جريمة الإسكندرية بين دفن الرأس وقطع دابر الفتنة

تلقينا، ككل أبناء شعبنا، بمشاعر الحزن والذهول والتقزز نبأ العملية الإرهابية السوداء التي استهدفت أرواح الأبرياء أثناء خروجهم من كنيسة القديسين بالإسكندرية بعد أداء صلواتهم ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة.

واللجنة إذ تشدد على إدانتها لهذه المذبحة الوحشية وتعدها تصعيداً غير مسبوق في مسلسل أعمال الفتنة الطائفية والعدوان والقتل على الهوية الدينية، فإنها تهيب بأبناء شعبنا جميعاً، خاصة الشباب، ضبط النفس وتجنب الإثارة ونبذ محاولات الشحن والاصطفاف الطائفي.

وقد لاحظت اللجنة إسراع النظام الحاكم بإسناد الجريمة، بعد وقوعها بساعات قليلة وقبل مباشرة التحقيق، لأياد خارجية مجّهلة مما يشير بجلاء إلى عزمه حجب حقائق الوضع الداخلي كمسؤول مباشر عن تكرار وتصاعد مثل هذه الجرائم المزلزلة لكياننا الوطني، وعدم جديته في مجابهة جذورها والاكتفاء بالتعامل الأمني سبيلاً مسكناً اعتدنا عليه لاحتواء الجريمة مؤقتاً.

ولا يتصور أن النظام الحاكم يعني بالأيادي الخارجية أياً من أمريكا و«إسرائيل»، فكيف وهو يروج للأولى ويعتبرها الصديق والشريك الاستراتيجي ويقيم مع الثانية أوسع العلاقات على كل الأصعدة بما في ذلك الزراعة والصناعة والسياحة والتعليم والثقافة والتنسيق الأمني؟! وإن كان يعني بتلك الأيادي القاعدة، فالقاعدة، وقبل أن تكون تنظيماً، هي فكر رجعي إرهابي لا ينشأ إلا في بيئة حاملة له أو مؤهلة لرعايته.

إن اللجنة المصرية إذ تعي حقيقة تربص العدو الأمريكي والصهيوني بوطننا وتدعو إلى الاصطفاف الوطني ضد مخططاته الإجرامية الرامية إلى تفكيك مجتمعنا وشطر دولتنا ومجتمعنا على أسس دينية، فإنها تؤكد على أن المخاطر الخارجية لا يمكن لها أن تنفذ وتحقق أهدافها إلا بالاستناد على مناطق ضعف داخلنا السياسي والاجتماعي والفكري، وهي مناطق ظاهرة للعيان ومتمثلة في:

1 - شيوع مناخ الطائفية والأفكار السياسية الرجعية وأفكار التعصب الديني التي تنخر في مؤسسات المجتمع بدءاً بإشاعة مشاعر الكراهية والشحن والتخندق الطائفي حتى في وجدان وذهن عدد كبير من أطفالنا داخل الحضانات والمدارس تحت مسمع ومرأى أجهزة الدولة. هذا المناخ الذي أسست له ولا تزال الاتجاهات والجماعات السياسية وأجهزة الدولة التي تميز بين المصريين على أساس الدين، وتستثمر المشاعر الدينية لتحقيق أهداف سياسية مريبة ومشينة، والتي تقاوم بضراوة كل دعوة تطالب باستكمال بناء دولة مدنية حديثة تقوم على مفهوم الجماعة الوطنية المصرية وعلى حق المواطنة الكاملة غير المنقوصة وحرية العقيدة لكل المصريين.

2 - اقتصار مواجهة أجهزة الدولة، منذ نحو أربعة عقود وحتى الآن، لتوترات وأحداث الفتنة الطائفية المتكررة على سبيلين قاصرين بل وضارين هما السبيل الأمني والسبيل الطائفي، وغض الطرف بل ومقاومة السبيل الوحيد الناجز وهو سبيل الحل السياسي. فالحل الأمني يتجاهل أصل المسألة الطائفية وهو واقع المواطنة المنقوصة والتفرقة بين المصريين على أساس الدين ويُعنى فقط بالسيطرة على النزاعات التي تسببها عندما تخرج عن الحدود التي قننتها الدولة للبقاء على جذوة الفتنة. والحل الطائفي هو لجوء الدولة عندما تتأزم المسألة الطائفية إلى منح الأقباط بعض الحقوق الجزئية– التي لا تقترب من جذر المسألة– وبوصفهم أقباطاً وليسوا مواطنين كاملي المواطنة، وإلى التطمينات والترضيات العرفية.

يا أبناء شعبنا العظيم

إننا في أمس الحاجة إلى التوحد واليقظة لحصار الفتنة العمياء وقطع رأسها ودابرها من خلال الالتفاف على المطالب الآتية والتي تمثل خطوات هامة على طريق الحل السياسي الناجز للمسألة الطائفية:

1 - سرعة معرفة الجناة ومحرضيهم ومعاقبتهم ومساءلة المسؤولين عن التقصير الأمني وإعلان النتائج على الشعب.

2 - نبذ وإدانة ومقاومة كل فعل أو قول أو مظهر للتعصب الديني وإثارة المناخ الطائفي والتمييز بين المواطنين على أساس ديني واعتبار مروجيه ومرتكبيه مسؤولين مسؤولية مباشرة عن التلاعب بأمن مصر القومي وزعزعته.

3 - سرعة إصدار قانون موحد لدور العبادة يساوي في الحقوق بين المصريين ودون تعقيدات أمنية وبيروقراطية.

4 - تنقية مناهج التعليم مما يتعارض مع مبدأ المساواة التامة وعدم التمييز الديني بين المواطنين.

5 - إدانة ومحاسبة وسائل الإعلام والصحافة على أي برامج أو كتابات تنطوي على الإخلال بمبدأ المساواة أو تروج أو تبرر أو تحض على التمييز الديني.

6 - توفير حريات العقيدة والتفكير والتعبير دون وصاية دينية أو إدارية أو سياسية وكل الحريات التي تشكل رافعة أساسية لتمتين الوحدة الوطنية وحصناً منيعاً لمواجهة الرجعية والتعصب.

7 - إجراء تعديلات دستورية وقانونية وتطبيق إجراءات واقعية لإقرار وتطبيق حق المواطنة الكاملة وحرية العقيدة للمصريين دون أدنى تفرقة بينهم على أساس الدين. وهو ما يطرح مجدداً ضمن ما يطرح ضرورة إعادة النظر في المادة الثانية من الدستور، وإلا ما استكملت أسس الدولة المدنية ولا تحققت دستورياً وقانونياً وواقعياً المواطنة وحرية العقيدة للمصريين جميعاً دون تفرقة على أساس الدين.

2 يناير 2011

■ اللجنة المصرية

لمناهضة الاستعمار والصهيونية