«لارزاك» 2003:  التجمع العالمي المناهض للعولمة

احتشد أكثر من 110 آلاف شخص، كانوا قد اجتمعوا صباح يوم 9 آب الجاري في لارزاك (آفيرون) في اليوم الثاني للتجمع المناهض للعولمة ضد قمة منظمة التجارة الدولية، التي سوف تنظم بين العاشر والرابع عشر من أيلول القادم في كانكون، في المكسيك.

وهكذا، فقد تجاوز تدفّق الناس بكثير توقعات تجمّع «بناء عالمٍ متضامن» - والاتحاد الفلاّحي، وأتاك، والـ G10، وحركة هجرة الريف، وغرينبيس - التي توقعت استقبال عددٍ يتراوح بين 50 ألف و100 ألف شخص في الأيام الثلاثة للتجمّع.

وفق التقدير الصادر عن بلدية آفيرون في حدود الساعة الواحدة ظهراً، كان عدد المتواجدين يوم السبت في الموقع يتراوح بين 45 و 50 ألف شخص، بينما قدّر المنظّمون عددهم بأكثر من 110 آلاف شخص. لكن في حين ستجري مساء السبت حفلةٌ كبرى يشارك فيها المغني مانو تشاو ومجموعة آسيان داب فاونديشن، فمن المتوقع أن تصل آلافٌ أخرى جديدة من الناس إلى لارزاك.

وهكذا، وبالاتفاق مع البلدية، أعلنت كريستين تيلين، منظّمة مجموعة «بناء عالمٍ متضامن» أنّهم ربما يغلقون المكان إذا لم يتناقص تدفّق الناس حتى الرابعة من بعد ظهر يوم السبت. 

وقد اضطر أصحاب السيارات الذين وصلوا يوم الجمعة إلى الموقع للانتظار فترة تراوحت بين ثلاث وخمس ساعاتٍ على الطرق لقطع المسافة التي تفصل قرية لاكافاليري عن موقع التجمّع في المنطقة المدعوّة «ليبلاس»، رغم أنّها لا تتجاوز عشرة كيلومترات. وفي الواحدة والنصف من ظهر يوم السبت، كان طول صفّ السيارات يتراوح بين 8-10 كيلومترات جنوبي الموقع وستة كيلومترات شمالي الطريق التي تربط بين ميلاو ولارزاك.

ومع موجة الحرّ التي سادت المنطقة الصخرية في لارزاك، حيث تجاوزت الحرارة 40 درجة مئوية في الشمس، تشكّلت صفوف انتظار طويلة منذ التاسعة من صباح السبت أمام صهاريج توزيع المياه التي وضعت في أماكن متعددة من الموقع.

وأعلن سبياستيان، 20 عاماً، بابتسامةٍ ساخرة وهو ينتظر أمام أحد الصهاريج مع حوالى مئة شخصٍ آخرين: «الوقت يمرّ بسرعةٍ هنا». وأضاف، متفلسفاً: «ينبغي على المرء أن يكون صبوراً في لارزاك.»

في البداية، تمّ تخزين نحو 200 ألف زجاجة مياه من سعة 1.5 لتر في الموقع لإرواء عطش المشاركين خلال الأيام الثلاثة للتجمّع. لكن بمواجهة موجة الحرّ، طلبت البلدية في المساء من كلّ واصلٍ جديد أن يحمل معه زجاجات الماء. 

وقد وصل صهريجان جديدان بسعة 30 ألف لتر من الماء يوم السبت إلى الموقع، ويفترض كذلك أن تصل حوالى 100 ألف زجاجة ماء إضافية إلى لارزاك.

كما تنافس المشاركون، الرازحون تحت وطأة الحرارة السائدة، في حماية أنفسهم من أشعة الشمس وهم يحملون زجاجات المياه: مظلات، مناديل، قبعات من القش، كوفيات، وأغطية للرأس مصنوعة من مواد مختلفة، كلّها لوّنت بهذه الصورة مساحة الموقع البالغة نحو 100 هكتار.

لكن على الرغم من موجة الحرارة، لم يحصل أيّ حادثٍ خطير في الموقع أثناء اليوم الأول للتجمع، أي الجمعة، وفق ما قالته الدكتورة جينيت مارشيف، المسؤولة عن الخدمات الصحية في الموقع.

وقد قام عناصر الإسعاف يوم الجمعة بإخلاء خمسة أشخاص مصابين بالتواءات أو كسور أو جروح. وفي اليوم نفسه، راجع نحو 500 شخص المراكز الصحية الستة الموزّعة في أماكن مختلفة من الموقع، وكان معظمهم يشكون من الصداع الناتج عن الحرّ أو يعانون من ضربة شمس.

جوزيه بوفيه يدعو

إلى جعل شهر أيلول «حارقا»

وكان قد افتتح جوزيه بوفيه، الذي خرج من السجن قبل أيام،  تجمّع لارزاك بعد ظهر يوم الجمعة في 8 آب 2003 تحت الشعار المزدوج للحركات الاجتماعية: في الربيع والنضال ضدّ منظمة التجارة الدولية، ودعا إلى «أن لا يكون شهر أيلول حاراً، بل حارقا»، وذلك أمام عشرات آلاف الأشخاص.

وشرح الناطق باسم الاتحاد الفلاّحي قائلاً: «نحن صلة الوصل بين الحركة الاجتماعية في الشارع منذ الربيع وأولئك الذين يرفضون مشاريع منظمة التجارة الدولية»، وذلك في بداية المنتدى الأول للتجمع، المكرّس لمنظمة التجارة الدولية ومؤتمر القمة الذي ستعقده في كانكون (المكسيك) بين العاشر والرابع عشر من أيلول القادم.

وتابع أمام أكثر من عشرة آلاف شخص اجتمعوا في حقلٍ حول منصة، على أراضي مقاطعة أوسبيتاليه لارزاك قائلاً: «نحن نرفض مونسانتو في حقولنا ومجموعة آكسا وبيبيار في الضمان الاجتماعي».

وقال جوزيه بوفيه: «علينا أن نحضّر لأن لا يكون شهر أيلول حاراً، بل حارقاً، حيث ينبغي أن ينزل الجميع إلى الشارع». وأضاف قائلاً: «بعد شهر، أراهن على أننا سوف نفشل منظمة التجارة الدولية في كانكون. إذا شحذنا جهودنا، فإننا سوف نتمكّن من ذلك».

وطالب النقابي الفلاّحي رئيس الوزراء الفرنسي جان بيير رافاران بأن تكون لديه «الشجاعة لإقامة نقاش قبل قمّة كانكون».

ثمّ استخلصت الأمريكية لوري والاش، من منظمة المواطن غير الحكومية، حصيلة ثمانية أعوام من عمل منظمة التجارة العالمية، قبل أن تترك الكلمة لممثلين من فلسطين، ومن منظمة غرين بيس، وأتاك، وفيا كامبيسينا.

وكانت هناك شهاداتٌ أخرى، من بينها شهادة «ضحايا توتال في برمانيا»، قبل مداخلةٍ جديدة ختامية قام بها جوزيه بوفيه.

ومن المخطط له أن تتواصل السهرة ببثّ أفلام وثائقية تتعلق بمنظمة التجارة الدولية، وتاريخ نضالات لارزاك أو سرد النضالات في الأرياف.

وقد قدّر المنظمون عدد المجتمعين في أوسبيتاليه لارزاك في الخامسة مساءً بنحو أربعين ألف شخص، بعد أن كانوا يتوقّعون السبت أن يتراوح عددهم بين خمسين ومئة ألف شخص، وخاصةً أثناء الحفلات الموسيقية الليلية، بمشاركة مانو كاو والبريطانيين من مؤسسة آسيان داب. 

من جهتها، قدّرت بلدية آفيرون عدد المشاركين في الرابعة والنصف من بعد الظهر بخمسةٍ وعشرين ألف شخص، في حين جعل الازدحام على الطرقات الذي امتدّ على 5-6 كيلومترات الوصول إلى الموقع صعباً.

وأشار ديدييه كروشوديه، مسؤول النظام في التجمّع، لمراسل وكالة الأنباء الفرنسية، إلى أنّ «الزمن اللازم للوصول إلى ميلاو (على بعد عشرين كيلومتراً) قد بلغ ثلاث ساعاتٍ ونصف الساعة».

وتزاحم مناضلون مناهضون للعولمة، وللطاقة النووية، وفلاّحون مناصرون للزراعة الطبيعية، ومناضلون سلميّون، وإقليميون، ونقابيون، و«مناضلون لهم تاريخ» في النضال ضدّ توسيع المعسكر الحربي في السبعينات حول أكثر من 200 جناح، في حين كانت الشمس ثقيلة، وبلغت درجة الحرارة بحدود أربعين درجة مئوية في الظل، وفق أحد عاملي الإطفاء. وقد تدخّلت الوحدة الصحية في الموقع، المؤلّفة من 300 شخص (عناصر حماية مدنية، وأطباء، ومسعفون) في العديد من الحالات، وكان السبب الرئيسي في معظمها ارتفاع حرارة الجوّ، كما شرحت الدكتورة جيزيل مارشيف، وهي طبيبة تعمل في ميلاو، ومنسّقة في المجال الصحّي.

وقالت الدكتورة مارشيف مستنكرة: «لدينا مشكلة كبيرة في تأمين المياه في الموقع، ونحن على حافة حالة الطوارئ». كما طالبت البلدية بتأمين المياه.

 

لقد أمّن المنظّمون أكثر من 200 ألف زجاجة مياه، غير أنّه ليس هناك أيّ منهلٍ في الموقع.