استعمار قديم بثياب ثقافية: أولويات الخروقات الأمريكية: التعليم والصحافة

■  تمويل الانقلابات العسكرية والعصابات المسلحة.

■ الشرائح «المثقفة» تحصل على على الهبات وتنتظر الإشارة لتسويق السياسة الأمريكية

■ «الحرية» و«الديمقراطية» و«مناهضة الشيوعية» شعارات براقة ترفعها دمى ... تأتمر بأوامر الـ«CIA».

تنشط منذ فترة، في سورية مجموعات التمويل الثقافي متعددة الجنسيات على الساحة السورية، وتلعب السفارة الأمريكية دوراً كبيراً في هذا المجال، بالإضافة إلى الجمعيات غير الحكومية التي تنشط بطرق مختلفة إما داخل أو خارجها، والتي توجه إلى الجمهور السوري. تعمل هذه الجمعيات الممولة ضمن مجموعة كبيرة من الجمعيات التي تعمل تخريبها الثقافي في الكثير من بلدان العالم، وفي هذا المقال نستعرض آليات الإدارة الأمريكية والتي باتت مفضوحة وتتحدث بها علناً.

المنظمات الأمريكية لتخريب العقول:

فقبل فترة قريبة استعرضت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون التعليمية والثقافية ا باتريشيا هاريسون أمام لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الأمريكي، الجهود الأمريكية لسياسات الاختراق الثقافي في العالم العربي والإسلامي خلال السنوات الاخيرة. موضحة الإستراتيجية بأنها قائمة على أساس التفاعل مع الجماهير الأجنبية لتعزيز تفهمهم للقيم والسياسات والمبادرات الأمريكية. بعد 11 ايلول، تغيرت وجهة التمويل بهدف التحرك بسرعة للوصول للنخب المؤثرة على الشباب، من وزراء التربية إلى الأساتذة ورجال الدين والرياضيين والأهالي. وفي هذا الإطار ليستضاف ما يزيد على 30 ألف ضيف ضمن برامج التبادل الأكاديمي والثقافي والمهني سنويا ...

وكانت الوسائل المتبعة للعمل في هذه البرامج تتم عن طريق 1500 منظمة عامة وخاصة لأجل تحسين الحياة في المجتمعات عبر العالم أكثر من 140 زاوية أميركية تعمل ضمن برنامج "أميركان كورنر" حيث يجد الزائر في إحدى الزوايا الأمريكية المتواجدة في الجامعات أو المكتبات، كمبيوترات وكتب ومجلات ومعلومات حول الحياة في أميركا وحول الحكومة الأمريكية.

ليزداد مركز الصحافة الأجنبية للمطبوعات والإذاعة عدد الزيارات المنظمة للصحفيين الأجانب إلى أميركا بصورة محسوسة، حيث ان 50% من هؤلاء الصحفيين من بلدان عربية، وقد أدخل المركز ضمن برمجته مجموعة من التقارير الصحفية الموجزة والمعدة خصيصا لوسائل الإعلام العربية والمسلمة. وفي لندن تقول السيدة هاريسون أوجدنا مركز التواصل مع الوسائل الإعلامية الذي يعمل بقوة للتواصل مع الوسائل الإعلامية العربية في لندن والتي تتمتع بتوزيع أوسع في الشرق الأوسط .

بالإضافة للمنتجات التلفزيونية والفيديو التي تشكل أدوات استراتيجية قوية لإيصال رسالة السياسة الخارجية الأمريكي ة إلى المشاهدين في العالم، ومنها إنتاج قصص تحمل "أخباراً سارة" عن إعادة الإعمار في أفغانستان والعراق .

يبلغ تمويل مبادرة الشراكة للشرق الأوسط 250 مليون دولار وهي تشجع الإصلاحات لأجل توسيع المشاركة السياسية، مع التشديد على الفرص المتاحة للنساء والشباب .. ومبادرة "الشراكة من أجل التعليم" توجه مبادلات المبادرة نحو الشباب والذين يؤثرون على الشباب في العالم العربي من أجل بناء علاقات طويلة الأمد ودائمة.

NDI والجمعيات الأهلية:

في هذه الأجواء أثيرت في البحرين قبل فترة مسألة تمويل المعهد الديمقراطي الأمريكي (NDI) لبعض الجمعيات الأهلية. شارك فيه مثقفون وناشطون أهليون تمحور حول: هل يجوز تلقي الهبات المالية والمساعدات اللوجستية من مؤسسة أميركية، أم أنه على الجمعيات الأهلية مقاطعة هذه الأشكال من التمويل.

لتبرز قضية الدكتور سعد الدين إبراهيم في مصر بتهم ترتبط بالتمويل الأجنبي لمركزه وأهداف التمويل، لتؤشر إلى صعوبة وتعقيد في طرح الملفات المتعلقة بهذا النوع من التمويل، خصوصاً في ظل أنظمة حكم عربية تتعامل بكثير من الاستنسابية مع كل أشكال العمل السياسي والأهلي. يمكن لسلطة عربية، كما حال الحكومة المصرية في قضية مركز ابن خلدون، أن تلجأ إلى القمع مستخدمة القضاء ومستخدمة خطابا وطنياً يعرف الجميع مدى ركاكته، خصوصاً في حالة مصر التي تتلقى اكبر قدر من المعونات الأمريكية في الشرق الأوسط بعد إسرائيل.

لكن وجود سياسات أنظمة عربية تفتقد إلى الحد الأدنى من شرعيتها الشعبية ولنزاهة سلوكياتها القانونية، لا تعني إغفال تناول هذا الملف، حينما يكون تمويل بعض الجمعيات والأنشطة الثقافية والإعلامية والتربوية، مصدره الولايات المتحدة. وحين يبدو أن الجهة الممولة لنشر ثقافة الديمقراطية في العالم العربي، هي الجهة الممولة نفسها لأعتى الأسلحة المستخدمة ضد الشعوب العربية .

هنا يتوجب على "المثقف" الذي يتلقى الهبات، مهام الشرح والنقاش. فهذا المثقف نفسه، الذي لا نريد تصنيفه في خانة "المتهم"، سبق له أن وجّه الاتهام حينما تعلق الأمر بـ"كوبونات نفط" تلقاها من نظام عربي ديكتاتوري. فهل من اختلاف بين كوبونات صدام وبين الكوبونات الأمريكية؟

المثقف والتمويل الخارجي:

سنحاول من خلال بعض الإضاءات، الإسهام في هذا النقاش، ودفعه إلى الأمام، ليس في سياق تراشق الاتهامات، وإنما لضرورة ترشيد ممارساتنا وسلوكياتنا "الديمقراطية". سنحاول أيضاً تبيان أن مصدر التمويل الأمريكي، المستخدم لنشر "ثقافة الديمقراطية" وفقا لإعلانات أصحابه، لا يعدو كونه نشراً للدعاية الأمريكية الموازية ضمن ثنائية السياسة الخارجية الأمريكية: الحرب والدعاية. سنحاول أيضاً، أن نتهم: أن الذي يمول نشر ثقافة الديمقراطية في خدمة الحرب على الإرهاب، هو نفسه الذي سبق أن موّل في وقت من الأوقات الإرهاب والديكتاتورية.

أن الأموال التي تحض على نفي عقيدة أسامة بن لادن، هي التي اعتبرت ابن لادن يوما "مقاتلاً من اجل الحرية".

نيسان 2002: فنزويلا

في 11 نيسان 2002 قامت مجموعة من الضباط الفنزويليين بمحاولة انقلاب على الرئيس هوغو شافيز، وذلك بعد ساعات من إطلاق قناصة النار على تظاهرة دعم للرئيس الفنزويلي قتل فيها ما لا يقل عن 17 شخصاً. ألقي القبض على مطلقي النار، لكن خلال الأيام الثلاثة الفاصلة بين محاولة الانقلاب الدموية واستعادة شافيز مقاليد الحكم في 14 نيسان، كان الانقلابيون قد أطلقوا سراح هؤلاء. وبإطلاق سراحهم، بقيت هويتهم وهوية الجهة التي تقف وراء إطلاق النار مجهولة. لكن حقائق وخفايا محاولة الانقلاب على الرئيس الفنزويلي المنتخب لم تزل إلى الآن تشغل الكثير من الأوساط السياسية والإعلامية.

والنقطة المثيرة في الموضوع هي مدى تورط الإدارة الأمريكية في الانقلاب الفاشل، ووسائل الدعم التي قدمتها للمعارضة الفنزويلية. الثابت أن الإدارة الأمريكية قدمت دعماً مالياً ولوجستيا و"نصائح" إلى المعارضة الفنزويلية، وهو ما كشفته مقالات نشرتها نيويورك تايمز والواشنطن بوست في تلك الفترة والتي تحدثت عن دعم مالي بواسطة إحدى المؤسسات الأمريكية العامة مقداره مليون دولار للمعارضة وكانت تحضر عشية انقلاب نيسان 2002 لتقديم مليون آخر. وتشير معلومات مستقاة من شهود إلى أن البحرية الأمريكية كانت قد وضعت بارجات حربية قبالة شواطىء فنزويلا عشية الانقلاب لإمداد الانقلابيين بالمعلومات.

أما المؤسسة التي قدمت الدعم المالي فهي المؤسسة الوطنية من اجل الديمقراطية Nati●nal End●wment F●r Dem●cracy NED، وهي مؤسسة عامة يمولها دافعو الضرائب في الولايات المتحدة.

"المحاربون من أجل الحرية"

منذ 1984 انتقل تمويل منظمة "المحاربين من أجل الحرية" في أفغانستان من الرابطة العالمية لمناهضة الشيوعية WACL إلى مؤسسة عامة أميركية. "المحاربون من أجل الحرية" كانت تتلقى دعمها الرئيس من لجنة أفغانستان الحرة، وهذه الأخيرة تأسست إثر زيارة قامت بها إلى واشنطن رئيس الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر برفقة اللورد نيكولاس بيتهل. وقد ترأس لجنة أفغانستان الحرة الجنرال ميلنور روبرت.

أما "المحاربون من أجل الحرية" فقد قادها مدير الـCIA نفسه وليام كاسي، وأدارها "رجل الأعمال السعودي المناهض للشيوعية" أسامة بن لادن، الذي لم يكن قد ظهر بعد بوصفه قائداً لـ"المجاهدين". (عام 1983 وزّعت الـWACL قطنيات عليها صورة ابن لادن مع شعار "ادعموا المقاتل الأفغاني من أجل الحرية. إنه يقاتل من أجلكم!". نسّق العلاقة بين رابطة مناهضة الشيوعية وأسامة بن لادن أحد وسطاء مجموعة بن لادن للأعمال الشيخ أحمد صلاح جمجون.

لكن منذ 1984، وحينما بدأت متاعب رابطة مناهضة الشيوعية بسبب تورطها في فضيحة إيران غيت، انتقل تمويل أنشطتها الدعائية إلى مؤسسة أميركية أخرى. تولت المؤسسة الوطنية من أجل الديمقراطية NED هذه المهمة!

NED: أداة صراع أفكار في الحرب الباردة

انطلقت المؤسسة في عهد الرئيس رونالد ريغان كتتويج لمسيرة من الدعم الخفي والعلني للقوى المعادية للشيوعية في العالم، وإحدى أدوات الحرب الباردة المكلفة بخوض صراع الأفكار والأيديولوجيات. فحتى 1960، ووفقا لتوثيق المؤسسة نفسه، كانت الـCIA تقدم الدعم المالي لمؤسسات عامة أميركية بهدف تسويق الأفكار الأمريكية. وفي 1967 اقترح عضو الكونغرس الأمريكي Dante Fascell إنشاء معهد العلاقات الخارجية لدعم وتمويل "تسويق القيم الديمقراطية".

ومع عهد الرئيس جيمي كارتر بدا أن أهمية صراع الأفكار في سياسات أميركا الخارجية وصل أوجه، فجعلها في صلب سياسته الخارجية. لكن تأسيس الـNED جاء بعد مبادرة أطلقها الرئيس رونالد ريغان "لدعم الديمقراطية والصحافة الحرة والأحزاب" التي تتواءم مع هذه الطروحات. فأُطلقت NED.

من الحرب الباردة

إلى "الحرب على الإرهاب"

في خطاب ألقاه في مكتبة الكونغرس بمناسبة افتتاح معرض ونستون تشرشل في 4 فبراير 2004، قال الرئيس جورج بوش "طلبت من الكونغرس مضاعفة موازنة المؤسسة الوطنية من أجل الديمقراطية ورفعها إلى 80 مليون دولار. ومهامها الجديدة ستكون تشجيع الانتخابات الحرة، واقتصاد السوق، وحرية الصحافة، والحرية النقابية في الشرق الأوسط.. لقد قدمت المؤسسة خدمات حيوية خلال الحرب الباردة، ونحن نحدد مهمتها اليوم (لدعم) الحرية في الحرب على الإرهاب".

عملياً، قدمت NED خلال التسعينات على الأقل دعماً مهماً لمئات المنظمات غير الحكومية في العالم العربي، على شكل هبات ممولة لمشاريع دعاية وتربية. ووفقاً لجدول بالهبات منذ 1994، يتبين أن معظم هذه الهبات التي دفعتها NED تتعلق بمشاريع صحافة ونشر وأبحاث سياسية واقتصادية، وتربية وشباب، وحقوق مرأة وحقوق إنسان، وأحزاب سياسية، ونقابات.

وتمنح هذه إما مباشرة من NED أو بواسطة توائمها الأربعة.

الجهات المستفيدة:

لبنان: المبادرة من أجل تعليم ديني حر في لبنان، المركز اللبناني للدراسات السياسية، Generati●n f●r the integrity ●f Leban●n، المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، رابطة المرأة العاملة، مجلة شؤون جنوبية، مجلة بلديات، مؤسسة رينيه معوض، جمعية الشفافية، المؤسسة العاملية الخيرية، التجمع من أجل الانتخابات البلدية في لبنان، جمعية جيل. وغيرها...

الضفة الغربية وقطاع غزة: مركز حرية الإعلام في الشرق الأوسط، معهد فيلم أورشليم، مركز المقدس، صوت الشباب، المركز الفلسطيني للأبحاث والدراسات، مركز غزة للحقوق والقانون، الاتحاد العام للمراكز الثقافية، معهد الإعلام الحديث، مساعدات فلسطينيات في منطقة قروية، مركز إعلام حقوق الإنسان الفلسطيني، مرصد حقوق الإنسان الفلسطيني...

الأردن: معهد الإعلام العربي، مركز الدفاع عن حرية الصحافيين، صحيفة المشرق، مركز أبحاث الأردن الجديد....

مصر: جمعية حقوق الإنسان المصرية، معهد القاهرة لحقوق الإنسان، المركز المصري للدراسات الاقتصادية، المركز المصري لحقوق المرأة، مجموعة التنمية الديمقراطية، مركز ابن خلدون لدراسات التنمية،

العراق: الجمعية الأمريكية للأكراد، مركز بادلايزي الثقافي، المعهد العراقي للإصلاح والثقافة الديمقراطية، مؤسسة العراق الحر....

الكويت: المعهد العربي الحر الآسيوي الأمريكي ...

البحرين: لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين...

اليمن: المعهد الديمقراطي العربي، أحزاب سياسية، معهد العالم العربي....

تونس: المفوضية الدولية للحقوقيين....

الجزائر: أحزاب سياسية، لجنة عائلات المفقودين في الجزائر....

المغرب: المعهد العربي لحقوق الإنسان في منطقة المغرب العربي، منتدى المواطنية، الجمعية الديمقراطية للمرأة المغربية، منشورات الـFennec.....

بريطانيا: دار الساقي ومجلة Awab J●urnal التي تصدر عنه...

الشرق الأوسط (عام): المركز الأمريكي للتضامن العمالي العالمي (موّل مشاريع وبرامج لاتحادات عمالية عربية ونقابات)، مركز الأبحاث والمعلومات الفلسطيني الإسرائيلي، مركز حرية الإعلام في الشرق الأوسط، مؤسسة نشر الديمقراطية والتغيير السياسي في الشرق الأوسط، المنتدى العالمي للحوار الإسلامي، جمعية أبحاث السلام العالمي...

وعادة ما تمول NED مشاريع بعينها تنفق على جمعيات أهلية عديدة مشاركة، دون الحاجة إلى تبنيها من جمعية محددة. وتبين جداول الهبات من بداية التسعينات وحتى العام الحالي تركيزا كبيرا على الهبات التي تتعلق بمشاريع إعلامية أو دور نشر. ومع أنه لا يمكن التحديد بدقة كيفية إنفاق الهبات المالية لناحية توزيعها، إلا انه مما لا شك فيه أن نسبا غير قليلة تصرف على شكل أجور ثابتة أو مكافآت لموظفين وباحثين وعاملين في المشاريع الممولة. ومما لا شك فيه أيضاً، أن الشريحة المستفيدة من هذه الهبات تنتمي إلى "الانتلجنسيا" المثقفة من صحافيين وطلاب جامعات وطلاب دراسات عليا وموظفي الجمعيات الأهلية.

وتقوم بين الجمعيات المستفيدة علاقات وثيقة وتعاون تحدده أدوار كل منها، بحيث يمكن للهبة المالية أن تمر بمراحل عديدة قبل الوصول إلى مصدرها الأساسي.

أمثلة التمويل في لبنان:

-1 عام 1997 دفعت NED مبلغ 36300 دولار لصالح المركز اللبناني للدراسات السياسية بهدف تمويل المرحلة الثانية من سلسلة منشورات تصدرها بعنوان "أنت والقانون".

-2 في عام 2001 خصصت NED مبلغ 252801 دولار للمعهد الوطني الديمقراطي للعلاقات الخارجية NDI على أنشطة جمعيات غير حكومية.

-3 في 1995 خصصت NED مبلغ 89953 دولار للمعهد الوطني الديمقراطي NDI لصرفها على برامج عمل مع منظمات أهلية في لبنان من أجل دعم انتخابات نيابية نزيهة وشفافة كانت مقررة في أب 1996، وشملت هذه المساعدة أيضا تقديم تمويل لنشاط مراقبة الانتخابات من قبل جمعيات غير حكومية.

-4 في 1998 خصصت NED مبلغ 51670 دولاراً لمؤسسة رينيه معوض لتمويل مجلة "حريات" التي استكتبت صحافيين وطلاب جامعات.

إن هذه الأمثلة اختيرت بعشوائية، ولم تخضع إلى دراسة، ويمكن للراغبين في الإطلاع على المبالغ التي أنفقت منذ التسعينات وحتى الآن على جمعيات أهلية ومشاريع في لبنان أو العالم العربي او العالم مراجعة موقع NED على الانترنت.

تمويل شعارات الشفافية.. يفتقد إلى الشفافية

وتبرز الإشكالية حينما يكون واضحاً أن هدف التمويل المعلن حينما يكون مصدره NED هو دعم "قيم الديمقراطية" والشفافية. في هذه الحالة تقع الجهات المستفيدة في تناقض مع الشعارات التي تسوّقها. وبمقاييس اقتصاد السوق، يصبح تبادل السلع والخدمات في هذه الحالة غير شرعي.. أقرب إلى "الاقتصاد المافيوزي" السائد في العالم العربي.

إلى أين؟

لم يكن التمويل في يوم من الأيام معادلة سهلة في العمل العام، السياسي أو الاجتماعي. فلطالما ارتبط التمويل بأهداف سياسية لمصالح متضاربة ولدول وقوى تعمل في العلن والخفاء على توسيع قاعدة شركائها في العالم.

وإذا كان مبررا لجمعيات أهلية تلقي هبات مالية أو مساعدات لوجستية تحت شعار الحفاظ على استقلاليتها عن السلطة السياسية، فإن هذه المبررات تسقط حينما يتعلق الأمر بتلقي مساعدات مالية من سلطة أخرى لا تتورع عن تمويل انقلابات وعصابات مسلحة، وعن خرق متماد لحقوق الإنسان في العالم، ولحقوق الإنسان العربي بشكل خاص، وعن كونها الراعي الأكبر لنظام عنصري عدواني في فلسطين المحتلة.. الخ. لا يمكن عزل مسألة التمويل الحكومي الأمريكي عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، القائمة اليوم على ثنائية الحرب والدعاية.

وإلا بأي معنى تصبح الحرب الأمريكية على مصادر تمويل الجمعيات الخيرية الإسلامية مبررة في المنطق الأمريكي الذي يحرّك الحرب على الإرهاب؟

إن المبالغ التي تصرفها الولايات المتحدة لتمويل النشاط غير الحكومي ليست كبيرة حتما.. بل هي تافهة مقارنة بما تصرفه على تمويل حملاتها الحربية في أكثر من مكان في العالم. لكن أهميتها تنبع من أنها تُدفع لشريحة اجتماعية متعلمة ومثقفة لها تأثيرها المهم في الحياة السياسية والاجتماعية.

فبأي بعد يمكن تقبل المساعدات الحكومية الأمريكية إذا كان القصد مواجهة سياسات الإدارة الأمريكية نفسها في المنطقة؟

وبأي بعد يمكن الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان العربي، إذا كان المال الذي يشتري الرصاص لقتل المدنيين في العراق وفلسطين، هو الذي يموّل نشرة أو مجلة أو جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان؟

ألا يستدعي هذا التناقض وقفة للتفكير ملياً بجدوى التمويل الأمريكي وأهدافه؟

 

بل ألا يستدعي كل ذلك دعوة ليس فقط لمقاطعة التمويل الحكومي الأمريكي، بل أيضاًلمقاطعة أولئك الذين يستفيدون منه؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
230