مسمار آخر، في نعش «صاحب الجلالة»!

من الطبيعي أن تلقي الأزمة الاقتصادية الرأسمالية بظلالها على جميع جوانب العلاقات الدولية، فالتراجع الاقتصادي وخطر انهيار اقتصاديات الدول الرأسمالية المركزية كالولايات المتحدة وأوربا، نتج عنه صعود قوى دولية جديدة لتحتل موقعاً جديدا في عمليات الإنتاج، والتبادل التجاري، وإزاحة المنافسين من أسواق تابعة لها تقليديا،

ولكن كما يبدو أن ذلك يتم توظيفه في جوانب أخرى غير الاقتصاد أيضاً، فالقوى الصاعدة اقتصادياً « الصين الهند » مثلاً، تحاول أن  توفر قوى عسكرية مكافئة لوزنها الاقتصادي الجديد، ودورها على الساحة العالمية، وحسب دراسة صادرة عن المعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية - لندن - مؤخراً يتوقع الخبراء زيادة النفقات الدفاعية للصين والهند على مثيلاتها الغربيات التي انكفأت تحت وطأة الأزمة.

وفي حين شمل الادخار النفقات العسكرية 16 بلدا من بلدان الناتو الأوربية، غير أنه اتخذ أشكالاً مختلفة، بعض البلدان مثل فرنسا وبريطانيا حاولت الادخار من خلال العمل المشترك- عملاً بمبدأ الاعتماد المتبادل، الذي لا يخلو من الخطورة، بعد مرحلة من التوسع في النفقات العسكرية، قررت الولايات المتحدة الأمريكية الادخار في تكاليف هذا القطاع، وعلى العكس من ذلك تماما زادت النفقات العسكرية في العام الماضي بحوالي 3،15 في المائة جراء التضخم و ارتفاع أسعار الأسلحة و المعدات العسكرية.    

ويشير التقرير أن الولايات المتحدة والبلدان الغربية الأخرى تسعى للحفاظ على تفوقها النوعي على البلدان الأخرى كالصين مثلا، من خلال الاستمرار في عمليات البحث والتطوير.

ويبدو من خلال المعطيات الأولية هذه أن الولايات المتحدة التي كانت تريد أن تدعم اقتصادها المتهالك، بالحروب المفتوحة على أكثر من اتجاه ستخسر هذه المزيّة أيضاً.

وعلى الرغم من أن الدول الناهضة تزيد نفقاتها في جانب التسلح الدفاعي فقط، فأإن ذلك بحد ذاته مشكلة، لأن مجرد بروز قوى عسكرية جديدة قادرة على الدفاع عن نفسها وعن حلفائها يلجم موضوعياً قدرة الشركات الاحتكارية الدولية على استمرار النهب، سواء كان مباشراً، أو من خلال التبادل اللامتكافىء، وخصوصاً بعد الحديث عن عملة عالمية بديلة عن الدولار المهيمن في السوق، وهذا يعني قطع تلك الشرايين التي ظلت تغذي الاقتصاد الرأسمالي على مدى عقود، والذي كان سبباً أساسياً في «تفوقه» وهيمنته.

إن القوى الجديدة الناهضة التي بدأت عملية النهوض اقتصادياً بعد الأزمة، ثم كان الدور السياسي، وها نحن أمام ملامح دور عسكري جديد، لتكتمل بذلك عناصر تكون قطب جديد متكامل قادر على فرض نفسه كرقم جديد في شبكة العلاقات الدولية. 

إن القدرة على لجم النهب الامبريالي في ظروف الازمة الاقتصادية يعني عملياً دق مسمار آخر في نعش صاحب الجلالة «الرأسمال» لأن الأزمة، وكما يؤكد العديد من المختصين ومراكز الابحاث الدولية لا يمكن حلها، وجل ما تستطيع فعله الدوائر الامبريالية اليوم هي تأريض الأزمة في هذه المنطقة أو تلك من العالم، وإطالة عمر هذه البنية التي تجاوزها الزمن.

 

• قاسيون

معلومات إضافية

العدد رقم:
544