لا حل إلا بزوال الاحتلالين

منذ أن سقطت بلاد الرافدين بأيدي الاحتلال الأمريكي، كان واضحاً أن بلدنا سورية أصبحت في قلب الخطر المصيري، وأن المنطقة عموماً دخلت مرحلة جديدة من السيطرة الأمريكية- الصهيونية تحاول ألا تستثني أحداً. وهي مرحلة لا تنفع معها الشعارات أو أي شكل من أشكال المهادنات إزاء ما ظهر- منذ البداية- من هول وخطورة المخطط الأمريكي ضد المنطقة وتغيير بنيتها السياسية والجغرافية والديمغرافية بقوة الحديد والنار وتسعير الصراعات العرقية والمذهبية، وصولاً لإشعال الحروب الأهلية في غير مكان وغير بلد.

... ولأن سورية وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ومعهم كل قوى التحرر الوطني في المنطقة والعالم, رفضوا الإملاءات الأمريكية- الصهيونية، وفي ضوء تحوّل خيار المقاومة الشاملة واقعياً إلى معادل وحيد وحقيقي في وجه الاحتلالين الأمريكي والصهيوني، رأينا هذه السلسلة الطويلة من الاعتداءات والحروب والمؤامرات المركبة (من الخارج والداخل) ضد قوى المقاومة والممانعة في المنطقة منذ احتلال العراق وخصوصاً بعد أن تبين الخلل في تنفيذ الآجال الزمنية للمشروع الأمريكي في طبعته الأصلية.

...فعلى المستوى العملي لتنفيذ ما أسلفنا من أهداف سياسية وإستراتيجية كبرى لقوى العدوان، حاولت واشنطن استخدام نظرية «العصا والجزرة» في آن معاً، وعلى كل الجبهات. فالحديث الأمريكي عن عراق مستقل وديمقراطي كان ثمنه أكثر من مليون شهيد مع اقتتال عراقي- عراقي من صنع الاحتلال وتحت مراقبته المباشرة. كما أن الحديث عن رؤية بوش حول الدولة الفلسطينية قبل نهاية عام 2008، كان في حقيقته قناعاً لمزيد من المجازر الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني وضرب وحدته الوطنية (ما حدث ويحدث في غزة نموذجاً).

... ولأن سورية رفضت سلسلة المطالب الأمريكية- منذ قائمة كولن باول حتى الآن- توهمت واشنطن أنه باستخدام «عصا» الاعتداءات الصهيونية المباشرة، وإعطاء الضوء الأخضر لخلايا الفكر التكفيري الممولة عربياً، للقيام بأعمال إرهابية في الداخل، يمكن شل سورية وعزلها عن قوى المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق.

وعندما تبين للأطلسيين الجدد فشل تلك المحاولات، قررت إدارة بوش قبل رحيلها القيام بعدوان مباشر غير مسبوق ضد سورية وارتكبت مجزرة وجريمة حرب ضد عمال سوريين في مزرعة «السكرية» بالقرب من مدينة البوكمال في محافظة دير الزور.

... واللافت هنا أن توقيت الجريمة الأمريكية الجديدة ضد سورية قد ترافق مع:

• فشل توقيع ما يسمى بـ«الاتفاقية الأمنية» بين قوات الاحتلال في العراق والحكومة العراقية تحت ضغط المظاهرات العارمة للشعب العراقي ضد الاتفاقية التي تشرعن وجود الاحتلال حتى نهاية عام 2011. وقد سبق للبيت الأبيض أن اتهم سورية بعرقلة توقيع الاتفاقية. وهذا شرف ندعيه ولا ننكره في سورية لأن الشعب العراقي يرفضها ونحن معه.

•  تصعيد الوضع على الحدود الباكستانية- الأفغانية، والحدود التركية- العراقية، والدخول الأمريكي على خط الأزمة بين الهند وباكستان ومتابعة التدخل في شؤون شعوب القفقاس، وكل ذلك يشير إلى نوايا واشنطن توسيع رقعة الحرب على أراضي الغير وأقلها خلق المناخ لإشعال حروب أهلية تخدم المشروع الأمريكي إستراتيجياً.

• زيارة نائب مدير المخابرات المصرية اللواء «عمر القناني» إلى بيروت، والتي تثير الشكوك في توقيتها وغاياتها والتنسيق المصري- السعودي بشأنها بحجة ملء الفراغ العربي الحاصل في لبنان في «مواجهة المد الفارسي». في حين أن التنسيق السعودي- المصري كان ومازال منصباً على إخماد المقاومة الحقيقية ضد الاحتلالين الأمريكي والصهيوني. وما تناقلته الأنباء عن دور الأمير بندر بن سلطان في تمويل خلايا الفكر التكفيري في المنطقة إلا استمرار لما كانت تقوم به السعودية في دعم حركة طالبان في أفغانستان!

... وبالعودة إلى الجريمة الأمريكية الجديدة ضد سورية لابد من التوكيد، انه بقدر ما يؤيد شعبنا الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية بشأن إغلاق المركز الثقافي والمدرسة الأمريكية في دمشق وتوجيه رسالة للأمين العام للأمم المتحدة ورئاسة مجلس الأمن، بقدر ما يعتبرها غير كافية، خصوصاً أن استطلاعات الرأي التي أجرتها وسائل إعلامنا المحلية أظهرت حجم العداء الحقيقي لجماهير شعبنا ضد العدوانية الأمريكية- الصهيونية. كما أظهرت المخزون الوطني والتراث الكفاحي لشعبنا ضد الغزاة قديمهم وجديدهم، من ميسلون وحتى الآن.

  إن مظاهر التأييد الشعبي العربي لسورية ضد الجريمة الأمريكية، نقطة قوة لنا تعزز ضرورة التزام خيار المقاومة الشاملة وتعبئة قوى المجتمع على الأرض استعداداً للمواجهة المرتقبة ضد أعداء الخارج والداخل. كما أن التغطية الإعلامية العالمية للجريمة الأمريكية ضد سورية تشير إلى أن التحالف الأمريكي- الصهيوني يعد العدة لمغامرة عدوانية جديدة ضد سورية والمقاومة في لبنان وقد صرّح بذلك وزير الحرب الصهيوني باراك قائلاً: « مستعدون للحرب بشكل أفضل مما كنا قبل حرب تموز، وأن الجيش الإسرائيلي مجهّز بمعدات وأسلحة جيدة جداً كانت عبارة عن استخلاصنا للعبر من الحرب عام 2006»!

بالمقابل علينا ليس فقط استخلاص العبر، بل الاستعداد للمواجهة والانتصار فيها كما انتصرت المقاومة في حرب تموز، لأن لا حل إلا بزوال الاحتلالين الأمريكي والصهيوني عن أرضنا!