اشتباكات مخيم بلاطة ... علامات على الطريق!

لم تمض سوى ساعات قليلة على كلمات محمود عباس التي نطق بها في حضرة كوندوليزا رايس أثناء المؤتمر الصحفي الذي جمعهما بعد محادثاتهما قبل أيام في مدينة رام الله المحتلة، والتي طالب فيها «إسرائيل» (بتنفيذ التزاماتها ضمن خارطة الطريق وفي مقدمتها: تجميد الاستيطان، وإزالة الحواجز، وتسهيل التنقل)؛ حتى أكد بذات الوقت على (تعهده بمواصلة التزامات السلطة، وفي مقدمتها مصادرة الأسلحة من فصائل المقاومة). لم ينتظر الطرف الفلسطيني تنفيذ التزامات حكومة العدو بخطوات الخارطة الأولى، بل باشر تنفيذ تعهداته - لأنه يعرف تماماً أن انتظاره سيطول إلى مالانهاية من خلال أوامره لقوات الأمن التابعة لحكومة فياض التي دخلت مدينة نابلس المحتلة قبل أقل من أسبوع والتي بلغ تعدادها 308 عنصر، نتيجة الاتفاقات الأمنية التي يقوم على رعايتها ومتابعتها الجنرال الأمريكي دايتون- بمصادرة سلاح أحد المقاتلين «المطلوبين للعدو» على مداخل مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس المحتلة، مما أدى لحصول اشتباكات مسلحة مع المجموعة الفدائية المستهدفة التابعة لكتائب شهداء الأقصى، الذراع المسلح لحركة فتح، والتي رفضت كل الدعوات (المستهجنة والخطيرة والمتساوقة مع مخططات الاحتلال الهادفة نزع سلاح مجموعات المقاومة التي تدافع عن الشعب والأرض في مواجهة الغزاة). 

 وفي هذا المجال أكد قادة هذه المجموعات (أن التخلي عن السلاح لأي كان وتحت أية ذريعة مرفوض تماماً، طالما استمرت قوات الاحتلال تغتال وتعتقل المقاتلين والناشطين الوطنيين). إن ماحصل في مخيم بلاطة يحمل دلالات خطيرة تشير إلى انتقال عمليات مطاردة المقاتلين إلى قوات الأمن السلطوية، التي بدأت استهداف مقاتلي فتح كخطوة «رمزية» على طريق انتزاع سلاح باقي المجموعات المقاومة.

إن سماح قوات العدو، بدخول عناصر الأمن الفلسطينية الرسمية إلى مدينة نابلس، كمقدمة لتعميم التجربة في حال نجاحها على بقية المدن والبلدات، من أجل إنجاز «المهمات القذرة» التي ارتبط تنفيذها بجيش الاحتلال، وقوات القتلة من الوحدات الخاصة «المستعربين»، ينقل الخلاف الداخلي الفلسطيني إلى درجة جديدة ومتقدمة من الأزمة، خاصة وأن تصريحات قائد قوات الأمن الفلسطينية في الضفة العميد دياب العلي كشفت عن طبيعة تلك المهمات، على الرغم من استخدامها المتكرر لعبارات ملتبسة وملفقة تتحدث عن (فرض القانون والنظام في جميع أنحاء نابلس ومخيماتها) لكنها تكون مباشرة وحازمة (سنصادر الأسلحة ونعتقل حامليها) مضيفاً (أن غالبية عناصر شهداء الأقصى «قبلوا»! العفو عنهم في مقابل نزع سلاحهم ووقف المقاومة... لقد منحناهم صفقة مع «الإسرائيليين»، ولاحاجة بعد الآن لوجودهم). لم تتأخر حكومة العدو في التعبير عن استحسانها لهذا السلوك السلطوي، فقد أدلى ديفيد بيكر الناطق بلسانها بتصريح قال فيه (إن «إسرائيل» تعتبر أي نشاط قوي ونشط من قبل الفلسطينيين للمحافظة على الأمن ومحاربة الإرهاب، تطوراً إيجابياً نرحب به).

إن مايجري تنفيذه هذه الأيام على يد حكومة سلام فياض، لايعدو كونه حلقة جديدة في سلسلة التنازلات المتتالية، التي يعتقد أصحابها أنها ضرورية لابداء حُسن النوايا- من أجل ولوجهم لقاعات مؤتمر «أنابولس» المقبل.

إن التجارب المريرة من المفاوضات العبثية، التي انعكست نتائجها السلبية على المسيرة الوطنية للشعب الفلسطيني، أضافت لهذا الشعب خبرة مميزة، تساعده على سرعة استشعار الأضرار الناجمة عن أية مفاوضات تجري في ظل حالة داخلية فلسطينية وصلت إلى درجة غير مسبوقة من التمزق والانقسام. ولهذا فإن جهوداً استثنائية يجب أن تبذلها القوى الشعبية من أجل حماية المشروع الوطني التحرري من العبث به على يد حفنة من الأسماء المنضوية في المخطط الصهيو-أمريكي، التي تتربع على قمة الهرم السياسي/ التفاوضي منذ عقود، نتيجة سيادة الفئوية والاستئثار الكارثية. إن إسقاط هذه العقلية وهذا النهج، يرتبط بمقدار التقدم على طريق تجميع قوى شعبنا المقاومة، السياسية والأهلية، من أجل تشكيل آلية ضغط شعبية على سلوك هذا التيار، تمهيداً لمحاصرته وإقصائه لإنهاء حالة العبث بقضايا الصراع الفلسطيني/ الصهيوني.