ليبرمان.. ليس نبتاً شيطانياً متفرداً!

ليبرمان.. ليس نبتاً شيطانياً متفرداً!

على وقع استقالة وزير «الأمن» والحرب الصهيوني، موشيه يعلون، من الحكومة والكنيست، وانعكاسات ذلك على الائتلاف الحكومي وبنية حزب «الليكود» والمؤسسة العسكرية داخل الكيان، انشغلت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، ليس بتفاعلات الخبر، فقط، بل في استقراء ما سيقدم عليه رئيس حزب «الليكود» والحكومة نتنياهو. 

يأتي ذلك في وقت يبحث فيه نتنياهو عن ملء الفراغ الأساسي في حكومته، الذي لم يتأخر كثيراً في إيجاد «الرجل المناسب للمكان المناسب!»، في ظل المأزق الداخلي الذي تعيشه الحكومة والائتلاف والمعارضة، فكان حزب «إسرائيل بيتنا» ورئيسه افيغدور ليبرمان، هو الحل، خاصة مع تعزيز وجود الائتلاف بستة مقاعد في الكنيست لتصبح الحكومة مدعومة بأصوات الـ66 من مجموع  أعضائه الـ120 .

إن براغماتية ليبرمان وانتهازيته وقدرته على اقتناص الفرص، هي ما دفعه للاعتذار العلني عن الصفات كلها «غشاش، مخادع، وكذاب» التي كان قد أسبغها على نتنياهو في الأشهر الأخيرة. وقد جاء دخول ليبرمان وحزبه إلى الحكومة محمولاً على الاتفاق المبرم بين الحزبين الذي أعلنه قادتهما، والذي تتوضح فيه حجم المكاسب التي تحققت لليبرمان من خلال استعراض أهم بنوده:

بنود الاتفاق ليست مفاجأة

البند الأول لـ«الخطوط العريضة» ينص على أن «للشعب اليهودي حق غير قابل للتفويض بدولة ذات سيادة في أرض «إسرائيل»، وطنه القومي والتاريخي». وفي بند ثان من «الخطوط العريضة» ينص على أن «تدفع الحكومة عملية سياسية وتسعى إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين ومع كل جيراننا، من خلال الحفاظ على المصالح الأمنية والتاريخية والقومية لـ«إسرائيل»».

كما أن حزب ليبرمان سيحصل بموجب الاتفاق على «حقيبة الجيش التي سيتولاها ليبرمان، كما سيتولى عضو كنيست آخر من هذا الحزب حقيبة استيعاب المهاجرين الجدد، بالإضافة إلى ذلك سيُعين أعضاء كنيست من «اسرائيل بيتنا» في المناصب التالية: نائب رئيس الكنيست، عضو في لجنة الاقتصاد التابعة للكنيست، عضو في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الاجتماعية– الاقتصادية، عضو في اللجنة الوزارية لشؤون الرموز والمراسم، عضو في اللجنة الوزارية للتشريع».

إن أية قراءة هادئة للنصوص والصياغات السياسية، لا تحمل أية مفاجآت، أو كما يحاول البعض أن يمرر بحسن النوايا أو بسوئها «انتصارات تطرف ليبرمان». فالحكومة الحالية التي يقودها نتنياهو، كما سابقاتها، تحت قيادته، أو في ظل تحالفات أخرى قادها «حزب العمل»، تعلن التزامها بأيديولوجية صهيونية/ يهودية، لا ترى في «الآخر» العربي الفلسطيني، سوى أهدافاً للقتل أو التهجير أو الدونية.

وإذا كان الائتلاف الجديد الموسع في الكنيست والحكومة، سيتيح لقوى التعصب والكراهية، بقطبيها «الديني المتعصب والقومي المتشدد» أن تعيش أفضل أيامها، فإن صرخات الاحتجاج الصاخبة التي بدأت تعلو في الفضاء الحكومي والصهيوني قد أربكت أصحاب اللقاء الائتلافي. أكثر الناعقين صخباً وإرباكاً للائتلاف الحكومي كان أحد أركانه، نفتالي بينيت، زعيم البيت اليهودي الذي صرح بأن حزبه «لن يصوت بجلسة الكنيست لدخول حزب ليبرمان للحكومة إذا لم تتحقق مطالبة البيت اليهودي بتعيين سكرتير عسكري لمجلس الكابينت- الحكومة المصغرة وأعلى سلطة سياسية أمنية مركزية- يكون مسؤولاً عن إطلاع وزراء المجلس بشكل دائم ويومي على آخر مستجدات الساحة الأمنية». لكن أحد المقربين من نتنياهو في الليكود، هدد «بينيت» بشكل مباشر، بالقول «إذا صوت نواب الحزب الثمانية ضد التعيين، فإن وزراء البيت اليهودي بقيادة بينت داخل الحكومة سيقالون فوراً».

الفراغ يملؤه المجرمون

أما قوى المعارضة، فقد هاجمت بشدة، اتفاق نتنياهو- ليبرمان. زعيم المعسكر الصهيوني، هرتزوغ، قال: «على مواطني «دولة اسرائيل» أن يكونوا قلقين من ائتلاف يميني يقود الدولة إلى أماكن خطيرة».  كما أن حزب «يوجد مستقبل» هاجم الاتفاق وركز على نتنياهو: «التوقيع على الاتفاق الائتلافي ليس انجازاً بل استسلاماً معيباً».

إن ملء الفراغ الحاصل في الحكومة سيكون بانضمام المجرمين قادة حزب «إسرائيل بيتنا». أما الكرسي الشاغر في الكنيست الناتج عن انسحاب يعلون من عضويته، فسيملؤه الحاخام المجرم، يهودا غليك، أحد قادة منظمة «أمناء جبل الهيكل» التي تعمل تحت إشرافه على الاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى. وكان «غليك»، الحاخام المستعمر، قد نجا بأعجوبة من محاول الاغتيال التي استهدفته على يد أحد أبطال المقاومة المسلحة في أواخر شهر تشرين الأول عام 2014.

من الملاحظ أن بعض الكتاب والمحللين والإعلاميين، حاولوا تقديم الوزير المستقيل يعلون على أنه «أقل تطرفاً من ليبرمان» وبأنه «صاحب مدرسة إعداد وتخريج لضباط وجنود يتحلون بالأخلاق والممارسة الإنسانية تجاه أعدائهم!». باختصار، لقد تناسى أولئك الكتبة التاريخ الدموي لهذا الجنرال، في لحظات سردهم للسجل الأسود لليبرمان. لكن الحقائق التي تترسخ كل ساعة، منذ أن دنست أقدام الغزاة المستعمرين- المستوطنين أرض فلسطين العربية، بأنه لا فرق بين مستعمر وآخر، سواء كان اسمه: جابوتنسكي، بن غوريون، شامير، بيغن، ليفني، هرتسوغ، ليبرمان، باراك، يعلون، زئيفي، كحلون، بينيت، وغليك. إنهم عناوين المستعمرة/ الثكنة... إنهم رموز القتل والكراهية، لتجمع قام على دماء وأشلاء أصحاب الأرض الأصليين.