الدفاع عن المقاومة دفاع عن الذات

قد يكون من المناسب أن أبدأ باستعارة بيت من الشعر لأبي الطيب المتنبي (بتصرف):

إذا رأيت نيوب «الكلب» بارزةً

فلا تظنن أن «الكلب» يبتسم!

فطبول الحرب تدق بشدة. يدقها الأمريكيون والصهاينة مدعومين من القوى الامبريالية الأوربية والكندية. المقدمات بالتصعيد ضد إيران لمصادرة حقها الثابت في إقامة مشروعها النووي السلمي، وضد حزب الله بتوظيف «محكمة العُهر الدولية» لمصادرة حقه في الدفاع عن وطنه.

في هذا السياق يروج العدو الصهيو- إمبريالي وعملاؤه المحليون أن الخطر يأتينا من «الفرس»، وليس من الأمريكيين. ومن «الشيعة» وليس من الصهاينة. ومن «حزب الله» وليس من حزب الليكود... الخ.

المشروع المعادي:

الحرب المرتقبة تأتي في سياق محاولة تنفيذ المشروع المعادي الذي تعطل بفعل المقاومة في المنطقة، وفي القلب منها انتصار حزب الله على العدو الصهيوني يوليو 2006 وحيث تحطمت نظرية الأمن المطلق، وهي العمود الفقري لفكر الكيان الصهيوني واستمرار وجوده.

الرأسمالية بوجه عام قامت واستمرت اعتماداً على التوسع الاستعماري، ويلح موضوع التوسع الآن أكثر من أي وقت مضي كضرورة بقاء تحت وطأة أزمتها الراهنة غير القابلة للحل. وهكذا كان الإعلان عن العولمة والبدء في تحقيقها هو إدراك الإمبرياليين ووعيهم بالأزمة الكامنة التي لم يعلنوا عنها إلا بعد تفجرها.

في سياق العولمة استخدمت أحداث 11 سبتمبر 2001 المفتعلة كذريعة للتوسع، وتم غزو أفغانستان ثم العراق حيث أسفر ذلك عن نتائج معاكسة، ثم أوقف انتصار حزب الله بعد ذلك مشروع الهيمنة في الإقليم.

على أن طابع التوسع الأمريكي (الأنجلو ساكسوني) يختلف عن التوسع الاستعماري لكل الإمبراطوريات في عصر الرأسمالية وما قبلها، من حيث الإبادة الجماعية لسكان البلاد الأصليين وإزاحة من تبقى منهم وعزله بعيداً، وهو ما جرى فعلا بالنسبة للولايات المتحدة واستراليا. إذ كان المستعمرون الأوائل لشمال أمريكا من الأنجلو ساكسون يحملون البندقية في اليد اليمنى والتوراة في اليد اليسرى، مرددين أن هذه هي أرض كنعان التي تفيض لبناً وعسلاً وأن سكانها- الأصليين- هم شعب كنعان الذي تتحتم إبادته!! وهو أسلوب العصابات الصهيونية في فلسطين نفسه. كما هو الجوهر نفسه بالنسبة لاحتلال أفغانستان والعراق، وأي استعمار استيطاني في سياق التوسع الإمبريالي وبالنهج الأنجلو ساكسوني (الإبادة). وجيوشهم لم تأت لتخرج، فعلى طول التاريخ البشري لم يأت غاز توسعي محتل بالحديد والنار والدم، وخرج طوعاً بالاتفاق والتفاوض كما الوهم الذي يروجون له.

من هنا يتضح جرم إضعاف المقاومة العراقية بالرشوات التي تم تقديمها لرؤساء العشائر وغيرهم لإقامة ما سمي بالصحوات بذريعة محاربة تنظيم القاعدة والعنف، إذ ضعفت المقاومة وازداد العنف. فحيث يغيب مشروع وفعل المقاومة وبريقها تزداد الفوضى.

العولمة الأمريكية تقضي (كما قيل ونشر علناً) بتخفيض عدد سكان كوكب الأرض الى 20% من سكانه، وهو ما يجعل «مالتوس» قزماً شديد الضآلة بالنسبة للعولمة الراهنة.

هذا هو جوهر المشروع، ونحن موضوعه.. أي ضحاياه!. 

أين نحن؟!

الواقع العربي الراهن أدى إلى ابتعاد الجماهير عن العمل السياسي المباشر، حيث فقدت الجماهير وبحكم تجربتها الذاتية ثقتها في الكتلة الأكبر من النخب السياسية، في الظرف الصعب الراهن لا خيار أمام من تبقى من الطلائع السياسية سوى العمل على إدخال الجماهير لتكون الطرف الأصيل في معادلة الصراع ضد العدو ومشروعه. ذلك هو الطريق الوحيد إلى النصر واستمرار وجودنا.

والجماهير رغم إحجامها عن العمل السياسي تحمل مخزوناً هائلاً من الحس الوطني وتعرف من هو العدو الداخلي والخارجي على السواء، وتحمل مشاعر عداء شديد للغاية لأمريكا والكيان الصهيوني. 

هل نبدأ، ومن أين؟

الخطر داهم وماثل، الظروف صعبة. التحركات كثيرة ولكنها مبعثرة وقليلة الفعالية، لكن الاستحقاقات مصيرية.

العمل النخبوي مثل المؤتمرات على المستوى القومي والخطب الرنانة، الندوات، حتى الوقفات الاحتجاجية أو المظاهرات (المحدودة) لم تعد هي الأساليب المناسبة لمواجهة الآتي في القريب.

لذا يتعين البحث عن أسلوب لتوحيد الجماعات القليلة المبعثرة، والتواصل مع الجماهير لحشدها وبخاصة الشباب.

ذلك يتطلب عملاً جمعياً ومنظماً وعلى المستوى العربي والإسلامي (بل والدولي)، وبقدر الجدية في التعامل مع الموضوع فان هذا العمل سيكون قابلاً للنمو، وسوف يكون قاطرةً لقوى شعبية هائلة مهيأة للانخراط ولو تدريجياً في النضال العملي المستمر وليس المؤقت والعارض، بكل التأثيرات الايجابية على كل الأصعدة.

أمامنا احتمالات العدوان على لبنان أملاً في القضاء على المقاومة، في ارتباط بما يسمى المحكمة الدولية لابتزاز حزب الله وكذريعة للعدوان.

أمامنا حصار غزة والعدوان المستمر على الفلسطينيين واغتصاب الأراضي والعدوان على الأقصى. 

أمامنا التحضير للعدوان على إيران.

هذه مجرد نماذج... وكلها في سياق المشروع الصهيو- أمريكي. وهى ليست نهاية المطاف.

ذلك يتطلب عملاً جماعياً على الأقل عربياً، للتصدي لهذا المشروع عن طريق حشد الملايين في عمل جمعي منظم. مستقل عن النظم ذات الطابع الشعبي، ولا تحكمه قيادة بيروقراطية من عشاق الكاميرات والميكروفونات والجلوس على المنصات واجتماعات القاعات الفاخرة والفنادق، وإنما تديره مجموعة تتولى وضع الأطر وضبط الإيقاع.

لقد تمت تجربة فعالية الاتصالات الالكترونية، وهي وسيلة مثلى للحشد وجمع عشرات الملايين من التوقيعات ومخاطبة الأمم المتحدة وفضح المحكمة الدولية والعدو الأمريكي والصهيوني عبر ملايين الرسائل. والأهم هو فضح مرامي الحرب لوقفها.

إن ذلك مع تطويره أو تعديله أو وضع أفكار أكثر نضجاً وتكاملاً- تستهدف إدخال الجماهير كالطرف الأصيل في معادلة الصراع ضد العدو- يمكن أن يكون لبنةً أساسيةً في بناء حركة تحرر وطني عربية غابت لسنوات.