العراق تحت سندان النهب الاقتصادي ومطرقة الإفساد الاجتماعي

خلف الخسائر التي تتكبدها قوات الاحتلال الأمريكية من جهة والضحايا الذين يسقطون في العراق من جراء الفوضى المترتبة على استمرار وجود الاحتلال من جهة ثانية ووسط محاولات سلطات ذاك الاحتلال البحث عن مخارج لها من مستنقعها القائم على جثث مئات آلاف العراقيين تدور في العراق رحى حروب أخرى لا تقل ضراوة عن حدة العمليات العسكرية تتعلق بمستقبل العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ودائماً على خلفية السعي الأمريكي المحموم لخلق كل البيئات الملائمة لتفتيت العراق.

الصراع على جبهة نفط العراق

يقول بين لاندو من موقع الصحافة العالمية المتحدة إن نقابات عمال نفط العراق بصدد البدء بإضراب شامل من شأنه سحب 1.6 مليون برميل يومياً من أسواق النفط العالمية، وتقليص العرض الذي هو أصلاً في حالة ضعف مما دفع إلى تصاعد أسعار النفط.

ولكنه أوضح أن النقابيين بانتظار رد فعل رئيس حكومة الاحتلال في بغداد على طلباتهم المتضمنة معارضة مسودة قانون النفط، قبل البدء بإضرابهم المرتقب الذي سيؤشر لمدى قوة نقابات عمال النفط بين القيادات السياسية في بغداد ممن امتلأت حقائبهم تقريباً بمبيعات النفط. وهذا ما يُضيف صوتاً آخر لردود الفعل الساخطة والناقمة على القانون الجديد المزمع إصداره والذي بصورته الحالية سيقود إلى التحكم بالاحتياطات النفطية العراقية المؤكدة البالغة 115 بليون برميل- أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم بعد السعودية.

وسيمنح الشركات الأجنبية- الشركات النفطية الاحتكارية العالمية- حقوق إملاء إرادتها على نفط العراق الخاضع لقانون التأميم الوطني منذ ثلاثة عقود.

ويمكن للشركات الأجنبية حجز احتياطها ودعم وإسناد قدراتها النفطية على حساب النفط العراقي. (في حين أن الحقول النفطية العراقية غير المستغلّة- هناك 80 حقل مكتشف، مستغل منها فقط 15 حقلاً، تتميز بغياب مخاطر الاستكشاف وتدني تكلفة الإنتاج إلى أقل من دولار، وهي أدنى تكلفة على المستوى العالمي! من هنا لا توجد اتفاقات المشاركة على مستوى الدول المنتجة في المنطقة، بل مطبقة في دول أخرى بشكل محدود في مناطق قليلة محدودة تتعاظم فيها مخاطر الاستكشاف.)

هناك أيضاً مناقشات جارية بشأن فاتورة الشركات بالعلاقة مع قانون النفط الجديد الذي تمت الموافقة عليه من مجلس وزراء حكومة الاحتلال في بغداد في شهر شباط. 

الاحتلال وأمراء الحرب في كركوك والبصرة

في سياق متصل يؤكد مصطفى علاني مدير برنامج الأمن والإرهاب لدى مركز أبحاث الخليج أن نفط العراق تحول إلى لعنة تسهم في تفتيته.

وقال إن التاريخ يؤكد أن قادة الحرب الأهلية والقادة العسكريين/ أمراء الحرب، يُشكلون الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان، والعديد منهم ليسوا أفضل من مجرمين أو دكتاتوريين، يعملون من أجل الارتقاء بذواتهم: الثروة الشخصية والمجد. وعليه، فالقتال ليس دائماً من أجل ما هو معلن في الظاهر أو ما يُعلن للعامة لتبرير الحرب الأهلية، بل- في حالات مؤكدة- من أجل ما يتم إخفاؤه عن المشهد الحاصل.

وبعد أن يستشهد بضعف التغطية الإعلامية لما يجري من صراع يومي في المدينتين الغنيتين بالنفط، كركوك والبصرة، يقول علاني إن هناك اقتتالاً وعمليات تطهير عرقي تجري برعاية الأحزاب والقوى السياسية الرئيسية والميليشيات شبه العسكرية هناك من أجل إحكام السيطرة على أساس قومي طائفي على منابع النفط.

ويستنتج أنه بالعلاقة مع التطورات الجارية في كلا المدينتين الرئيستين الغنيتين بالنفط، يظهر أن الضباع الضارية أقامت وليمتها، حتى قبل موت الفريسة.

الأفيون: المنتج الجديد في عراق ما تحت الاحتلال!

باترك كوكبيرن من صحيفة اندبندنت أكد في تحقيق له أن الفلاحين في جنوب العراق وعلى جانبي نهر الفرات في الديوانية وجنوب العاصمة بدأوا، لأول مرة، بزراعة نبات الخشخاش في حقولهم التي كانت مخصصة للرز العراقي (العنبر)، الأمر الذي يثير القلق والخوف من أن العراق قد يصبح منتجاً رئيساً للمخدرات في سياق الخط نفسه مع أفغانستان!

ويوضح الكاتب أن التحول إلى زراعة الخشخاش ما زال في مراحله الأولى، لكن هناك القليل مما يمكن أن تفعله حكومة الاحتلال في بغداد لإيقاف هذا الوباء (إذا كانت تُريد فعل ذلك أصلا!) لأن المليشيات ووكلاءها في قوات الأمن تُسيطر على الديوانية وضواحيها.

إن حقيقة توجه هذه الزراعة السامة نحو الانتشار في الجنوب، يُشكّل مقياساً لانتشار العنف والفوضى في المنطقة، كما هو حال العراق، بعامة. ومن غير المحتمل أن قرارات الفلاحين بزراعة الخشخاش جاءت عفوية ذاتية، بل هناك، في الواقع، عصابات تقوم بتمويلهم. ويُقال إن رجال هذه العصابات «مجهزون وبمستوى رفيع بعربات وأسلحة جيدة، ويمارسون مهمتهم في سياق تنظيم جيد من أجل تحقيق الربح الوفير من سرقة النفط وممارسة تجارة المخدرات »، (والسؤال هو من أين لهم هذه العربات والتسليح؟ - قاسيون)

وكما في أفغانستان بعد سقوط الطالبان 2001، تُشكل ظروف الفوضى القائمة في العراق أرضية مثالية لعصابات الجريمة ومهربي المخدرات (الفوضى الخلاقة!)، مع عدم إهمال دور المحتل ذاته. الاختلاف هو أن أفغانستان تُعتبر، ومنذ فترة طويلة، المنتجة والمصدّرة الرئيسة للأفيون في العالم وتمتلك المختبرات اللازمة لتحويل الأفيون إلى هيرويين. ومع مجيء الطالبان أوقفوا هذه الزراعة في الأجزاء الواقعة تحت سيطرتهم من البلاد. لكن الفلاحين عادوا إلى هذه الزراعة بعد الاحتلال الأمريكي مباشرة.

■  إعداد قاسيون

ترجمة د. عبد الوهاب حميد رشيد

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 12:44