عروبة ماتبقى من «القدس» في خطر!

جاءت الإنذارات/الإخطارات الأخيرة التي تسلمها أصحاب المنازل الثمانية والثمانين، سكان حي البستان في منطقة سلوان الموجودة داخل بلدية القدس المحتلة، لتدفع إلى الواجهة معركة صمود أبناء القدس في الدفاع عما تبقى من عروبة مدينتهم، في وجه عمليات تهويدها، المنطلقة من طرد سكانها عبر دفعهم لمغادرة أماكن إقامتهم والانتقال للسكن في مناطق أخرى. ويتهدد الهدم تلك المنازل بعدما رفضت بلدية القدس المصادقة على الخارطة الهيكلية التي قدمها الأهالي لترخيص بيوتهم المقامة قبل احتلال المدينة في العام 1967. وتعمل بلدية القدس على إخلاء ألف وخمسمائة مواطن مقدسي من بيوتهم في الحي بدعوة أن البناء غير مرخص وأن البيوت أقيمت في منطقة ذات أهمية تاريخية! لأن بلدية القدس، وكما يتضح من مخططات التنظيم الصهيونية، والموضوعة منذ عام 1977 على خطة الهدم والطرد للمواطنين العرب، تهدف إلى «تأهيل» المنطقة لمشروع إقامة «مدينة الملك داوود».

إن تنفيذ مخططات الهدم والتهجير تتم بخطوات متسارعة من أجل تحويل القدس لمدينة يهودية كما هو واضح وجلي في تنفيذ المخطط الصهيوني الهادف إفراغ القدس الشرقية المحتلة تماماً من العرب حتى عام 2020 بعدما أظهر العديد من الإحصاءات أن عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية يقارب 260 ألف عربي بينما تجاوز عدد اليهود أكثر من 182 ألفاً، ولهذا بدأت حكومة العدو، بإقامة الجدار لتتخلص من 100 ألف عربي من أجل إقامة القدس الكبرى بحسب المفهوم الصهيوني، بالإضافة لفرض إجراءات متعددة تخدم تحقيق الهدف الاستراتيجي «تهويد المدينة» من خلال سحب الهويات ورسوم الضرائب الباهظة. ولهذا فالمحاولة الأحدث في مسلسل طرد المواطنين، وهدم بيوتهم، من أجل «إعادة البناء» لمستعمرات جديدة، لتحقيق هيمنة ديمغرافية كاملة للمستعمرين اليهود فيما يعرف «غلاف المدينة» أو «الحوض المقدس»، ولتثبيت «وقائع جديدة» على الأرض، لفرضها راهناً ومستقبلاً على الطرف الفلسطيني، على أساس مبدأ الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون بـ«أن ما لليهود في القدس سيبقى تحت سيطرتهم، وما هو فلسطيني سينتقل للسيادة الفلسطينية».
وقد حذرت «مؤسسة الأقصى» في تقريرها الإحصائي الصادر مؤخراً، والذي يغطي الانتهاكات التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى خلال عام 2008 من خطورة الأوضاع التي تتهدد المدينة والمسجد. ويشير التقرير إلى «أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي شرعت بتنفيذ مشروع تهويدي لتطويق حي سلوان المحاذي للجهة الجنوبية للمسجد الأقصى، ويهدف هذا المشروع إلى جعل سلوان مركزاً سياحياً تهويدياً، ولكي يتسنى لقوات الاحتلال القيام بمخططها فقد أسمته مشروع إقامة البنى التحتية، ولكن الرسوم والمسميات تدل بوضوح على مخططات لتهويد كامل منطقة سلوان، إضافة إلى انتهاك حرمة مقبرة إسلامية تاريخية تم العثور عليها خلال عمليات الحفر عند مدخل حي سلوان في منطقة «وادي حلوة»، حيث تناثرت العظام والجماجم في مساحات واسعة، وقد تم إخفاء معالم هذه المقبرة، وتم كذلك نقل العظام إلى منطقة مجهولة، كما أن الجهات «الإسرائيلية» مازالت تمارس حفرياتها في المنطقة المذكورة». ويسلط التقرير المذكور الضوء على بعض جوانب السطو على ملكية المواطنين العرب لبيوتهم وممتلكاتهم، التي تمارسها بلدية الاحتلال «بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بتسجيل الأملاك والعقارات التي استولى عليها المستوطنون في البلدة القديمة في القدس، من أجل تثبيت ملكيتها لجهات يهودية استيطانية، وتم الكشف عن تسجيل وتثبيت 120 عقاراً للمستوطنين من خلال وثائق مزورة وبصورة غير قانونية، وتنوي سلطات الاحتلال تسجيل ما مساحته 137 دونماً من الأراضي والعقارات في منطقة باب المغاربة والبؤر الاستيطانية داخل البلدة القديمة التي تعود إلى الوقف الإسلامي» .
إن مايجري للمواطنين العرب في حي البستان، ماهو سوى الحلقة الجديدة في مسلسل التهويد و«الترانسفير» الصهيوني. فقد عانى قبل بضعة سنوات، عرب «الجهالين والكعابنة» سكان الأجزاء الشمالية الشرقية من المدينة من إجراءات الطرد. كما أن ماتتعرض له عشرات العائلات في حي «الشيخ جراح» من مضايقات وتهديدات يومية، يفضح خطة الاستيلاء على المنازل العربية، وما الكارثة التي لحقت بعائلة «الكرد» المقدسية، سوى التعبير الأكثر فاشية، على النهج الذي تمارسه حكومة العدو، في الضفة الفلسطينية المحتلة، كوجه آخر لما تمارسه منذ أكثر من ستة عقود في فلسطين المحتلة. فمشروع تهويد الجليل والنقب والتي تسميها المحافل الرسمية الصهيونية تضليلاً «خطط التطوير»، ومايتعرض له المواطنون العرب في عكا ويافا، منذ بضعة أشهر، وما يعانيه هذه الأيام أهلنا في قرى وبلدات المثلث في منطقة وادي عارة، وفي الطيرة وقلنسوة وكفرقاسم، من قوانين تعسفية لهدم بيوتهم، وكذلك مايواجهه أبناء شعبنا في حي «الحليصة» في مدينة حيفا، من عمليات ابتزاز وتهديد بالإخلاء، يشير إلى تصعيد جديد بالموقف السياسي الصهيوني من أبناء الشعب العربي الفلسطيني المتشبثين بأرض وطنهم.
في ظل المشهد الكارثي الذي يخيم على الأحياء العربية بمدينة القدس، كما بكل الأراضي الفلسطينية، فإن أصوات المقدسيين لم تتوقف عن حث «الأشقاء» والأصدقاء لمد يد الدعم لصمودهم. فالسلطة الفلسطينية لاتمتلك غير مناشدة الجلاد بأن يتوقف عن ذبح الضحية، وبالطلب من الرئيس الأمريكي التدخل لوقف مايحصل! ناهيك عن عجز جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي عن اتخاذ أية خطوة عملية واحدة لمواجهة مايجري. أما القوى الوطنية الفلسطينية فهي منشغلة هذه الأيام بتحقيق القضايا العالقة (المصالحة والتهدئة وفتح المعابر و...شاليط). إن ماتتعرض له مدينة القدس وجوارها يتطلب من جميع القوى الوطنية، الرسمية والشعبية، العمل السريع لدعم صمود أهلنا داخل المدينة، بالإعلان عن إنشاء صندوق مالي تشرف على إدارته عناصر مقدسية معروفة بنظافة اليد، وتشكيل لجان متخصصة «قانونية» بمشاركة قوى عالمية، لدحض المزاعم الصهيونية حول قوانين البناء والتملك وحقيقة المخالفات.
إن جهداً استثنائياً عربياً واسلامياً ودولياً لمواجهة تهويد المدينة، أصبح مهمة وطنية راهنة، وتنفيذها يحتاج لأسلوب جديد في العمل والأدوات لدعم بقاء السكان داخل مدينتهم، وحماية مقدساتهم وممتلكاتهم.