المشهد الانتخابي الفرنسي:  تساوق مع الموازين الدولية

المشهد الانتخابي الفرنسي: تساوق مع الموازين الدولية

تعمل «النخب» الحاكمة في فرنسا، على خداع الفرنسيين في كل انتخابات تجري باسم «الديمقراطية الفرنسية» المزعومة. إحدى أشكال الخداع، هي: وجود «يسار ويمين» يتناوبان على تداول السلطة عن طريق الانتخابات. وفي الواقع، فإن خيارات الناخبين الفرنسيين فعلياً، هي: بين اليمين واليمين، بين من يزاود على الآخر في استمرار خطة «بارلو» الليبيرالية، ومن سيسرح عدداً أكبر من الموظفين.

جرت الدورة الأولى للانتخابات التمهيدية لأحزاب اليمين يوم الأحد 20 تشرين الثاني 2016، وكانت نتيجة فرز الأصوات حصول رئيس الوزراء الأسبق، فرانسوا فيون، على 44.1% من الأصوات، وهو ما أدى إلى دخوله الدورة الثانية للانتخابات، ويليه رئيس الوزراء الأسبق، آلان جوبيه، بحصوله على 28.2% من الأصوات، فيما خرج الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، من الدورة الأولى بعد حصوله على 21% فقط من الأصوات، وأقر ساركوزي بهزيمته، معلناً أنه سيصوت لصالح فيون في الدورة الثانية، وموضحاً أن توجهات فرانسوا فيون السياسية أقرب إلى مواقفه.

الدورة الثانية

بعيداً عن التقييمات، وتوصيفات الإعلام العالمي حول «اليمين» و«اليسار» الاسميين، انطلقت الجولة الثانية من الانتخابات التمهيدية لأحزاب اليمين، في فرنسا الأحد 27 تشرين الثاني، لاختيار مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في نيسان 2017. ورجح استطلاع للرأي لمعهد «إيفوب» للدراسات مؤخراً أن يفوز فيون بـ65% من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط.

وانطلاقاً من تراجع شعبيته والانقسامات داخله، فإن «اليسار» الشكلي الحاكم قد يخرج من الدورة الأولى في أبريل نيسان 2017. وهذا يعني وفق استطلاعات الرأي أن المواجهة النهائية قد تكون بين مرشح اليمين المنبثق من الانتخابات التمهيدية، وزعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان. 

تسريح نصف

 مليون عامل

يرتبط صعود القوى المناهضة للاتحاد الأوروبي في فرنسا، بتفسخ الاتحاد الأوروبي، والأزمة الشبيهة بالمستنقع، التي تفعل فعلها بسبب وصول النموذج الليبرالي الجديد إلى طريق مسدود ومأزوم.

ومنذ «خطة بارلو» التي زعزعت المجتمع الفرنسي، والتي بدأ تطبيقها في عام 1995، تعاقبت أحزاب مختلفة على حكم فرنسا خلال عقود، والكل راكم تنفيذ السياسات الليبيرالية الجديدة خلال فترة حكمه، كما فعل الحزب الحاكم، وربما الحزب الذي سيحكم منذ نيسان 2017.

ويصرّ المرشح، فرانسوا فيون، على أن تكون لكل دولة داخل الاتحاد الأوروبي سيادتها، ويحث على ضرورة إجراء «إصلاحات» في المنظومة الأوروبية، بسبب تصاعد الخلافات مع ألمانيا حول مستقبل أوروبا. 

وكان العام الحالي مليئاً باحتجاجات وإضرابات العمال، مثل: الإضراب العام الشامل، الذي نفذته مجمل النقابات، احتجاجاً على مشروع قانون العمل الليبرالي قبل أشهر، بالإضافة إلى تنظيم إضرابات قطاعية أسبوعياً.

منذ منتصف تشرين الثاني الماضي، خاض عمال قطاع الصحة في فرنسا وعلى رأسهم الممرضون والممرضات، إضراباً عن العمل في مختلف جهات البلاد بتنظيم مظاهرات، من بين أهمها تلك التي انطلقوا فيها من جادة مونبارناس في العاصمة باريس باتجاه وزارة الصحة، وذلك استجابةً لنداء النقابات للتعبير عن غضبهم إزاء تدهور ظروف ممارستهم عملَهم.

هذه الحركة الاجتماعية حرَّكتها سلسلةٌ من الانتحارات في أوساط المهنة، خلال الأشهر الأخيرة، يُعتقَد أنها مرتبطة بقساوة ظروف العمل، حسب تصريحات، جان فيني، الأمين العام لإحدى نقابات القطاع الصحي في فرنسا. وطالب العمال المضربون بحماية نوعية للعلاج وحياة أفضل في العمل.

كما نظمت مظاهرات أخرى في مدينتي ستراسبورغ وران، في انتظار كشف وزارة الصحة بحلول نهاية العام الجاري، عن استراتيجية لتدارك الوضع، لا سيما بالنسبة إلى الممرضين والممرضات.

العلاقة بين الداخلي والخارجي

لا يزال مشهد الانتخابات الفرنسية المقبلة مشوشاً، فمن جهة، يحمل أبرز المرشحين، فرانسوا فيون، برنامج علاقات خارجية متميز، يتعلق بالموقف الرافض لسياسات الهيمنة التي يمارسها الاتحاد الأوروبي، والداعي لتعزيز العلاقات مع روسيا، بوصفها قوة صاعدة في وجه السيادة الأمريكية على العالم، وإعلانه «الأولي» عن موقف «متوازن» إلى هذا الحد أو ذاك من أزمات المنطقة، وبشكل خاص الملف السوري، ما يعني فعلياً أن مواقف فيون هي تساوقٌ براغماتي، وواقعي لا بد منه، مع التحولات في موازين القوى الدولية الجديدة، وتغيراتها على الصعيد العالمي.

لكن، ومن جهة أخرى، تترك السياسات النيوليبرالية - التي اعتادت مجمل القوى السياسية على تبنيها - الناخبين الفرنسيين أمام استحقاق كبير من نوعه، فإن كان التوجه نحو الخروج من المآزق التي تعتري السياسة الخارجية الفرنسية، هو: ضرورة موضوعية، إلا أن ذلك من المستحيل له أن يجري على حساب المعركة الاقتصادية الاجتماعية التي تقودها النقابات العمالية، والتي تمثّل أولى أولويات الغالبية الساحقة من المجتمع الفرنسي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
787