محمد العبد الله خاص قاسيون محمد العبد الله خاص قاسيون

الطرد والتهجير مابين دعاة التفاوض و... التهدئة!

جاء التقرير الذي نشره مؤخراً «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية» العامل في الضفة الفلسطينية المحتلة، والتابع لهيئة الأمم المتحدة، ليعيد قرع جرس الإنذار، حول عمليات تهجير وطرد الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم وأحيائهم. ففي صفحات التقرير الجديد، إعادة تأكيد على ماكانت تصدره المنظمات والمؤسسات المحلية والإقليمية والدولية حول سياسة «التهجير الصامت» التي تعمل على تنفيذها حكومة العدو داخل الضفة المحتلة، والتي وفر لها «اتفاق أوسلو» سيئ الذكر، السيطرة الكاملة على 3,3 مليون دونم، أي مايعادل 60 % من مساحة الضفة، وتشمل المستعمرات، والمساحات المجاورة لها، وتبرير كل جرائمها في الأراضي المحتلة ضمن مايسمى منطقة «سي» تحت دعاوي كاذبة، وحجج واهية، تستند على عدم قانونية البناء! إذ أن أجهزة حكومة العدو تحرم الفلسطينيين داخل هذه المنطقة من تراخيص البناء، وتسارع لهدم مايبنونه. لقد أشار التقرير إلى تصاعد واضح في عمليات الهدم في الأشهر الأخيرة. فقد تحولت (124) منشأة سكنية ومهنية خلال الربع الأول من العام الحالي إلى أنقاض، بينما تم هدم (107) منشأة فقط خلال عام 2007، مما يعني أن خطة اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم تسير بشكل منهجي ومدروس، حسب «الرؤيا» الصهيونية التي صاغها على مدى عقود عدة «جابوتنسكي، بن غوريون، بيغن، شارون» والتي يمكن تلخيصها بسياسة «التطهير العرقي».

في شهر شباط من العام الحالي، أصدرت ماتسمى «حركة السلام الآن» داخل الكيان الصهيوني، تقريراً أشارت فيه إلى (أن سلطات الاحتلال تعتمد سياسة «الترحيل الهادئ» للفلسطينيين في بعض مناطق الضفة الغربية عبر هدم منازلهم بذريعة بنائها دون ترخيص). ويرصد تقرير الحركة خطة مايسمى بالإدارة المدنية للاحتلال في تعاملها مع المواطنين الفلسطينيين في هذا المجال. فقد (رفضت في السنوات السبع الأخيرة المصادقة على 94 % من طلبات البناء الفلسطينية، وهدمت 33 % مما بنوه) مضيفاً (أن الاحتلال صادق منذ العام 2000 على 91 طلباً للبناء قدمها فلسطينيون، مقابل 18472 ترخيصا منحت للمستوطنين في المنطقة سي) التي يقيم فيها نحو سبعين ألف مواطن فلسطيني، وأكثر من مائتين وأربعين ألف مستعمر. كما أن الاحتلال يعرقل أيضا تطوير البنى التحتية وصيانتها خاصة «شبكات مياه الشرب، إنشاء الطرق وتعبيدها» مما يزيد من معاناة الفلسطينيين. لكن مدير جمعية الدراسات العربية في القدس المحتلة الباحث خليل تفكجي يؤكد (أن التقرير لا يعكس الصورة الحقيقية للواقع الفلسطيني في الضفة الغربية). مشيراً إلى (أن مناطق سي، تشهد عمليات تطهير عرقي يتعرض فيها الفلسطينيون لهدم البيوت وقلع الأشجار ومطاردة السكان البدو، البالغ عددهم نحو ثمانين ألفا ولم يذكرهم التقرير).

كما أن التقارير الصادرة مؤخراً، تشير إلى زيادة الجرائم الصهيونية بحق المواطنين الفلسطينيين. فقد أكدت «مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان» على أن 343 مواطناً فلسطينياً استشهدوا خلال الربع الأول لعام 2008، سواء من خلال العمليات العسكرية المتكررة أو من خلال منع المرضى من تلقي العلاج. ووثقت المؤسسة في تقرير أصدرته يوم الأحد (25/5) استمرار دولة الاحتلال بالقيام بحملات اعتقال عشوائية طالت (976) من المدنيين الفلسطينيين خلال الفترة ذاتها. إن ماتؤكده كل الوقائع على الأرض عبر مسيرة المواجهة المفتوحة منذ قرن من الزمن، بين المشروع الامبريالي- الصهيوني، الاحتلالي/ الإقصائي/ الإجلائي، والمشروع الوطني- القومي التحرري، تدفعنا لإعادة إنعاش ذاكرة البعض ممن يراهنون على «تنازلات» يقدمها المحتل- يضيفون لها عبارة «صعبة وقاسية ومؤلمة» لزيادة التضليل.

فما يتم تداوله عن آخر جلسات المفاوضات متعددة اللجان، والموزعة على أكثر من مكان، تفيد بأن الخرائط المقترحة، تظهر فيها أن تنازلات العدو «المؤلمة»! عن12 % من أراضي الضفة الفلسطينية التي يريد الاحتلال أن يسيطر عليها، إلى 8,5% فقط. وفي مقابل ضم كتل المستعمرات الكبرى للأراضي المحتلة منذ عام 1948، تعرض حكومة العدو بعض الأراضي الممتدة مابين الخليل وقطاع غزة كمبادلة لما تسطو عليه من أراض وثروات زراعية وجوفية. هذا على جانب المفاوضات التي تتم بين حكومة عباس/فياض وحكومة أولمرت.

أما مايخص جولات وحوارات التهدئة، فإن زيارات وفود حماس للقاهرة، والرحلات المكوكية المتبادلة لـ«عاموس جلعاد» وعمر سليمان تصب في عملية إنضاج هادئة لقضية ساخنة. فمابين الشروط والاشتراطات، تحاول أكثر من ماكينة إعلامية، وضع المواطن العربي أمام «لعبة الكلمات المتقاطعة». لكن النتائج المتوقعة من كل هذا الحراك، ستكون مرهونة بالوضع العام الذي يخيم على المنطقة. وفي هذا المجال، يرى «يسرائيل هرئيل» الكاتب في صحيفة «هآرتس» الصهيونية، في مقاله المنشور قبل أيام (25/5) تحت عنوان «الخديعة الكبرى» دلالات الهدنة، وكيف يجب أن تتعامل معها حكومة العدو (بعد أقل من عامين من اضطرار «إسرائيل» على وقف إطلاق النار في لبنان– هناك من يدعي أنها بادرت إلى ذلك إثر عدم قدرتها على التغلب على حزب الله– أصبح واضحاً أنها لا تستطيع منح تنظيم «إرهابي» آخر، أقل مرتبة من حزب الله إنجازاً مشابهاً. أضف إلى ذلك أنه وفقاً لما نشر، «إسرائيل» لا تشترط وقف إطلاق النار بصورة قاطعة لإطلاق سراح جلعاد شاليت. فهل يمكن لأحد ما أن يفكر في أن «إسرائيل» قد وصلت إلى هذا الحضيض؟).

إن مايمكن أن نخشاه في هذه التطورات، أن تسعى عدة أطراف لاختزال المشروع الوطني التحرري، على أنه فقط- رغم أهمية كل ذلك- «فك حصار، وتبادل أسرى، وانتشار أمني في نابلس وجنين و...» وننسى أن احتلال فلسطين، وإنشاء كيان العدو، الذي ألحق- ومازال- كارثة بشعب فلسطين والأمة العربية منذ أكثر من ستين عاماً، هو جذر القضية.