مؤسسة نوبل، قلعة النفاق «بوش وبلير يُرشَّحان لنيل جائزة نوبل للسلام»!

إذا كان منح جائزة نوبل في المجالات غير السياسية يأخذ أحياناً بالاعتبار الانتماء الفكري أو اللون السياسي للمرشح (وهذا أمرٌ مناقضٌ للحياد والموضوعية)، فإنّ المبادئ - إن وجدت - التي تمنح وفقها جائزة نوبل للسلام يمكن أن تذهل أيّ مراقب عاقل.

إنّ تسمية جورج بوش وتابعه طوني بلير لجائزة السلام هذه هي أكثر من حماقة، إلاّ إذا كان اسم المرء إيلي فيسل أو جان فرانسوا ريفيل، إنها هرطقة تغرق بها مؤسسة نوبل منذ أن قرّرت أن تشرّف بهذا اللقب أحد أكثر المتلاعبين بالتاريخ فظاظةً في تاريخ السياسة، المسؤول عن الكثير من الانقلابات ومن قتل المدنيين. لقد خمنّا جميعاً من هو: إنّه هنري كيسنجر (1973).

غير أنّ المؤسسة وقعت ثانيةً في سخف الديماغوجيا حين منحت جائزتها لمناحيم بيغن (1978) الذي اشتهر عالمياً بجنونه الدموي.

تربى بيغن منذ نعومة أظفاره في بيطار، وهي منظمة شبيبية شبه عسكرية تابعة للتنقيحيين (والتنقيحية انشقاقٌ عن الحركة الصهيونية ذات طابع قومي متشدد تسلطي، لا بل مبهِر، أسسّها زئيف جابوتنسكي في العشرينات  *)، وأصبح فيما بعد في العام 1942 مفوّضها، وفي الوقت نفسه زعيماً للجيش السرّي التنقيحي، المسمى أرغون، الذي لا تخفى إيديولوجيته وممارساته الإرهابية على أحد. نذكر بصفةٍ خاصة الاعتداء الذي قام به في الثاني والعشرين من تموز 1946 على فندق الملك داوود في القدس الذي أدّى إلى سقوط مئتي قتيل. برز بيغن بعد عامين (9 نيسان 1948) في مذبحة قرية دير ياسين الفلسطينية، حيث سقط مئتان وثلاثون مدنياً.

كما كان أحد المحرّضين الرئيسيين على غزو لبنان، وشارك في مذابح صبرا وشاتيلا..

وكما لو أنّ أخلاق المرشّح قليلة الأهمية، فقد جعلت مؤسسة نوبل «رجل سلام» شخصاً ارتبط اسمه على الدوام بالفظاظة والمجازر، إلى درجة أنّ بن غوريون نفسه لم يجرؤ يوماً على ذكره.

استمرت البدع في العام 1986 مع إيلي فيسل. فهذا الكاتب المخاتل، الآتي من عصرٍ آخر، أعلن دون عقد حاجته إلى أرضٍ ليعيش عليها (أمريكا) وأرضٍ أخرى ليحلم دون أن يضع قدميه فيها. قال ذلك كلّه متجاهلاً آلام الآخرين، الذين تعود إليهم تلك الأرض أصلاً.

أعيدت الكرّة ثانيةً مع إسحق رابين في العام 1994. كان «رجل السلام» هذا يحبّ إعطاء الأوامر للجنود - المستوطنين ليكسروا عظام أطفال الانتفاضة. وقد رأينا جيداً كيف أنّهم لم يترددوا في التنفيذ.

ربما ينبغي التذكير بأنّ شرعة نوبل تنصّ على أن يكون المرشّح الذي ينال جائزة السلام قد قام بأفضل عملٍ من أجل الأخوّة بين الأمم، من أجل إلغاء أو تخفيض الجيوش الموجودة، ومن أجل الحفاظ على مؤتمرات السلام وتشجيعها.

كلّ هذا لنقول إلى أيّة درجة تهمل اليوم مؤسسات مثل نوبل، التي قامت في البداية على مبادئ أخلاقية وإنسانية، هذه المبادئ بالذات. هل يعود ذلك إلى تبنّيها «للبراغماتية» الأمريكية أم إلى خضوعها للابتزاز ولإرهاب إدارة بوش؟.

 

*  «الأبواب المئة للشرق الأوسط». آلان غريش ودومينيك فيدال. منشورات «أوترومان». باريس 1992.