجنوبية وروسيا، عن إطلاق ممر عبارات بحري بين ميناءيهما الأساسيين في المنطقة: بوهانج في كوريا الجنوبية، وفلاديفوستيك في أقصى الشرق الروسي، يؤمن حركة شحن 50 مليون طن. وأُعلن أيضاً أنه سيتم في المستقبل القريب ربط هاتين المدينتين بموانئ كوريا الشمالية، «الأمر الذي سيساعد في تخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية، ومساعدة جميع البلدان على تطوير التعاون الاقتصادي ذي المنفعة المتبادلة» وفق ما قاله لي كانغ ديوك، محافظ مدينة بوهانج في كوريا الجنوبية، وهي أكبر مركز لإنتاج الصُّلب في البلاد. في أول منتدى روسي كوري للتعاون الإقليمي. حيث أشار أن الاتفاق سيؤمن وصول الفحم الروسي، إلى شركة صناعة الصُّلب الكورية الجنوبية بموسكو.
تجاوز العوائق الأمريكية
تتجاوز كوريا الجنوبية بسرعة العوائق الأمريكية، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي المستورد الثاني للبضائع الكورية الجنوبية، والمصدّر الثالث لكوريا. بحجم تجارة بلغ قرابة 120 مليار دولار في 2017، إلا أن هذا لم يمنع كوريا الجنوبية من السير باتجاه مصالح تأمين الطاقة الضرورية لها... وكانت سبّاقة في الوصول إلى اتفاقات التعامل بالعملات المحلية، مع إيران، في اللحظة الحالية التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات نفطية ومالية على إيران!
حيث أعلن في السابع من الشهر الحالي، موافقة كل من كوريا الجنوبية، وإيران على التبادل التجاري بالعملات المحلية، وتامين نظام مدفوعات وحسابات بنكية باستخدام العملة الكورية الجنوبية ألوون. حيث فاقت التبادلات التجارية بين البلدين 12 مليار دولار في العام الماضي، وأعلنت الشركات الكورية الجنوبية العاملة في إيران عن نيتها البقاء والاستمرار في استثماراتها هناك.
كما أن كوريا الجنوبية سبقت اليابان في الالتحاق بالمشاريع المقامة على الخط السيبيري الشمالي، الذي يمر على الساحل الشمالي الروسي، والذي تستثمر الصين في بناه التحتية، والذي سيربط الدول الآسيوية الأربع مع أوروبا بطريق بحري جديد، بديل عن الطريق الجنوبي الذي تشكل القوات الأمريكية ضغطاً وهيمنة عليه في مضيق ملقا تحديداً، حيث تمر صادرات الطاقة الرئيسة إلى الصين وكوريا الجنوبية واليابان.
الفرص المتاحة شرقاً
لا يزال على أراضي كوريا الجنوبية، أربعة مواقع لحاميات عسكرية أمريكية، وموقعان للقوات الجوية الأمريكية. كما أن الصين تعارض بقوة نشر صواريخ ثاد الأمريكية على أراضي كوريا الجنوبية... لتبقى الأدوات العسكرية الأمريكية تحاول خلق التوتر في المنطقة، وسيكون على كوريا الجنوبية المفاضلة قريباً بين التوتر الذي تخلقه هذه القوات، وبين الفرص المفتوحة من العلاقات الاقتصادية الفعالة مع الجيران في الإقليم. مفاضلة ترجح فيها الكفة لمصلحة كوريا إذا ما اختارت استقلالها العسكري، عِبر تعزيز استقلالها الاقتصادي، وتعميق روابطه الإقليمية.