أيهما المستهدف، الموقف السوري أم حماس؟

لم يمض وقت طويل على زيارة وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط لسورية وتهديداته العلنية برفع الهراوة الغليظة إن لم ترضخ للطلبات الأمريكية، وأن وقت الشعارات قد ولى وجاء وقت التنفيذ، لم يمض وقت طويل حتى دخلت إسرائيل على الخط لتنفذ القسم العملي المطلوب منها، ولتضرب عصفورين بحجر واحد.

فقد صعدت الدولة الصهيونية يوم 27 أيلول الماضي من تهديداتها لسورية باغتيال أحد قادة حماس، عز الدين الشيخ خليل بدمشق، وقد اعترف قادتها بأنها تقف وراء هذه العملية الإجرامية، وأبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز أعضاء حكومته بأن قواته تعمل سرا ًوعلانية ضد مايسمونه بـ «الإرهاب» أي المقاومة الوطنية الفلسطينية.

استهداف المقاومة وسورية

إن هذا العمل الإجرامي لم يقصد به اغتيال أحد قادة المقاومة، بل أيضاً كانت سورية مستهدفة ً، وكانت إسرائيل أرادت من وراء ذلك أن تقول لدمشق بأنها ليست مكاناً آمناً للقيادات الفلسطينية، وأن أي مكان في سورية مستهدف أيضاً، وأن هذه الخطوة ماكانت إسرائيل لتخطوها لولا التشجيع الأمريكي لها، ولولاغض النظر الذي تسلكه الإدارة الأمريكية حيال الجرائم اليومية التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني المطالب بحقوقه المشروعة.

ظروف ارتكاب الجريمة

ولابد من وضع عملية الاغتيال في سياق التطورات الأخيرة، فقد جاءت بعد صدور قرار مجلس الأمن 1559 الذي يطالب بانسحاب القوات الأجنبية ـ أي سورية من لبنان وتفكيك البنى العسكرية للميلشيات فيها، ويقصد بها حزب الله، كما حدثت قبل أسبوع واحد من التقرير الذي يفترض أن يقدمه كوفي عنان إلى مجلس الأمن حول تنفيذ القرار المذكور، فضلاً عن أنه جاء في خضم حوار صعب تجريه واشنطن مع دمشق حول العراق وفلسطين ولبنان، وتحديداً حول مرتكزات الدور الإقليمي لسورية، وكذلك في ظرف غرق الإدارة الأمريكية في الانتخابات الرئاسية مما يسهل لحكومة شارون توسيع دائرة عدوانها على جيرانها وبخاصة على لبنان وسورية.

أغراض العملية

إن هدف العملية في هذا الوقت بالذات تحقيق عدة أغراض:

1 ـ التأكيد بأن الموساد وأجهزة التنفيذ الإسرائيلية الأخرى قادرة على العمل وبشكل ناجح.

2 ـ إعادة الاعتبار للقدرة الردعية لمفهوم اليد الإسرائيلية الطويلة.

3 ـ إشعار الفلسطينيين وسورية والعرب جميعاً بأن إسرائيل تعني ما تقول عندما أطلقت تهديداتها بلسان رئيس الأركان موشي يعلون بأن القادة الفلسطينيين بدمشق ليسوا في مأمن.

4 ـ أعدت العملية للتلويح لسورية بأنها لن تحظى بالحصانة، وأن عليها أن «تطرد» قيادات المنظمات الفلسطينية وبخاصة حماس من أراضيها. وهذا مطلب أمريكي أيضاً ورد على لسان وليم بيرنز أثناء زيارته الأخيرة لدمشق.

وأكد المعلق الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان في صحيفة «هاآرتس» بقوله: بأنه يمكن التقدير بأن إسرائيل تحظى بموقفها هذا بدعم (خفي) بل مكشوف من إدارة الرئيس بوش الذي يوجه سياسة تهديدية علنية ضد سورية بهذا الشأن.

تهديدات وإشارات أمريكية ـ إسرائيلية

لقد تكررت التهديدات والإشارات الأمريكية والإسرائيلية إلى أنه سيجري اختراق الأمن الداخلي السوري، بهدف ترهيب دمشق وفي الوقت ذاته توجيه إنذار إضافي لها، أو هو بداية لمسار جديد في التعامل معها.

وهذا يشير إلى أن ثمة قرارات أمريكية إسرائيلية بنقل المعركة إلى خارج العراق وفلسطين، وأن سورية هي الهدف المثالي وربما الوحيد المتوفر حالياُ، لايؤدي إلى التورط في مواجهة مؤجلة مع إيران، كما لايتسبب بأي إرباك لباقي دول الجوار العراقي في مهماتها الأمنية المحددة بدقة متناهية من قبل الأمريكيين.

صرف الأنظار عن العراق وفلسطين

إن ماتشهده السعودية بين الحين والأخر يمكن أن يتكرر في عواصم عربية أخرى، يود الأمريكيون والإسرائيليون أن تتحول إلى ساحات مواجهة مفتوحة، تخفف الضغط الأمني عن بغداد والقدس، أو على الأقل تصرف الأنظار عما يجري في هذين البلدين المنكوبين.

اختراق لقواعد اللعبة الإقليمية

إن نقل المعركة إلى خارج الأراضي الفلسطينية، باغتيال عز الدين الشيخ خليل في قلب دمشق، أو قريباً منها في مخيم الزاهرة، يعد الأول من نوعه، ويعتبر اختراقاً لقواعد اللعبة الإقليمية، ولكنه يشير إلى أن خطوات واشنطن العدوانية تجاه سورية تتسارع وتنذر بخطر جسيم يجب تداركه قبل فوات الأوان.

وكانت جريدة الحياة اللبنانية قد نشرت قبل يومين من حادث الاغتيال معلومات تفيد بأن أحد أجهزة الاستخبارات العربية الأردن أو مصر ـ سلم أجهزة الموساد ملفاً تفصيلياً عن قيادة حماس في الخارج في إطار وجود قرار إسرائيلي باستهداف مسؤولي الحركة في الخارج بعد العملية المزدوجة لحماس في بئر السبع، مطلع الشهر الجاري.

نقل التهديدات الأمريكية إلى قلب دمشق

 

لقد نقلت الولايات المتحدة تهديداتها إلى قلب دمشق مباشرة، ويجب أن يعتبر هذا العدوان إنذاراً جدياً لسورية إن لم ترضخ للطلبات الأمريكية وشروطها فالمخططات العدوانية الأمريكية وضعت لتنفذ لأنه لاسبيل أمامها لتجنب الأزمة الداخلية عندها إلا بالعدوان على البلدان الأخرى وخصوصاً بلدان الشرق الأوسط، وفي المقدمة سورية، وهذا يقتضي بسرعة كبيرة تحصين الوضع الداخلي من جميع جوانبه والاعتماد على الشعب في الدفاع عن استقلال الوطن وحريته وكرامته والتخلي نهائياً عن الأوهام التي تراود عقول بعض الناس بأنه يمكن تفادي العدوان المتسارع المقبل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
231