الامبرياليةالأمريكية تعلن الحرب على العالم

مع صدور هذا العدد، ربما تكون أولى قذائف العدوان الأمريكي المبيت منذ سنين والمبرمج منذ شهور على العراق، قد بدأت بالسقوط فوقه، أو أنها تنتظر الترخيص الشكلي من الكونغرس الأمريكي الذي تريد إدارة بوش وحلفاؤها استكمال تكريسه بديلاً عن الأمم المتحدة، بعد أن قرر أقطاب معسكر الحرب في قمة أزور البرتغالية، واشنطن ولندن ومدريد تجاوز مجلس الأمن

حيث اعترفوا بأنهم لن يستطيعوا هناك تمرير مشروع «عدوانهم الثلاثي» وقام بوش لاحقاً بتوجيه ما يسمى بإنذاره الأخير للقيادة العراقية بالتنحي وإلا واجهت الحرب ثم سرعان ما عاد البيت الأبيض للتأكيد بأن العدوان الأمريكي و«اجتياح» العراق سيقوم سواء تنحت القيادة العراقية أم لا.

محاولات الخروج من المآزق..

ووسط اتساع جبهة الرفض الدولي بما فيها في الداخل الأمريكي لمخططات الحرب الأمريكية، قررت عواصم العدوان الخروج من مآزقها، سواء الإمبريالية المتأصلة فيها، أو التي دخلتها عبر تأجيج افتعال ما عرف بالأزمة العراقية، عبر إدخال تهديداتها العسكرية «الاستباقية» حيز التطبيق متوهمة كسر حالة الطريق المسدود الذي وصلت إليه، مع التنامي المطرد لتلك الجبهة وذلك بغية إحداث واقع جديد من شأنه تجاوز ما يسمى بالاستباق العسكري للعراق إلى الاستباق الإجهاضي المربك وحتى الناسف لكل مفاعيل وأدوات وهياكل العلاقات الدولية والإقليمية السائدة حتى اللحظة، بدءاً بالأمم المتحدة وليس انتهاءً بحلف الأطلسي، مروراً بالاتحاد الأوربي وجامعة الدول العربية على سيبل المثال، مع محاولة إعادة ترتيب ذلك وفقاً لمقاييس الإدارة الأمريكية والاحتكارات الصهيونية الداعمة لها.

امتداد آثار العدوان

وعليه فإن آثار هذا العدوان ضمن منطق تكريس درجة أعلى من الهيمنة الأحادية الأمريكية لن تتوقف عند حدود العراق والمنطقة العربية بالتالي، وإنما ستجعل هذه المؤسسات والمنظمات والاتحادات الدولية والإقليمية القاصرة أساساً تصطدم بمفاهيمها الرئيسية وبالقواعد الشعبية الدولية الرافضة للهيمنة الأمريكية. فلا الأمم المتحدة التي لم يبق منها سوى اسمها تجد نفسها مرة أخرى الإطار الذي ينبغي فيه إيجاد حلول سياسية للأزمات والنزاعات الدولية بحسب بميثاقها، ولا حلف الأطلسي الذي وضعته واشنطن في أزمة كوسوفو على سبيل المثال بديلاً عن الأمم المتحدة يجد ذاك الدور المحوري له في ضوء انقسامه الداخلي بين مؤيد ومعارض للحرب ولكنه سيكون مضطراً رغم تهميشه إلى التورط فيها عبر الجبهة التركية بذريعة دعم بلد عضو في الحلف، وهو ذات الحلف الذي يدعي ميثاقه أنه وجد لحل الأزمات والصراعات العسكرية لا لافتعالها.

حصة «الغنائم».. وفاتورة الحرب

كما سيؤدي فرض الحل العسكري الأمريكي على العالم الآن إلى إحداث انقلابات في مواقف الاتحاد الأوربي المنقسم على ذاته هو الآخر على نحو غير مسبوق باتجاه محاولة اللحاق بالركب الأمريكي لضمان حصة من «غنائم الحرب» بما يعني في المقابل المشاركة في دفع فاتورتها، وهو ما سيصطدم مرة أخرى بمواقف شعوب الاتحاد الأوربي التي لا تزال تعلن مناهضتها للمخططات الأمريكية، بما قد يفضي إلى نتائج لا ترضي واشنطن وحلفاءها/ خصومها مرة أخرى ويستدعي بالتالي افتعال سيناريوهات تخريبية بغية إحداث انقلاب في المزاج الشعبي أو تحييده على أقل تقدير. واللافت هنا ليس فقط أن ردود الفعل الدولية على ما يسمى بإنذار بوش قد توقفت عن حدود الإعراب عن الأسف أو الإدانة كحد أعلى بل إن التصريحات الفرنسية غداة ذاك الإنذار عادت لإمساك العصا من المنتصف بين رفض الإنذار، والقول إن فرنسا كانت ولا تزال حليفة واشنطن وإنها قد تعيد النظر بموقفها كلياً إذا ما تعرضت القوات الأمريكية لأسلحة كيمائية عراقية، علماً بأن عمليات التفتيش وتدمير ما بقي من الترسانة العراقية بُترت أمريكيا،ً وأن العراق سيكون بحالة الدفاع عن النفس أمام قوات غازية دون وجه حق، وقامت في إطار تحضيرها للعدوان باختبار أسلحة توازي في قوتها التدميرية أسلحة الدمار الشامل مثلما كان الحال مع اختبار وزارة الدفاع أو بالأحرى وزارة الحرب الأمريكية قنبلة أسمتها «أم القنابل كافة» حيث يبلغ ضررها ضعفي الضرر الناجم عن القنابل الثقيلة التي دكت جبال تورا بورا الأفغانية.

سقوط ما يسمى بـ «النظام العربي» الرسمي

ووسط هذا الوضع المضطرب، ومثلما يتكشف على نحو سافر زيف ادعاءات الديمقراطية الأمريكية أو الغربية، يتكشف سقوط الجامعة العربية مع كل مفاهيم التضامن العربي أو وحدة الصف أو الدفاع العربي المشترك أو سبل مواجهة العدوان ومنفذيه أو تطبيق قرارات القمم العربية ومتابعة اللجان المنبثقة عنها تنفيذ مهامها وذلك في عصر انحطاط عربي تبرز فيه أغلبية قيادية عربية خائنة متخاذلة تتبع واشنطن وتتناقض مع إرادة أقلية تحاول الحفاظ على حد أدنى من هذه المفاهيم مثلما تتناقض مع إرادة الشارع العربي المثقل بالهزائم والانكسارات والفاقد تحت تأثير ضعف مستوى «الديمقراطية العربية» وهياكلها لقدرته على الفعل بما يتجاوز الخروج بالتظاهرات الاحتجاجية وذلك بالمقارنة مع نظيره الأوربي مثلاً الذي وصل تصعيد رفضه الحرب ومنطق فرضها على إرادته ضمن تقاليد «ديمقراطية غربية» مختلفة نسبياً الى حد تهديد حكوماته بالسقوط كما هي الحال مع حكومة طوني بلير العمالية في بريطانيا مثلاً.

الميزان العسكري..

وكما لا ترجح الكفة إلى الآن دبلوماسياً وإعلامياً لصالح واشنطن في محاولاتها تبرير عدوانها المبيت وتسويق مبرراته بما دفعها إلى إطلاق مغامرة عسكرية لا تضمن نتائجها، ستتغير المعطيات العسكرية الدولية في العدوان الأمريكي على العراق تبعاً لتبدل المواقف السياسية لدى عواصم الرفض.

وتمتلك الولايات المتحدة الآن جبهة انتشار وقواعد في الكويت كما تمتلك قواعد انطلاق وتعزيزات في قطر والبحرين والأردن وربما السعودية وكذلك في تركيا بغض النظر عن تمثيلية إيجاد وضع قانوني للانتشار الأمريكي هناك، وأن الحكومة التركية الجديدة لن تطلب من البرلمان التركي سوى فتح الأجواء التركية أمام القوات الأمريكية، إذ أن هذه القوات انتشرت مسبقاً، رغم كل الاحتجاجات والاشتباكات الشعبية، على الحدود التركية العراقية، بما يمهد لفرض الأمر الواقع عسكرياً على الشعب والبرلمان التركيين مع بدء العمليات العسكرية ولاسيما في ضوء الاهتمام التركي المعروف بتداعيات التدخل الأمريكي في العراق وانعكاس ذلك على تركيا وتحديداً فيما يتعلق بالامتداد الكردي بين طرفي الحدود.

المالتوسية الجديدة

وإذا كان منطق غزو أراض أخرى لا يعرف تماماً مدى مقاومتها وطبيعة أسلحتها وفاعليتها المحتملة يستدعي تمهيداً جوياً ومدفعياً ثقيلاً بهدف شل قدرات الخصم الدفاعية فإن هذا يعني استخدام أعتى الأسلحة وأثقلها بما يعني ارتكاب البيت الأبيض مجازر حقيقية بحق الشعب العراقي، وربما بما يتعمد عدم الوصول فورا،ً إن كان ذلك ممكنا،ً إلى القيادة العراقية وذلك بهدف إيجاد مبررات لاستمرار العدوان ولوجود قوات «الاحتلال الأمريكي» لاحقاً بهدف تصفية فلول أو جيوب المقاومة التي ستحسب أمريكياً على القيادة العراقية لا على مقاومة شعبية ترفض الغزو والاحتلال بما يعني المزيد من المجازر التصفوية التي يُراهن أمريكياً على أنها ستحدث انقسامات داخلية عراقية وربما إقليمية تحمل عبء تصفية أكبر عدد ممكن من العراقيين وتحقق الشق «المالتوسي الجديد» ضمن أهداف المشروع الأمريكي.

المقاومة هي الخيار الوحيد

وفي كل الأحوال لا تستطيع الإدارة الأمريكية ضمان سير مخططاتها على هواها إذ أن عدوانها على العراق لن تتوقف آثاره عند العراق والمنطقة بل إنه سيصطدم بواقع عالمي كامل بما يولد شكلاً من أشكال حرب عالمية ثالثة.. فمرة أخرى بعد يوغسلافيا يتحول العراق مسرحاً لتنازع مصالح القوى الإمبريالية على أراضي الغير وعلى حساب دمائهم، وهو ما يعيد الأمر إلى الشعوب العربية التي ينبغي أن تتنبه للأخطار وتستفيد من الدرس اليوغسلافي باتجاه تصعيد خيار مقاومتها المضطرة أكثر من أي وقت مضى عند هذا المنعطف التاريخي للخوض على جبهتين: داخلية ضد تخاذل حكامها وخارجية ضد إحياء أشكال الاستعمار القديم. ويبدو تماماً أن خيار المقاومة واقعي ولكن ينبغي إيجاد آلياته وهياكله لأن واشنطن بتعنتها كانت تدرك أنها إذا سحبت تهديداتها العسكرية ضد العراق أمام ضغط الرأي العام الدولي فستنكسر هيبتها أي أنها ستخسر، وأنها إذا ما تجاهلت ذلك باتجاه تنفيذ تهديدها عبر فرض سياسة الأمر الواقع عسكرياً فستخلق حالة قد تخدمها مؤقتاً ولكن هشاشتها تحمل في طياتها نقاط ارتكاز خسارات واشنطن اللاحقة.

■ عُبادة بوظو

 

o.bozo@kassioun .org